كينيا: رحيل رئيس اسمه «مصلحتي الخاصة»

كينيا تفتح العام الجديد بملفات «القاعدة» والخوف على الوحدة الوطنية

TT

تكون كينيا بتقديرات «الشرق الاوسط» اكثر بلدان القارة السمراء سيطرة على الاضواء خلال عام 2003، واسباب التقدير ومثل هذا الحكم عديدة، فكينيا كانت قد شهدت في 7 اغسطس (آب) 1998 تفجير السفارة الاميركية بالعاصمة نيروبي ومعها سفارة واشنطن في العاصمة التنزانية دار السلام، فتداعت اصابع الاتهام الاميركي الى الاشارة للسودان وافغانستان، فتعرضت الخرطوم وكابل للقصف بالصواريخ على خلفية الحدث الكيني.

وكانت كينيا نفسها وللمرة الثانية، صباح 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2002 مسرحا آخر لتفجير فندق برادايس الاسرائيلي في ميناء ممبسا الكيني، فيما نجت طائرة اسرائيلية ـ على متنها 261 راكبا ـ من صاروخين اطلقا عليها في نفس الصباح، لتتجه اصابع الاتهام هنا الى شبكة القاعدة واسامة بن لادن، وتمتد الاحاديث لجهة امتلاك القاعدة لصواريخ ارض جو سافر وإس ايه 7، فنحن اذن امام دولة تخيرها الارهاب مرتين في اربعة اعوام لحدثين كبيرين.

ولكننا ايضا امام دولة تحاول ان تكون قاعدة للدبلوماسية الهادئة والاجتهاد على طريق ايجاد التسويات السلمية للحروب الاهلية في دول الجوار، وقد استضافت نيروبي مؤتمرا للمصالحة الصومالية، فيما اصبحت ضاحيتها ماشاكوس مقرا لمفاوضات السلام السودانية تحت مظلة ايقاد، وبمشاركة من عرفوا بشركاء ايقاد وهم اميركا وبريطانيا والسويد وايطاليا. وهي المفاوضات التي احدثت انفراجا كبيرا في الازمة السودانية يأمل كثيرون ان تنهي ماشاكوس ملف تلك الازمة خلال عام 2003.

ولكينيا وعلى صعيد حدثها الداخلي ما يرشحها للصدارة الافريقية، فلأول مرة ومنذ 24 عاما، اتجه الكينيون صباح امس الجمعة 27 لانتخاب رئيس جديد يخلف دانيال آراب موي الذي كافأته واشنطن باستقبال الرئيس بوش له الاسبوع الماضي باشادة به وبمحورية بلاده في مكافحة الارهاب، وان كان معه في الاستقبال رئيس وزراء اثيوبيا ملس زيناوي.

ولكن اشادة واشنطن تأتي على مسافة 180 درجة من آراء الشعب الكيني في رئيسه الراحل عن الرئاسة، وتقول آخر نكتة شعبية يرددها شارع المدن الكينية ان حروف الرئيس موي الانجليزية MOI تشير بالانجليزية الى مصلحتي الخاصة اي My Own Interest.

والشاهد هنا ان الكينيين اتجهوا امس للاختيار بين مرشح موي للخلافة عن حزب كانو KANU الحاكم (الحزب الكيني الافريقي القومي) وبين مرشح المعارضة التي توحدت لأول مرة في تاريخها تحت تحالف يحمل اسم ائتلاف قوس قزح القومي NARC.

دقة الاختيار والموقف امام الكينيين انهم، وبحلول يوم 3 يناير يكونون قد وضعوا على دفة الرئاسة رئيسا قد يكون الشاب يوهورو كينياتا مرشح الحزب الحاكم، 41 عاما، وابن زعيم الاستقلال الراحل جومو كينياتا، وقد يكون العجوز موادي كيباكي، 71 عاما، مرشح المعارضة.

مخاوف الشعب الكيني مع رحيل موي كثيرة، فعلى الطريقة الافريقية، تجتر النخب الافريقية مصائر بلاد افريقية رحل عنها طغاة فدخلت الى نفق الحروب الاهلية، والاشارات هنا لسياد بري في الصومال 1991، وصموئيل دو في ليبيريا 1989، وموبوتو سي سيسكو في زائير (الكونغو حاليا) 1996.

وتمتد المخاوف لتلامس مصير الوحدة الوطنية، ويقول الصحافي الافريقي جون كامو ان هذا الخوف قد اوصل الرسالة الشعبية الى مرشحي الرئاسة فتحدث كلاهما عن عزمه تشكيل حكومة وحدة وطنية في حال فوزه، وان كان دبلوماسي غربي قد ارجع مثل هذه النية الى تأكد المرشحين من انهما لن يحصلا على اغلبية برلمانية كاسحة.

فرص الفوز، اذا لم تصاحب الانتخابات عمليات تزوير متوقعة، تميل لصالح كيباكي، مرشح المعارضة، لعامل الخبرة والسيرة الذاتية، ولعامل اداء المعارضة في انتخابات 1997 التي فاز بها موي.

فعلى صعيد الخبرة كان كيباكي نائبا سابقا لرئيس الجمهورية موي، ومن قبل وزيرا للمالية فتآمرت عليه عصبة في الحزب الحاكم واقصته الى وزير للصحة فاتجه لتشكيل حزب جديد، وخبرته هنا تضاهي خبرة كينياتا الابن الذي اصبح عضوا بالبرلمان عام 2001 ووزيرا للحكم المحلي منذ مارس (آذار) 2000 ونائبا لرئيس الحزب ومرشحا للرئاسة في اكتوبر الماضي.

على صعيد اداء المعارضة تقول ارقام 1997 ان المعارضة مجتمعة حصلت على 67 في المائة من الاصوات، ولكنها تفرقت بين ثلاثة مرشحين يقفون الآن مجتمعين بسندهم القبلي والجماهيري مع كيباكي، وهم ريلا اودنجا وكيجانا وملاوا، واخيرا جاراتي نجيلو.

ولكن كل ذلك لا يعني نتيجة مضمونة لكيباكي، لان اصوات العاصمة نيروبي المؤثرة ستذهب في معظمها الى يوهورو كينياتا بعد ان ضعف السخط على الحزب الحاكم بتعيين ابن كينياتا مرشحا للرئاسة على خلفية قبيلة الكيلوي.

وايا كان المرشح الفائز، فالتقدير السائد ان النتيجة لا تهم في كينيا سكان الارياف والفقراء الذين لم يحسن موي ادارة مشاكلهم، والى ما هو قريب من مثل هذا التقدير يذهب الصحافي الكيني المتشائم كويجي واموير فيقول: «بقدر ما يتعلق الامر بالفقراء في كينيا، فلن يكون هناك اي فرق على الاطلاق اذا ركب على ظهورهم يوهورو او كيباكي او نجيلو او اودنجا فالفرق سيكون واحدا، انا لست من مؤيدي يوهورو، ولكني وحين اسمع الانتقادات ضده من الآخرين المنافسين على الرئاسة اتخيل منظر قردة يضحك بعضها على البعض الآخر لقاء الاحمرار الذي يميز مؤخراتها..».

هي صورة متشائمة، ولكن قراءة الحدث في عمقه، لا ينال التقدير بان كينيا ستأخذ معظم اضواء عام 2003 افريقياً وربما اقليمياً.