أجهزة المخابرات الغربية تتابع باهتمام تصرفات صدام لتحديد سلوكه وسياسته المتوقعة عند اندلاع الحرب

TT

يراقب المحللون البريطانيون والاميركيون عن قرب الرئيس العراقي صدام حسين، ويشاهدونه وهو يتقبل علنا عمليات التفتيش ويحاول التودد للاوروبيين ويسعى لحشد مؤيديه العرب في مواجهة الحشود العسكرية الاميركية.

وفي الوقت الذي تستمر فيه القوات الاميركية في تقوية وضعها تحسبا لحرب محتملة، فإن اجهزة الاستخبارات الغربية اصدرت تقديرات لصانعي القرار السياسي عن احتمال تصرفات الرئيس العراقي وتوجهاته ونواياه في حالة الهجوم. وبما ان صدام حسين يعيش في بيئة منعزلة تخضع لحراسة متشددة، فإن هذه التحليلات هي تكهنات، حسبما ذكر مسؤولون كبار في الادارة الاميركية.

واعرب مسؤولون استخباريون اميركيون عن اعتقادهم بانه في الوقت الذي لا يزال يسيطر صدام حسين سيطرة قوية على حكومته، فيمكن اسقاطه عن طريق انقلاب عسكري في اللحظة التي تستعد فيها القوات البرية بقيادة الولايات المتحدة لغزو بلاده. واشار مسؤول استخباري كبير هذا الاسبوع الى ان «التوقعات هي كلما زاد شعور (القيادة العسكرية العراقية) بقرب النهاية، كلما رغب الناس في الدائرة المحيطة بها في التخلي عنها». ولكنه حذر قائلا «من غير المرجح ان يحدث ذلك الا بعد ان يبدأوا في سماع طلقات البنادق».

والجدير بالذكر ان الحسابات الخاطئة حول انقلابات ضد صدام حسين في الماضي ادت الى ردود فعل وحشية، من بينها القتل والتعذيب، لمئات الضباط ـ وربما اكثر من الف ضابط عراقي ـ بعضهم لم يشارك اصلا في المؤامرة، كما ذكر ضابط ميداني في وكالة الاستخبارات المركزية. واضاف ان «الهجمات على بغداد بصواريخ كروز والقاء القنابل فقط، لن يؤدي الى تلك النتيجة، فلا بد من وجود قوات على الارض».

كما تتابع اجهزة الاستخبارات الحالات النادرة لظهور صدام حسين . فقد استقبل يوم الاحد الماضي وفدا من بيلاروسيا يرأسه نيكولاي ايفانتشنكو نائب الرئيس الكسندر لوكاشينكو. والمعروف ان بيلاروسيا هي إحدى الدول القليلة التي اتهمتها الولايات المتحدة ببيع اسلحة محظورة لبغداد.

وكان مايكل كوزاك، السفير الاميركي في بيلاروسيا، قد وجه هذه الاتهامات لها علنا في الشهر الماضي في مؤتمر عقد في واشنطن تحت رعاية معهد «اميركان انتربرايز» ووصف لوكاشينكو بأنه شخص باع اسلحة محظورة للعراق وبالتالي اختار الجانب الخطأ في الحرب ضد الارهاب.

وفي الربيع الماضي اتهمت وزارة الخارجية الاميركية بيلاروسيا بتدريب القوات العراقية على منظومات الاسلحة المضادة للطائرات، ولكن في اجتماع الشهر الماضي، ذكر كوزاك ان التفاصيل الموجودة لدى الولايات المتحدة بخصوص بيع لوكاشينكو للاسلحة الى بغداد يجب ان تظل سرا لحماية المصادر والوسائل التي تم الحصول بها على هذه المعلومات.

وكانت عمليات التفتيش التابعة للامم المتحدة السابقة قد اكتشفت، في منتصف التسعينات ان بيلاروسيا باعت لبغداد معدات قادرة على انتاج مكونات للصواريخ وطاردات مركزية في غاية السرعة يمكن ان يستخدمها العراق لتخصيب اليورانيوم المستخدم في القنابل. وفي عام 1998، شاهد مفتشو الامم المتحدة معدات مماثلة في العراق، وإن كان العراق قد ذكر انها تستخدم لصناعة عدسات لقذائف المدفعية.

وفي الاجتماع الذي عقد يوم الاحد الماضي، طبقا لراديو بيلاروسيا، اوضح صدام حسين للوفد انه يحصل على مساعدات قليلة من دول اخرى في اطار جهوده لالغاء الحظر على هذا النوع من الاسلحة بسبب الاتهامات بأنه لا يزال يصنع اسلحة دمار شامل. وذُكر ان صدام قال «لقد ابلغنا العالم اننا لا ننتج هذا النوع من الذخائر، ولكن يبدو ان العالم لا يهتم».

وقد ذكرت الخدمات الاخبارية العراقية ان صدام تعهد عندئذ لايفانتشنكو «بتعاون متبادل هائل» مع بيلاروسيا.

وقد ظهر محمد مهدي صالح وزير التجارة العراقي في تلفزيون «الجزيرة» في اوائل هذا الاسبوع مطالبا كل الدول العربية بمساعدة بلاده. وردد المنطق الذي تبناه نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز قبل اسبوع، عندما قال ان واشنطن بمساعدة من لندن تريد غزو وتقسيم العالم العربي. واضاف ان «السعودية وسورية ومصر وايران وتركيا ستصبح الاهداف التالية في الخطة الانجلو ـ اميركية لتقسيم العرب والعالم الاسلامي».

وفي الداخل استمرت عمليات اعداد الرأي العام والمؤسسة العسكرية لحرب محتملة. فقد ذكر راديو العراق الحر الذي يوجه ارساله الى العراق من اوروبا ان وزير التجارة العراقي يخطط لتوزيع المخصصات التموينية لمدة 6 اشهر مرة واحدة، وهو الامر الذي لم يحدث خلال الحرب العراقية الايرانية التي استمرت 8 سنوات. وذكر بعض المحللين ان بغداد تحاول طمأنة الرأي العام بحيث اذا نشبت الحرب فيمكنهم المشاركة في القتال بدلا من اللجوء للغزاة من اجل الغذاء.

وكان العراق قد توصل الى اتفاق في الاسبوع الماضي، عبر الصليب الاحمر، الى فتح نقطة عبور حدودية مع ايران تسمح لمواد الاغاثة الانسانية الممولة عبر برنامج «النفط مقابل الغذاء» بالمرور. وجاء هذا القرار بعد اسابيع من لقاء جماعات المعارضة العراقية في طهران مع المسؤولين في الحكومة الايرانية.

غير ان محاولات صدام حسين في الآونة الاخيرة لتحييد الكويت وغيرها من دول الخليج، جاءت بنتيجة عكسية.

فقد اثارت محاولة منه «للاعتذار» للكويت عن غزوه لها في 1990، عاصفة عندما ربط الرئيس العراقي الغزو بنداء للكويتيين لمعارضة تعاون قيادتهم مع واشنطن. وقد اتهمت الكويت عقب ذلك النظام العراقي بمحاولة تقسيم الدول النفطية واثارة هجمات ارهابية اضافية ضد القوات الاميركية المتمركزة هناك منذ حرب الخليج.

وقد وصف نواب مجلس الامة الكويتي رسالة صدام حسين بأنها «اعلان حرب» وتعهدوا بدعم كامل لحكام الكويت ووجود القوات الاميركية هناك.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»