طلاب لبنان لا يدرسون تاريخهم بانتظار كتاب يوحِّد نظرتهم إليه

كتب تعتبر عون «رئيساً» للبلاد وحزب الله «إرهابيا» والعرب «غزاة»

TT

يتحتم على اللبنانيين الانتظار عاماً اضافياً للاتفاق على تاريخهم القديم، وربما عاماً آخر للوصول الى كتاب موحد لتاريخهم الحديث يدرِّسونه لابنائهم ويتفقون فيه على وجهة نظر موحدة للاحداث التي مرّ بها لبنان. واذا كانت عروبة لبنان تغلبت على «فينيقيته» في اتفاق الطائف، فإن هناك مفاصل اخرى ما زالوا مختلفين حولها. فبعض كتب التاريخ مثلاً تصنف العماد ميشال عون الذي ترأس الحكومة العسكرية خلال فترة الفراغ الدستوري الذي خلفه الرئيس امين الجميل في العام 1998 بعد رحيله دون انتخاب بديل له، على انه واحد من رؤساء الدولة، فيما يتجنبه البعض الآخر.

ورغم ان نحو 14 سنة مرت على النص الذي اورده الطائف (دستور لبنان الجديد) بضرورة ايجاد كتاب تاريخ موحد يدرَّس لطلاب لبنان، الا ان هذا الكتاب قد لا يبصر النور في العام الدراسي المقبل الا للمراحل التعليمية الاساسية، حتى ان كتاب التاريخ «الموحد» الذي انزل الى الاسواق سحب من قبل وزارة التربية لأنه مس بالمبدأ الاساسي الذي اقره الطائف وهو عروبة لبنان، اذ ان هذا الكتاب وضع الفتح العربي في مرتبة «الغزاة» ما اثار حفيظة وزير التربية عبد الرحيم مراد واحدث ما يشبه الخلاف مع رئيس المركز التربوي للبحوث آنذاك نمر فريحة.

وقد احدث الكتاب الموحد خلافات فجرت اللجان التي انشئت لتأليفه واحدة تلو الاخرى ، وكانت للاطاحة بالكتاب الصادر عن المركز التربوي للبحوث تأثيرات فاقمت من فوضى كتاب التاريخ حيث بات لكل مدرسة ومؤسسة تعليمية الكتاب الذي تعتمده لتعليم طلابها التاريخ الذي يتوافق مع تطلعاتها، فيما كان اجراء وزارة التربية الغاء التاريخ من مناهج الامتحانات الرسمية حتى اقرار الكتاب الموحدة.

وفي ظل غياب الرقابة على كتاب التاريخ، كان من الطبيعي نشوء اكثر من وجهة نظر تدرس للطلاب ولم يكن كتاب التاريخ الاميركي «تاريخ العالم الحديث» اولها، اذ ان بعض المدارس اللبنانية التي تعتمد نظام التعليم الاميركي اعتمدته لصفوف الثالث والرابع المتوسط (بريفيه) وهو يصنف «حزب الله» و«حماس» و«الجهاد الاسلامي» على انها من «المنظمات الارهابية العربية». ويقول ان «حزب الله يسعى الى قتل كل من هو غير مسلم في الدول الاسلامية».

وقد اثار هذا الكتاب حفيظة الاحزاب اللبنانية التي طالبت وزارة التربية حظر الكتاب ومحاسبة «الذين اقدموا على هذه الخطوة الخطيرة». وقد ابلغ وزير التربية وفداً من هذه الاحزاب زاره اخيراً انها المرة الثانية او الثالثة التي تأتينا فيها كتب مدسوسة وملغومة من الولايات المتحدة». وكشف ان كتابين صودرا اخيراً واعرب عن امله في ان تتوخى المؤسسات الدقة لدى اختيارها كتبها، مشيراً الى ان «الدولة ستتصل هذه المرة بالمؤسسات المعنية، انما في المرات المقبلة ستخضع هذه المؤسسات للمحاسبة اذا ما وجد لديها بعض الكتب المسيئة».

وشدد الوزير مراد على ان «كل بلد يحترم نفسه يفرض تاريخه الصحيح والسليم لا التاريخ الذي يأتيه مزوراً».

