معلومات تؤكد سعي واشنطن لإغراء خبراء أسلحة عراقيين بالهرب

أبو القنبلة الذرية العراقية غاب ساعات داخل السفارة الأميركية في عمان ووصل إلى نيويورك من دون أمتعته

TT

عندما وصل وفد عراقي رفيع المستوى الى نيويورك في اول شهر مايو (أيار) الماضي للاتفاق مع الأمم المتحدة على خطط استئناف عمليات التفتيش عن الأسلحة العراقية، كان عضو رئيسي في اللجنة غائبا. فقد تم احتجاز جعفر ضياء جعفر، الذي يوصف في السفارة الاميركية في الاردن من قبل مسؤولين اميركيين بأنه «أبو» برنامج الاسلحة النووية في العراق، وجرى استجوابه لعدة ساعات قبل حصوله على تأشيرة.

وقال وزير الخارجية العراقي ناجي صبري في الاجتماع التمهيدي مع وفد الأمم المتحدة ان عالم الفيزياء الذي تدرب في بريطانيا «تم اختياره للتحقيق معه» من قبل مسؤولين اميركيين في الاردن ولن يصل الى نيويورك الا في اليوم التالي. وابلغ الدبلوماسيون العراقيون الأمم المتحدة فيما بعد بان المسؤولين الاميركيين عرضوا ايضا مبلغا من المال على جعفر وغيره من الخبراء العراقيين في محاولة فاشلة لاقناعهم بالهرب، طبقا للدبلوماسيين العراقيين والغربيين. ويشير هذا الى ان واشنطن ربما كانت قد بدأت بالفعل حملة لتحديد المسؤولين العراقيين الذين يمكنهم الهرب قبل عدة اشهر من وصول المفتشين للعراق للتحقيق مع خبراء التسلح العراقيين. وفي الاسابيع الاخيرة صعدت الولايات المتحدة جهودها لتشجيع عمليات هرب جديدة، وطالبت المفتشين بدعوة العلماء العراقيين لاستجوابهم في الخارج، حيث تتاح لهم الفرصة لطلب اللجوء السياسي.

وتجدر الاشارة الى ان المعلومات بخصوص جهود تهريب العلماء في مايو الماضي جاءت من المسؤولين العراقيين الذين يرغبون في تصوير الولايات المتحدة كقوة تزعزع الاستقرار في عملية التفتيش. واعتبر الامين العام للأمم المتحدة كوفي انان الامر حدثا خطيرا لدرجة انه نقل مقر جلسة المباحثات الى فيينا.

وبالرغم من ان الادعاء العراقي بأن الولايات المتحدة استهدفت عددا من المسؤولين لتهريبهم الى الخارج، معروف، فإن الاسماء لم تكن معروفة. وبالاضافة الى جعفر، ذكرت المصادر الدبلوماسية ان الاميركيين استهدفوا ايضا الفريق عامر السعدي، وهو مستشار للرئيس العراقي صدام حسين، وقد ساهم مساهمة اساسية في تطوير برنامج الاسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية.

والشخصية الثالثة مهدي العبيدي وهو خبير تقني متوسط، طبقا لتقرير نشرته صحيفة «الشرق الأوسط». واوضحت الصحيفة نقلا عن مسؤولين عراقيين، ان عملاء الاستخبارات الاميركية اتصلوا مرارا بمسؤولين عراقيين في الفنادق التي كانوا يقيمون بها في نيويورك وسعوا لاغرائهم بالهرب بتقديم حقائب ممتلئة بالنقد.

ورفض مسؤول في ادارة بوش التعليق على ذلك قائلا «لانعلق على قضايا استخبارية». كما رفض المتحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) التعليق.

وقالت ادارة بوش التي نجحت في اقناع دبلوماسيين عراقيين في البعثة العراقية في الأمم المتحدة بالهرب في صيف العام الماضي، ان المنشقين العراقيين الذين كانوا يشغلون مناصب كبيرة هم مصدر مثالي للكشف عن معلومات جديدة بخصوص برنامج الاسلحة العراقي السري. ويوجد في وكالة الاستخبارات المركزية برنامج لتشجيع عمليات الهرب.

