تحقيق أوروبي يؤكد شراء «القاعدة» كميات من الماس لإخفاء أموال بن لادن عن عيون المحققين

TT

توصل تحقيق اوروبي مكثف استمر لمدة عام حول تمويل تنظيم «القاعدة»، الى ادلة تشير الى استضافة حكومتي دولتين في غرب افريقيا لاعضاء بارزين في التنظيم ممن اشرفوا على شراء صفقة من الماس بلغت قيمتها 20 مليون دولار اميركي احدثت عمليا اثرا كبيرا في تجارة الاحجار النفيسة التي تشتهر بها المنطقة.

فقد استنتج المحققون الذين ينتمون لدول عدة ان رئيس ليبيريا تشارلز تايلور تلقى مليون دولار اميركي مقابل الترتيب لاستضافة اعضاء «القاعدة» الذين تواجدوا في المنطقة لما لا يقل عن شهرين بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) .2001 ووفقا لما توصل اليه المحققون، فان عناصر من «القاعدة» تنقلوا بين انحاء آمنة من ليبيريا والقصر الرئاسي في دولة بوركينا فاسو المجاورة.

وقد اصر تايلور، الذي يتهم منذ فترة طويلة بتوفير الحماية لتجارة الماس والاسلحة غيرالمشروعة، ورئيس بوركينا فاسو بليسي كامباوري على نفي التهم التي ورد ذكرها في ملخص لما توصل اليه التحقيق المشترك.

قد حصلت «واشنطن بوست» على ملخص عن التحقيق، يتضمن معلومات سرية، ويكشف طبيعة النشاطات التجارية السرية لتنظيم «القاعدة» في غرب افريقيا. كما يعرض تفاصيل المخطط الذي بدأ عام 1998 لاخفاء اموال هائلة تابعة لشبكة اسامة بن لادن على هيئة الماس.

واعتمدت هذه المحصلة على مقابلات اجريت مع محققين بارزين. كما ان تقريراً عسكرياً ووثائق تم الحصول عليها تؤكد ما استنتجه المحققون. وقد تم اجراء لقاءين مع مصدرين على معرفة مباشرة باحداث معينة، طلبا عدم الاشارة الى اسميهما خشية تعرضهما للانتقام، بهدف اعداد هذا التقرير.

وعثر محققون من اوروبا واميركا اللاتينية ايضاً على دليل يشير الى شراء مجموعة من الاشخاص لكمية من الماس نيابة عن عناصر من «القاعدة» كانوا يحاولون في نفس الوقت الحصول على اسلحة متطورة مثل الصواريخ التي يمكن استخدامها لاسقاط الطائرات. ولم يتمكن المحققون من تعقب كمية الماس منذ مغادرتهم لليبيريا وبوركينا فاسو.

ويبدو ان عملية شراء الماس تمت ردا على الاجراء الذي اتخذته الولايات المتحدة عام 1998 بشأن تجميد اموال «القاعدة» عقب الهجوم على سفارتيها في شرق افريقيا، والذي تم تحميل شبكة اسامة بن لادن مسؤوليته.

واعربت مصادر استخباراتية اوروبية بارزة عن دهشتها لعدم اهتمام الولايات المتحدة، وخصوصاً وكالة الاستخبارات المركزية سي. آي. ايه بما توصلت اليه في استنتاجاتها الاخيرة. وقد امتنعت وكالة (سي. آي. ايه)، التي هونت في الماضي من اهمية علاقة «القاعدة» بتجارة الماس، عن التعليق.

وكان جهاز الاستخبارات التابع لوزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) قد حاول خلال الاسبوع الذي اعقب هجمات 11 سبتمبر، فرض مراقبة على اثنين من اعضاء «القاعدة» البارزين االذين يشرفون على تجارة الماس، ممن عرف عنهما انهما يختبئان في معسكر خاص في ليبيريا. ووفقا لمصادر مطلعة، فان البنتاغون شكل وحدة محدودة العدد من القوات الخاصة، تتمركز في غينيا المجاورة، لتنفيذ عملية اختطاف للشخصين، لكن المهمة لم تنفذ لعدم تمكن الوحدة الخاصة من تحديد هوية المستهدفين بدقة.

