تركيا تبحث دورها في الحرب وسكانها الأكراد أغلقوا نوافذ بيوتهم بالبلاستيك تحسبا لانتقام كيماوي من صدام

TT

يتذكر الكل هنا طوابير اللاجئين الذين تدفقوا باتجاه هذه المنطقة بجنوب شرقي تركيا عند نهاية حرب الخليج الثانية عام .1991 أما الآن فإن سكان المنطقة باتوا يشعرون بالقلق ازاء طوابير من الشاحنات محملة بالدبابات عبرت هذه المدينة قبل اسبوع باتجاه العراق، ولا يعرف هؤلاء ما يمكن ان تسفر عنه الحرب المرتقبة ضد بغداد. واشنطن من جانبها لا تعرف أيضا حتى الآن موقف تركيا النهائي من الحرب المحتملة، اذ من المفترض ان تكون انقرة قد اوضحت لواشنطن بنهاية يوم امس مستوى التعاون الذي تعتزم تقديمه للولايات المتحدة في الحرب المرتقبة، اذ طلبت من انقرة استخدام الاراضي التركية كقاعدة لشن هجوم على شمال العراق. فاستخدام قواعد في وسط الجنوب التركي سيسمح لوزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) بشن حرب من جبهتين للضغط على نظام صدام حسين من الشمال والجنوب. سكان جنوب شرقي تركيا، وهي منطقة كردية ظلت تشهد حربا حتى عام 1999، احكموا إغلاق منازلهم بالبلاستيك تحسبا لأي هجوم انتقامي لصدام حسين بالاسلحة الكيماوية، فيما ركز آخرون على وقوع اضرار اقتصادية على تركيا، التي تعتبر بغداد شريكا تجاريا مهما، واحتمال ظهور قوة كردية وليدة خلال مرحلة ما بعد الحرب في العراق. ويأتي هذا الاحتمال الاخير في وقت باتت فيه القضية الكردية في تركيا في طريقها الى التسوية، اذ يعتبر المحللون ذلك سببا رئيسيا في تردد تركيا ازاء الخطط العسكرية الاميركية. يقول ايوب تانيس، زعيم احد الاحزاب الكردية اليسارية، انهم شاهدوا مئات الشاحنات وقوات قوامها آلاف الضباط والجنود تعبر هذه المنطقة ليلا خلال الاسبوعين الاخيرين باتجاه العراق. ويقول تانيس انهم ضد هذه الحرب لأن الكثير من العرب والاكراد، على حد قوله، سيلقون حتفهم بسبب مسألة يمكن حلها بالوسائل الدبلوماسية.

