الصومال.. تحدث عن حرب الإرهاب ابحث عن حرب الصومال

TT

عن الصومال يمكن اعادة بيت شعر المتنبي المعروف.. عيد بأية حال، عدت يا عيد.. لأن العام 2003 لا يبدو مشجعا تجاه اخبار حسنة من الصومال الذي تفرقت وحدته بين قبائله بعد رحيل الدكتاتور سياد بري في 1991، ولذلك فعام 2003 يمكن ان تتم مخاطبته بلسان حال جمعي يقول.. عام باية حال عدت يا عام..

العام 2003 يخطو في الصومال بخطى متثاقلة، يثقله في الاصل ميراث سياسي يتقاطع فيه ما هو محلي بما هو اقليمي، وما هو اقليمي بما هو عالمي.

التقاطعات المحلية تحمل اجهاض نحو عشر جولات حملت شعار المصالحة الصومالية، ولم ينجح اي منها منذ دخول قوات الامم المتحدة والقوات الاميركية في فبراير (شباط) 1992 تحت شعار اعادة الأمل RESTORE HOPE التي دشنها الرئيس الاميركي بوش الأب فاختنق وفقد مقعد الرئاسة بعد ان قتل الصوماليون 18 جنديا اميركيا، وبشعوا بجثة احدهم حين ربطوها بالسلاسل وطافوا بها شوارع مقديشو العاصمة، وهنا لامس ما هو محلي، ما هو دولي.

النتيجة كانت وجود فعلي لكابوس الصومال في العقل الاميركي، فبعد غزو افغانستان في اكتوبر (تشرين الأول) 2001 علا صوت واشنطن بتعقب القاعدة في الصومال وارتفعت سيناريوهات غزوه، وبعد تفجير فندق برادايس الاسرائيلي في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2002 بميناء ممباسا الكيني اتجهت الاصابع للاتحاد الاسلامي بالصومال، وللقاعدة، علا صوت وزارة الدفاع الاميركية لجهة اقامة مراكز قيادة في القرن الافريقي، وبدأت الخطوة بوجود في جيبوتي ومياهها بقوة تتألف من 800 جندي، واختيار جيبوتي جاء لكونها الاقرب بالجغرافيا، ولأنها بلغة المعلومات تعرف الكثير عن الصومال وقد نجحت العام الماضي في تحقيق انتصار نسبي بعقدها لمؤتمر مصالحة اسفر عن هذه الحكومة الصومالية المؤقتة بقيادة صلاد وزير الداخلية في عصر سياد بري، وكذلك، ويوم ان شهدت العاصمة الاثيوبية اديس ابابا انفجارين، اتجهت اصابع الاتهام للصومال، فاي بلاد هذه، يتوافر في داخلها كل شيء إلا الحكومة كما يقول ايان فيشر الصحافي في «نيويورك تايمز»، ومن عدم وجود حكومة، تقلق كينيا، وتقلق اثيوبيا، وتقلق من قبلهما اميركا، بحساب التسعينات وقتل الجنود، او بحساب الألفية الجديدة بتفجير فندق برادايس بحصيلة 16 قتيلا، دعك من نجاة طائرة اسرائيلية من صاروخين اطلقا عليها بعد التفجير، وهنا تتقاطع خطوط المحلي بالاقليمي والدولي.

محليا، لا يبدو ان قبائل الصومال الأربع الكبرى ستصل الى وفاق في عام 2003، لأن حصيلة العامين السابقين من مؤتمر جيبوتي والى مؤتمر ديروت بكينيا توحي بان الخلافات، وليس مجرد الاختلافات، وهناك فرق، بين القبائل الأربع الكبرى عميقة، دعك من عدم الثقة الذي غذته حرب الـ12 عاما منذ رحيل سياد بري بين الداروت والدير والهوية والرحناوين، وهي القبائل الأربع الرئيسية، ودعك من كون تقسيم حصص البرلمان المقترح من مؤتمر جيبوتي قد استغرق القبائل وفخوذها 18 يوما كاملة ولم يأت الاتفاق حول قضية شكلية مثل هذه الا باللجوء الى لجنة تحكيم.

ميراث الفوضى السياسية افقد الصومال شماله منذ ان اعلن الراحل محمد ابراهيم عقال تأسيس ما عرف بجمهورية ارض الصومال التي لم تحظ الى الآن بأي اعتراف دولي او اقليمي، ومع ذلك، قاطع رئيسها الحالي طاهر كاهين مؤتمر ديروت بكينيا.

عام 2003 يوحي بتمسك ارض الصومال (الشمال) بموقفها الانفصالي، وبتعثر خطى عبد القاسم صلاد الرئيس الانتقالي في الجنوب، وهو يسير بحكومته الهشة في حقل الغام داخلي يسمع فيه اصوات رصاص زعماء الحرب في الداخل على خلفية الخلافات القبلية والعرقية، مثلما يسمع وشوشة البوارج والاقمار الاميركية في خارجه القريب، وهي تتأهب الى دخول بلاده، كما فعلت في 1992، ولكن ليس لاعادة الأمل هذه المرة، وانما بحثا عن عناصر القاعدة.

2003 يرشح الصومال لنوع من الاحتواء الدولي والاقليمي، وحصاره ليس من اجل ايقاف حربه، وانما من اجل تمشيطه بحثا عن ناشطي القاعدة، وللتأكيد، يمكن ان تقرأ ما بعد مفردات الرئيس جورج بوش وهو يستقبل الرئيس الكيني دانيال اراب موي ورئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي في البيت الأبيض ظهر الخميس 5 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، واشادته المطلقة بهما وبصداقة بلديهما، لتقول «واشنطن بوست» في اليوم التالي صراحة ان الاشادة اشارة الى اهمية البلدين في مكافحة الارهاب، ولنقول نحن في «الشرق الأوسط» ان البلدين يحدان الصومال غربا وجنوبا، ليبقى الشرق للمحيط الهادي حيث البوارج الاميركية، والشمال لجيبوتي التي انخرطت في حرب مكافحة الارهاب ان طوعا او كرها.. عام بأية حال.. يهل على الصومال ولن يكون جديدا ذا صلة لا بوحدة الصومال، ولا بتسكين جراحه الداخلية، لأن كليهما ليسا صنعا اقليميا او دوليا فقط، وانما صنع صومالي بنفس القدر.