والتحقيق الذي اجرته هيئات اوروبية امنية، وباشرته بعد 11 سبتمبر 2001، ركز على ثلاثة اشخاص، يشتبه بانهم قاموا بدور الوسطاء مع اعضاء «القاعدة». وهؤلاء هم عزيز نصور، تاجر ماس لبناني، وقريبه سميح عسيلي، اضافة الى رجل سنغالي يدعى ابراهيم باه سبق له ان قام لعدة سنوات بتهريب الماس والاسلحة في انحاء افريقيا. ونفى هؤلاء الثلاثة اي علاقة لهم بـ«القاعدة» او باي انشطة غير مشروعة.

وكانت «واشنطن بوست» اشارت الى شراء «القاعدة» للماس قبل 13 شهرا. وجاءت التحقيقات المتوالية التي اجرتها الشرطة البلجيكية وغيرها من اجهزة الاستخباراتية الاوروبية لتلقي الضوء على مدى هذه العملية وتمويلها وكذا علاقات «القاعدة» الواسعة في غرب افريقيا.

وهناك محاولات اخرى للكشف عن تجارة الماس غير المشروعة عبر ليبيريا، وعن علاقات هذا البلد بتهريب السلاح وبالارهاب. وقد تولى فريق من الخبراء عينتهم الامم المتحدة، دراسة هذه القضية. وتقبل مجلس الامن الدولي عام 2001 توصيات الفريق بشان فرض حظر على الرحلات الخارجية لتايلور وافراد عائلته وعدد من كبار المسئوولين في حكومته.

ومعظم ما تضمنته المعلومات الاخيرة بشان مخططات «القاعدة» المتعلقة بتجارة الماس، جاءت في اعقاب القبض على عسيلي يوم 12 ابريل (نيسان) الماضي، حيث ما يزال في السجن بانتظار محاكمته بتهم تهريب الماس وبيع الاسلحة بشكل غير مشروع. وقد ثبت تورط عسيلي مع شركة صغيرة لاستيراد الماس يعتقد انها استخدمت لتنفيذ عمليات خاصة بـ«القاعدة». ولا يزال الرجل يصر على براءته.

وفيما يتعلق بقضية عصيلي، يقول المحققون البلجيكيون انهم اكتشفوا وثائق مصرفية تشير الى ان الشركة المذكورة اجرت عمليات تجارية مربحة تجاوزت قيمتها مليار دولار اميركي خلال العام الذي سبق هجمات 11 سبتمبر. وقد عثر المحققون ايضا على سجلات لمكالمات هاتفية الى افغانستان وباكستان والعراق وايران.

وكانت التحضيرات المتعلقة بنشاطات «القاعدة» في تجارة الماس قد بدات في سبتمبر 1998، اي بعد ستة اسابيع على تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا. وكانت الولايات المتحدة قد مضت قدما نحو تجميد 240 مليون دولار اميركي من اموال حركة طالبان وتنظيم «القاعدة».

ووفقا لمحلل استخباراتي متخصص في الانشطة المالية لـ«القاعدة»، فان تلك النشاطات «بدات عندما ادرك التنظيم انه معرض للخطر من الناحية المالية، حيث بدا في تحويل ارصدته المالية الى سلع تجارية. حينها امكن التعرف على نشاط في مجال تجارة الماس ومادة الترانزيت وغيرها من السلع الثمينة اضافة الى توجه جديد نحو انشاء جمعيات خيرية تتولى ادارة الاموال».

ووفقا لما توصل اليه المحققون، فان مسؤولا ماليا بارزا في تنظيم «القاعدة»، يدعى عبد الله احمد عبد الله، ورد اسمه ضمن قائمة المطلوبين من قبل المباحث الاميركية، قد وصل الى مدينة مونروفيا بليبيريا، وقد رتب له ابراهيم باه مقابلة مع مسؤولين بارزين في الحكومة اضافة الى حلفاء لهم في الجبهة الثورية المتحدة التي تخوض مواجهة مع الحكومة في سيراليون المجاورة.