لم تتقبل تركيا خطط واشنطن الخاصة بـ«تغيير النظام» في العراق كما كانت تأمل ادارة الرئيس جورج بوش، لذا بات ضمن السيناريوهات المحتملة نقل الجنود الاميركيين جوا الى قواعد عسكرية في جنوب تركيا ووضعهم في مروحيات ونقلهم من ثم الى شمال العراق للحيلولة دون الاحتياج الى أعداد متزايدة من القوات الاميركية في تركيا. إلا ان صحفا تركية رئيسية اشارت هذا الاسبوع الى احتمال ان يكون البنتاغون قد طلب اذنا من تركيا بنشر قوات اميركية يقدر قوامها بحوالي 80000 جندي وضابط بالقرب من الحدود العراقية لفترة خمس سنوات. يتصدر قائمة المخاوف التركية احتمال ان تسفر الحرب ضد صدام حسين عن إنشاء دولة كردية مستقلة في شمال العراق التي ظلت تتمتع بشبه استقلال منذ فرض نظام مناطق الحظر الجوي عقب انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991، مما قد يشجع اكراد تركيا، الذين يتراوح عددهم بين 12 و20 مليونا من جملة سكان تركيا (68 مليون نسمة)، على إحياء الحركات الانفصالية. ويعتقد دبلوماسي غربي في انقرة ان اهتمام تركيا بالشأن العراقي يتركز على الخطر الكردي على اعتبار ان أي شيء يحصل عليه اكراد شمال العراق سيؤدي الى إثارة اكراد تركيا. وتتضمن هذه المخاوف احتمال ان يستغل الاكراد الحرب المرتقبة او أي ازمة لاجئين محتملة لتسريب حوالي 5000 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني، الذين تعتبرهم تركيا ارهابيين، الى داخل البلاد. ويتركز القلق في ان اندلاع الحرب يعني تدفق أعداد متزايدة من اللاجئين ربما يكون من بينهم مقاتلون تابعون لحزب العمال الى داخل تركيا. جدير بالذكر ان اعتقال زعيم الحزب عبد الله اوجالان، الذي يقضي حكما بالسجن المؤبد في تركيا، عام 1999 ادى الى توقف الكثير من اكراد تركيا عن العمل المسلح بغرض الدفع في اتجاه المزيد من الحقوق المدنية، اذ ساعد في هذا الدفع محاولة تركيا الانضمام الى الاتحاد الاوروبي الذي يشترط وجود وضع افضل فيما يتعلق بحقوق الانسان في تركيا. ومن ضمن الاصلاحات الاخرى قررت السلطات التركية رفع حالة الطوارئ التي ظلت مفروضة في مناطق الاكراد منذ منتصف عقد الثمانينات. ويقول الناشط السياسي ريسول صادق انهم يرغبون في اطاحة صدام حسين لأنه، على حد تعبيره، قاتل ودكتاتور قتل آلاف الاكراد، لكنه اشار الى ان السلطات التركية ستضع عليهم ضغوط جديدة في حال نشوب حرب ضد العراق. وأكد صادق على عدم الرغبة في الانفصال عن تركيا مؤكدا على الرغبة في العيش في تركيا على اساس الحقوق الديمقراطية والهوية الكردية. وتجد تركيا نفسها في موقف صعب، فهي تقدر تحالفها مع الولايات المتحدة لكنها ما تزال تعاني من ازمة اقتصادية وتدرك ان الحرب يمكن ان تزيد الاوضاع سوءا عندما يحدث اضطراب في واردات النفط من العراق وازدياد اسعاره وتكلفة إيواء اللاجئين، اذ يقول الخبير الاقتصادي دينيز غوكشا ان التعويضات التي تسلمتها تركيا عقب حرب الخليج لم تتجاوز نسبة 10 بالمائة فقط من جملة التكاليف التي تحملتها، خصوصا ان دول المنطقة تتلقى 40 في المائة من صادرات تركيا. الحكومة التركية الجديدة، التي يقودها حزب له جذور اسلامية، لها جمهور ناخبين لا بد من وضع مواقفهم في الاعتبار. فمساعدة تركيا، وهو دولة مسلمة، للولايات المتحدة على مهاجمة دولة مسلمة اخرى امر لا يجد قبولا من الكثير من الاتراك ودول الجوار. ويبدو ان الاوضاع الراهنة كانت وراء زيارة يعتزم رئيس الحكومة التركية، عبد الله غول، القيام بها الى عدد من الدول من بينها الاردن ومصر وسورية وربما ايران للتباحث بشأن الاوضاع الحالية في المنطقة. ومن جهته قال رئيس البرلمان التركي بولنت آرينك، ان هذه القضية يجب ان تناقش في جلسة كاملة، واشار الى ان الكثيرين يعارضون مساعدة تركيا في العمليات العسكرية المتوقعة. وقال التر تركمين، وزير الخارجية السابق، ان مساعدة تركيا في هذه العمليات سيثير كراهية الدول العربية تجاهها ويزيد من احتمالات تعرض تركيا للارهاب، فضلا عن ان الهجوم المحتمل على العراق سيتسبب في إثارة مشاكل وليس حلها، لكنه اشار الى ان الاوضاع تقتضي احيانا مسايرة أخطاء الدول الحليفة. وفي مدينة جزرة، قرب الحدود مع العراق، رفض قائد عسكري تركي التعليق على اسئلة مراسلين حول عبور قوات ودبابات تركية هذه المنطقة باتجاه العراق الاسبوع الماضي، لكنه أكد وجود شعور بالتوتر لأن المشكلة ليست مشكلة تركيا والحرب ليست حربها وان المشكلة بين دولتين اخريين، على حد تعليقه.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»