غير ان هانز بليكس كبير مفتشي الاسلحة عبر عن قلقه بخصوص قيام أي صلة للأمم المتحدة ببرنامج الهرب. وقال ان الولايات المتحدة لم تتقدم بعد بأفكار لكيفية اختيار المنظمة الدولية لعلماء عراقيين واسرهم، ونقلهم الى خارج البلاد لاستجوابهم. وكان يمكن ان يمثل هرب جعفر اهم الانقلابات الاستخبارية بخصوص برنامج التسلح العراقي منذ هرب صهر الرئيس العراقي حسين كامل مجيد الذي كان يرأس برنامج التسلح العراقي السري مما دفع الحكومة العراقية لتسليم مليون صفحة من الوثائق السرية المتعلقة ببرنامج التسلح. وكان جعفر، وهو نائب سابق لحسين كامل، من اهم شخصيات الجهود السرية العراقية لتطوير برنامج الأسلحة النووية لاكثر من عشرين سنة. وهو يتمتع بثقة كبيرة في الدائرة المقربة من صدام حسين.

وقال ديفيد البرايت، المفتش الدولي السابق للاسلحة النووية والذي يرأس الآن معهد العلوم والامن الدولي ان جعفر «مهم للغاية. فلديه معلومات اكثر من اي شخص اخر، لانه يتمتع بثقة القيادة العليا وشارك في كل البرامج المختلفة في المجال النووي. كما انه يعرف الكثير عن برامج الاسلحة الكيماوية والبيولوجية والصواريخ».

وادت محاولة واشنطن اغراء جعفر الى طلب الحكومة العراقية من انان عقد الاجتماعات اللاحقة حول الاسلحة في جنيف او فيينا. ولكن الحكومة العراقية لم لم تكشف تفاصيل الواقعة الا في يونيو (حزيران) الماضي، بعدما اصدرت واشنطن اوامرها بطرد دبلوماسي عراقي في نيويورك، هو عبد الرحمن سعد، لانه كان يحاول تجنيد اميركيين للتجسس لحساب العراق.

وقال السفير العراقي في الأمم المتحدة محمد الدوري للصحافيين انذاك ان واشنطن تنتقم لان بغداد قدمت شكوى للأمم المتحدة بخصوص تحرش الولايات المتحدة بثلاثة اعضاء في الوفد العراقي، لم يحدد هويتهم، قال «ان واشنطن طلبت منهم الانشقاق والبقاء في الولايات المتحدة ».

ومن ناحية اخرى قال خضر حمزة، وهو مساعد سابق لجعفر انشق وهرب الى الولايات المتحدة، ان كلاً من الولايات المتحدة والأمم المتحدة تعرضان للخطر حياة العلماء العراقيين. فهروب جعفر يمكن أن يعرض حياة اسرته للخطر. وكان النظام العراقي قد رد على محاولات الانشقاق بطريقة لاترحم. فبعد استدراج حسين كامل لبغداد، تم قتله مع افراد اسرته.

وقال حمزة ان جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاجراء جولة مبدئية من الاستجوابات مع العلماء العراقيين في العراق قبل تحديد قائمة الشخصيات الرئيسية التي يمكن استجوابها في الخارج، امر خطير. «فالحديث مع العلماء بوجود مراقبين عراقيين، امر لا معنى له، وبدون مراقبين خطير». ولو كان في نية جعفر خيانة النظام العراقي، فلم تظهر اية ادلة على ذلك عندما وصل الى نيويورك للقاء مع خبراء الاسلحة النووية فقد اشتكى من فقدان حقائبه وانه ما زال يرتدي نفس الملابس التي كان يرتديها عندما غادر بغداد. ونقل مسؤول في الأمم المتحدة عنه القول «من المؤكد ان الاستبخارات الاميركية تفتش كل قطعة ملابس تخصني».

واضاف المسؤول ان جعفر انفعل واخذ يقول ان الأمم المتحدة زورت تقارير عن جهود العراق لتفكيك اسلحتها النووية. وأضاف المسؤول ان جعفر «اصبح عدوانيا. واعتقد بعض من كانوا في الحجرة انه ربما أظهر علامات العدوانية تجاهنا لكي يظهر لحكومته انه لا ينوي الهرب».

وخلال الاجتماع هدد محمد البرادعي المدير العام لوكالة الطاقة الذرية بوقف المناقشات عندما وجه جعفر اهانة للمساعد الرئيسي للبرادعي جاك بوت، وهو فرنسي يرأس فريق العمل التابع للوكالة الخاص بالعراق، بعدما انتقد لغته الانجليزية. وذكر مسؤول في الأمم المتحدة ان جعفر قال «انجليزيتي افضل من انجليزيتك يا بوت، فلا تحاول التلاعب بالكلمات بالانجليزية. وإن كنت اود الاعتراف انه منذ ان تزوجت بريطانية، تحسنت لغتك الانجليزية».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»