وكان باه قد تلقى تدريبات في ليبيا، واشترك خلال الثمانينات في الحرب ضد السوفيات. وفي عام 1998، اصبح اهم وسيط في صفقات الماس بين تايلور في ليبيريا والمتمردين في سيراليون.

وقد امتنع باه عن اجراء مقابلات صحافية، واصدر بيانا مكتوبا نفى وجود اي علاقة له بـ«القاعدة» واي تعاملات مع الماس او الاسلحة. وفي بيان آخر وصف نفسه بانه تاجر عربات مستخدمة. وقد منعته الامم المتحدة من القيام برحلات خارجية للاشتباه في قيامه بانشطة تهريبية.

وفي مارس (آذار) 1999، وصل عضوان في تنظيم «القاعدة»، هما احمد خليفة غيلاني وفضل عبد الله محمد، الى ليبيريا في رحلة عمل استغرقت بضعة ايام تجولا خلالها في انحاء حقول الماس في اراضي سيراليون الخاضعة لسيطرة الجبهة الثورية المتحدة (المتمردون).

وفي العام التالي، وتحديداً في شهر يوليو (تموز)، اعتقد المحققون ان باه تواصل مع الشركة التي كانت على علاقة بعسيلي ونصور، من اجل التعامل مع احجار "القاعدة" النفيسة. وفجاة اصبحت الشركة التي لم تزاول نشاطا يذكر لما يقرب من عامين، تتعامل مع مبالغ ضخمة، وحققت مبيعات من الماس قيمتها 14 مليون دولار خلال عام .2000 وقد نفى باه ونصور وعسيلي ان يكونوا قد ناقشوا امر الماس مع «القاعدة». وقال نصور، الذي يعيش في بيروت بعدما منعته الولايات المتحدة من القيام برحلات دولية، في مقابلة صحافية، انه التقى باه مرة واحدة بشان تجارة اخرى. ووفقا لمصادر مطلعة، فان عسيلي وايليا درويش وتاجر ماس لبناني آخر، التقوا يوم 26 ديسمبر (كانون الاول) عام 2000 بعضوي «القاعدة»، وتوجهوا رفقة عدد من قادة الجبهة المتحدة، في قافلة من مونروفيا الى سيراليون.

وقد حمل عسيلي كميات من الماس وعاد الى مونروفيا مباشرة في بداية العام الجديد .2001 وفيما بعد تولى وسيط نقل 300 الف دولار الى باه والى الجبهة المتحدة مقابل كميات الماس.

واضاف المحققون انهم عثروا على سجل لمحادثات هاتفية تمت من الشركة التي ارتبط بها نصور، اضافة الى محادثات هاتفية عبر الاقمار الاصطناعية، تمت خلال الاسابيع اللاحقة لاماكن تثير الشكوك، العديد منها لافغانستان. كما عثروا على رسالة فاكس ارسلت الى لاهور بباكستان، ومحادثتين الى العراق واربع محادثات الى ايران.

وفي مقابلة عبر الهاتف، قال نصور انه لا يتذكر انه شخصيا اجرى محادثات هاتفية مع افغانستان او باكستان، رغم تاكيده اجراء مكالمات شخصية مع ايران.

وما ان تمركز اعضاء «القاعدة» في ليبيريا، قرر باه وآخرون استئجار منزل فخم في حي بمونروفيا تسيطر عليه قوات الامن الليبية. وقد استاجر درويش، وهو شريك عسيلي، ذلك العقار لثلاثة اعوام يوم 22 يناير (كانون الثاني)، حسبما تفيد الوثائق. ويقول المحققون ان غيلاني ومحمد قاما برحلات دورية من والى ليبيريا مستخدمين هذا المنزل كمركز رئيسي لعمليات شراء الماس.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»