نيجيريا.. رئيس في مهب الريح

عاصفة الرئاسة الثانية قد تعصف بأوباسانجو وبنيجيريا أيضا

TT

تتوقع مجلة «ايكونومست» ان تطبيقات الشريعة الاسلامية في 12 ولاية من ولايات الشمال الافريقي قد وسعت من خطوط التمايز والاختلاف بين المسلمين والمسيحيين، وتداعت لدى جميع المسيحيين لجهة قضايا مثل الهوية وهم يرون ان هذه التطبيقات بداية ايذان بأسلمة نيجيريا. ولذلك، ووفق رؤية المجلة، فان قضية الشريعة الاسلامية ستشكل تربة خصبة للصراع مع اقتراب الانتخابات.

ولكن بيني جاسون من مجلة «نيو افريكان» تنفرد بقصة اخرى، هي امكانية عدم حصول الرئيس الحالي اوباسانجو على موافقة حزبه على الترشح لولاية ثانية وربما تعديل الدستور لقطع الطريق عليه حتى اذا ما فكر في هذه الخطوة، ويرى الكاتب ان اوباسانجو، شاء او لم يشأ قد وضع كل مستقبله السياسي في مهب الريح، او على كف عفريت.

تقول المجلة: «اوباسانجو حينما اعلن في ابريل (نيسان) الماضي عن رغبته في ولاية ثانية بدا بلا منافس وكرئيس غير قابل للهزيمة، ولكنه، وبعد 6 أشهر فقط، ومنذ اكتوبر الماضي، يبدو الآن انه غير قابل للانتخاب. فحزبه، حزب الشعب الديمقراطي منقسم بين الذين يريدونه لأربع سنوات اخرى والذين لا يريدونه، الى حد انضمام اعضاء من الحزب الى حزب عموم النيجيريين المعارض».

تشير «الشرق الأوسط» هنا الى ان الازمة تفاقمت منذ 13 اغسطس (آب) الماضي حينما وجه مجلس النواب انذارا للرئيس اوباسانجو مدته اسبوعان، له ان يختار خلالهما بين الاستقالة او مواجهة المحاكمة، فاستهان اوباسانجو بالانذار واعتبره نكتة سياسية، فأقدم المجلس على اعداد صحيفة اتهام من 17 تهمة تصدرها فشله في تطبيق قانون التوفيق لعامي 1999 ـ 2000 و2001 ـ 2002، وانفاق اموال لم يصدق عليها المجلس، ثم رفع المجلس قائمة الاتهام في اكتوبر الى 32، لينضم اليه مجلس الشيوخ ويضيف 5 ليصل بالمحصلة الى 37 اتهاما.

وقتها شعر اوباسانجو بالخطر، ولكنه سلك طريقا في المعالجة لم يسفر الا عن تعقيدات اكثر، فقد اتجه، وعبر وسائل الاعلام، الى تصوير المحاكمة كنوع من الابتزاز وطلب الاموال، ثم تابعها بمحاولات لاحداث انقسامات وسط التشريعيين والنواب بهدف استبعاد رئيسي مجلسي الشيوخ والنواب، فسارع هؤلاء بدورهم الى ابعاد المتعاطفين من اعضاء المجلسين مع اوباسانجو من اللجان البرلمانية المؤثرة.

كانت البداية، او اول المصابين من فريق اوباسانجو آرثر نزيربي المشهور بقيادته الناجحة لحملة انتخاب الراحل مسعود ابيولا عام 1993، فعلق المجلس عضوية ارثر لاجل غير مسمى بتهم الغش والتزوير والسرقة. وترددت اشاعات انه تلقى تمويلا من مكتب اوباسانجو لاجهاض حركة وتحركات المحاكمة.

موقف اوباسانجو من الانتخابات القادمة يبدو صعبا، لان آخر وساطة قادها رئيسان سابقان هما يعقوب قاوون وشيخو شقاري مع رموز من حزب الشعب لم تسفر عن جديد، اللهم الا اشتراط نواب البرلمان بشقيه لشرطين، اولهما، اعفاء وزير الاشغال والاسكان توني اينيني، على خلفيات صراع داخلي، وثانيهما ان يتخلى اوباسانجو عن ترشيح نفسه لولاية ثانية.

بل ان موقف اوباسانجو مع حلفائه القدامى في الشمال قد تزعزع كثيرا بعد ان اغضب اوباسانجو بتصريحات اخيرة اولئك الحلفاء كشف فيها انهم حاولوا خلال انتخابات 1999 التي فاز بها اجباره على التوقيع بمنحهم الوزارات القيادية الكبرى.

فرقة اخرى تطلق على نفسها المجموعة الوطنية حاولت الوساطة في صراع اوباسانجو مع البرلمان فوصلت الى حل هش يقضي بان يوقف البرلمان اجراءات المحاكمة في مقابل تعديل الدستور لينص على ولاية واحدة لكل رئيس من خمس سنوات، وقد بدأ المجلس بالفعل محاولة تعديل الدستور.

ويقدر كثيرون ان اوباسانجو قد شرب من نفس الكأس التي حاول ان يسقيها الجهاز التشريعي، والقائلون بهذا يشيرون الى فقدان اول رئيس لمجلس النواب لمنصبه بعد 6 أشهر فقط بعد ان اكتشف الاعضاء، ان رئيس المجلس والذي فرضه عليهم اوباسانجو قد زور في شهاداته الدراسية وفي عمره.

وعلى ذلك قس وصول ثلاثة رؤساء لمجلس الشيوخ في اربعة اعوام، وثلاثة رؤساء لحزب الشعب الحاكم الذي يمثله اوباسانجو في الرئاسة، ويرجع كثيرون كل هذه التنقلات والاعفاءات الى مناورات يقودها اوباسانجو ولا تخلو من اساليب غير عادية.

الى ذلك ذهبت «افريكا كونفدنشيال» الى ان دورة الانتخابات الثانية في 2003 قد سخنت المشهد السياسي بنيجيريا، وانها ربما تصطحب الاغتيالات السياسية وبالتأكيد تبدلات وتحولات في التحالفات السياسية التي صاحبت انتخابات 1999.

«الشرق الاوسط» تشير، الى انه وعلاوة على الفوارق الدينية التي تؤججها التطبيقات الاسلامية في الشمال، فهناك فوارق توزيع الثروة، والاشارة هنا الى شعب دلتا النيجر، المنطقة التي تنتج معظم انتاج البلاد من النفط، وتعاني من الفقر. وتقول آخر التقارير ان لسان حال ذلك الشعب يقول اليوم انهم تعبوا من مراقبة لعبة الحكم دون ان يكون لهم فيها نصيب.

امام مثل ذلك المشهد، لم تعد القضية وقفا على مصير اوباسانجو، المسيحي الذي شفع له تاريخه السياسي والعسكري ليصبح رئيسا منتخبا في الحقبة التالية لحكم ساني اباتشا الكريهة بعد فترة عبد السلام الانتخابية، ولكنها قضية نيجيريا بحالها، التي تحفظ ذاكرتها محاولات انفصال اقليم بيافرا في الستينات، ذلك لان نيجيريا مرشحة، واذا ما كان لعقد الامن ان ينفرط على خلفية هذه الاحداث مع الانتخابات القادمة، اما لان تصبح بلقان او يوغوسلافيا افريقيا، او ان تفتح شهية العسكر لاجهاض الديمقراطية والعودة بهم الى ديكتاتوريات يعقوب قاوون ومحمد نجاري وبابانجيدا وسياني اباتشا.