وروى مراد لـ«الشرق الأوسط» اسباب تأخر صدور كتاب التاريخ، فقال: «كتاب التاريخ الموحد، امر اقر في اتفاق الطائف في العام 1989 ولكن الاعداد له لم يبدأ فعلياً الا بعد العام 1996 اذ اعطيت الاولوية لاعداد واقرار المناهج التعليمية الجديدة. وبعد العام 1997 استقر الاتفاق على لجنة لتأليف كتاب التاريخ راعينا في تشكيلها الاعتبارات الطائفية والمذهبية، بعد عدة لجان سبقتها اصطدم اعضاؤها بالاراء المتناقضة ما كان يؤدي الى استقالات وانفراط عقدها لتؤلف لجان جديدة». وقال «ابلغت رئيس المركز التربوي (نمر فريحة) آنذاك اني اريد الاطلاع على التأليف عند الانتهاء منه فربما تأتي المادة مختلفة عن العناوين، لكني فوجئت ذات مرة بمقالة في احدى الصحف تقول ان كتاب التاريخ انجز ونشرت لمحة عن محتوياته، فاتصلت برئيس المركز الذي افادني بأنه تم طبع 75 الف نسخة فطلبت الاطلاع عليها. وألفت لجنة لمراجعتها ليتبين لنا وجود الكثير من الاخطاء، وبرر عدم اطلاعي عليها بأنه «نسي»، فطلبت اليه عدم توزيع النسخ لافاجأ بأنه تم توزيع 75 الف نسخة، وانه بعد التوزيع ارسل الي طلباً للموافقة على توزيعها، فاصدرت تعميماً بايقاف العمل بهذا الكتاب. اما في المضمون فكانت اخطاء جسيمة ابرزها وضع الفتح العربي في مرتبة الغزاة الذين تعاقبوا على احتلال لبنان وهذه مغالطة تاريخية لاننا امتداد للوجود العربي، اضافة الى الكثير من الاخطاء التاريخية».

وتابع قائلاً: «بعدها باشرت باعداد لجنة جديدة طلبت تشكيلها على قاعدة الاختصاصات دون الالتفات الى الهوية الطائفية لاعضائها. فأخذت هذه اللجنة المادة المكتوبة سابقاً وطورتها واوجدت مادة جديدة للمنهاج الجديد اطلعنا عليه فوجدناه مناسباً وطلبنا ان تبدأ عملية التأليف، وهو ما يحصل الآن بالنسبة للمراحل الاساسية. وبعد الانتهاء من المادة سنعرضها على لجان مختصة للتحقق من عدم وجود اخطاء تاريخية او اخطاء اخرى. وبعدها سنقوم بعملية الطباعة لبدء التدريس في الكتاب ابتداء من العام الدراسي المقبل (2003 ـ 2004)».

وعن الوضع السائد في المدارس لجهة تدريس التاريخ قال: «هناك مدارس تقوم بتدريس كتب التاريخ السابقة، وهذه غير ملزمة، لأنه لن يتم امتحان الطلاب بهذه المادة. وهناك من ألغى تدريسها حالياً ويدرس مواد اخرى ولا مانع لدينا من هذا».

وفي ما يتعلق بالتاريخ الحديث قال مراد: «نريد الابتعاد عن المشاكل التي تثير الحساسيات الطائفية والمذهبية في ما يتعلق بالحرب الاهلية. وستركز على بعض الامور المضيئة في تاريخنا. كعملية تحرير ارضنا من الاحتلال. وذلك عبر عدم التوقف عند التفاصيل في النقاط الخلافية».

وعن وضع العماد عون في الكتاب الجديد، وهل سيكون رئيس دولة، قال مراد: «هذا امر متفقون عليه، لا اعتقد ان العماد عون رئيس دولة هو مر كقائد للجيش اللبناني. وهذه الخلافات لن نتوقف عندها».

اما المدير السابق للمركز التربوي للبحوث الدكتور نمر فريحة فقد دافع عن موقفه معتبراً ان الوزير تذرع بالعنوان (ذهبوا جميعاً وبقي لبنان) لسحب الكتاب الذي لم يتضمن مغالطات في النص. وابلغ «الشرق الأوسط» انه اقترح على الوزير الغاء الدرس موضوع الخلاف على ان يستدرك الخطأ في العام المقبل لكنه رفض. واشار فريحة الى ان اللجنة التي الفت الكتاب جرى اختيارها عمداً لتمثيل كل الفئات اللبنانية. وقال: «لقد اثرنا النقاط الحرجة وتوصلنا الى تبيان للحقائق، لكننا لم نصل بعد الى التاريخ».

من جهته، اكد نقيب المدارس الخاصة في لبنان جورج سعادة ضرورة ايجاد «كتاب توافقي بين جميع اللبنانيين» معتبراً ان كتاب التاريخ في لبنان «مرتبط بالوفاق السياسي». وقال سعادة لـ«الشرق الأوسط»: «ان النقابة لا تتدخل في تقرير المناهج في المدارس». ورأى وجود «فوضى في هذه المدارس حالياً في غياب الكتاب الموحد»، وكشف ان النقابة اعطت توجيهات باستبدال حصة التاريخ بحصة التربية المدنية. مشيراً الى ان بعض المدارس تقدم الآن كتاب تاريخ فرنسا او تاريخ الحضارات واشياء عامة.

واشار الى ان الكتاب الذي صدر وسحب وقع في خطأ عندما اورد عبارة «ذهبوا كلهم وبقي لبنان» في حديثه عن الفتح العربي. وقال انه اقترح اضافة كلمة عربي بعد كلمة لبنان لانهاء الاشكال، لكن لم يؤخذ به.