«البنتاغون» يتجه للاعتماد على القوة الجوية أولا ثم الاستعانة بقوات برية خفيفة للسيطرة على بغداد

الحملة البرية تبدأ من الكويت لكنها تتفادى الأهوار وتتقدم إلى الغرب صوب العاصمة العراقية

TT

مع قراره الاسبوع الماضي إرسال 25 ألف عسكري أميركي الى منطقة الخليج يكون «البنتاغون» قد بدأ بتنفيذ خطة حرب محتملة ضد نظام صدام حسين تتمثل باستخدام قوة جوية ضخمة جدا مدعومة بقوات برية متحركة ذات تسليح خفيف ومدرَّبة كي تتوغل بسرعة الى قلب العراق. من جانب آخر تقرر حشد خمسة اسراب جوية تضم مقاتلات «بي ـ 1بي لانسر» القادرة على حمل عدد كبير من القنابل في آن واحد، اضافة الى طائرات بدون طيار من طراز «بريديتور» وحاملتي طائرات. وتأتي هذه الأوامر في وقت ضاعف مفتشو الأسلحة جهودهم للعثور على أي دليل يثبت أن العراق ما زال يمتلك أسلحة محرمة دوليا.

وقال بنجامين ويركس المدير التنفيذي لـ «معهد ابحاث القضايا الاستراتيجية» ان هذه الخطوات «تظهر أن مفتشي الأسلحة بعد انتهاء عطلة أعياد الميلاد سيكونون أكثر جدية في عملهم وأن التحشيد الأميركي سيكون أسرع مع تدفق عدد أكبر من القوات الى المنطقة». وأضاف ويركس: «أظن أنه بامكانك أن تتوقع حملة برية سريعة. فالجغرافيا تسمح بذلك والخطة تقتضيها، اضافة الى أن القوات التي نحركها الآن متخصصة في هذا النوع من العمليات».

كذلك صُممت الخطة كي تعكس درجة تصميم ادارة جورج بوش العالية للاطاحة بصدام حسين بالقوة، حسبما قال مسؤول عسكري كبير. وأضاف هذا المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه: «هذه المبادرة متميزة. فهي تشمل قوات جوية متنوعة وقوات برية وبحرية. وعلى العراق ألا يسيء فهم نوايانا». من جانبه كرر الرئيس بوش في خطابه الاذاعي الأسبوعي الذي ألقاه أول من أمس من مزرعته بكروفورد التحذير من أن الولايات المتحدة ستواجه صدام حسين مستقبلا. وقال بوش ان «مجلس الأمن الدولي أكد بالاجماع أن صدام حسين خطر على جيرانه وعلى السلم في العالم... العبء الآن يقع على ديكتاتور العراق لتدمير ترسانة أسلحته. واذا هو رفض فان الولايات المتحدة ومن أجل السلام ستقود ائتلافا لنزع السلاح عن النظام العراقي وتحرير الشعب العراقي».

ومع تهيؤ آلاف من العسكريين الموجودين في الكثير من القواعد المنتشرة في شتى أنحاء الولايات المتحدة لمغادرة مدنهم وأسرهم هذه الأيام يبدو أن الحرب بين الولايات المتحدة والعراق أصبحت أقرب مما كانت عليه خلال السنوات الـ13 الأخيرة. وحددت أوامر نشر القوات الأميركية أن تتم هذه العمليات خلال الأسابيع القليلة المقبلة، حيث سيغادر أول جزء منها بعد رأس السنة الجديدة مباشرة. ويؤكد اختيار خمسة اسراب من الطائرات الحربية أن الولايات المتحدة تهيئ الجزء الأساسي من سلاحها الجوي لحملة قصف جوي واسعة مصمَّمة كي تنهي الدفاعات الجوية تماما خلال الأيام الأولى من الحملة، حسبما قاله بعض المحللين العسكريين. من ناحية ثانية، يؤكد غياب ارسال فرق مدرعة ثقيلة مع القوات التي ستذهب الى الخليج الى أن الاستراتيجيين الحربيين قد اتفقوا على خطة تهدف الى تهشيم سيطرة صدام حسين عن طريق البدء أولا بقصف العاصمة بغداد وأهداف أساسية أخرى.

ويمكن لهجوم كهذا أن ينطلق بسرعة بهجمات جوية مكثفة ومركزة على أهداف معينة بحجم لم تشهد الحملات الجوية التي جرت سنة 1991 أو حرب أفغانستان مثيلا له، حسبما قال مسؤولون ومحللون عسكريون. وأضاف هؤلاء أن هذا الهجوم سيتبعه هجوم بري تقوم به وحدات منقولة جوا وبرا على أهداف استراتيجية، مع تقدم وحدات خفيفة التسلح بسرعة من الكويت باتجاه بغداد. وحملة عسكرية مثل هذه تحتاج من 70 الى 100 ألف عسكري. وعلى العكس من هجوم سنة 1991 الذي استهدف المواقع والقوات العسكرية ستستهدف الخطة الجديدة قطع رأس النظام العراقي عن طريق ضرب قاعدة قوته المؤسساتية وهذا يتضمن القصور الرئاسية ومواقع وقواعد الأجهزة الأمنية، وسيتم التركيز خصوصا على مسقط رأس صدام حسين ، تكريت، وفي الوقت نفسه سيتم تجنب قصف أهداف مثل الجسور أو منشآت البنى التحتية. وقد يتم في الأخير نشر 250 ألف عسكري ينتمون الى القوات البرية والبحرية والجوية في المنطقة، حسب الخطة الجديدة. لكن الكثير من القوات البرية سيتم ابقاؤها في قواعد موجودة في تركيا والكويت وقطر كقوات احتياط في حالة بروز مقاومة غير متوقعة للهجوم التمهيدي. وفي هذا الصدد قال أوين كوت، مساعد مدير برنامج الدراسات الأمنية في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا «إنهم ينشرون قوة جوية كافية للبدء بالحرب لكن القوات البرية غير كافية لانهاء الحرب، لذلك، بالنسبة لي، هذا يؤكد أنهم يفكرون بمسلسل عمليات... وحينما تبدأ هذه الحرب لن تكون القوات المطلوبة لانهائها موجودة في المكان المناسب».

وستبدأ الحملة البرية من الكويت لكنها ستتجنب احتمالات التعثر في جنوب العراق، في منطقة الأهوار الطينية بين نهري دجلة والفرات. فبدلا من ذلك ستقوم القوات الرئيسية بالتقدم صوب بغداد عبر الصحراء التي تغطي غرب العراق وجزءا من جنوبها. وقال هارلان أولمان المحلل العسكري في مركز الدراسات الاستراتيجية «ما تراه هو جيش شديد الكفاءة يقوم بما يجب أن يقوم به أي جيش كفء. انه يعدّ نفسه لاحتمال وقوع حملة عسكرية شاملة تهدف الى انهاء نظام صدام حسين وتدمير ترسانته من أسلحة الدمار الشامل لا أقل ولا أكثر».

يشكل الدفاع الجوي العراقي واحدا من المشاكل الأساسية التي يواجهها المخططون العسكريون. فمنذ حرب سنة 1991 تمكن صدام حسين من تحسين دفاعاته الجوية بشكل كبير خصوصا تلك التي تقع حول بغداد، حيث تم وضع رادارات متحركة فوق منصات تسحبها شاحنات، كذلك تم الحصول عن طريق التهريب على أنظمة صواريخ ذات تكنولوجيا عالية وبناء شبكة كابلات الألياف البصرية التي حسَّنت بشكل كبير مستوى الاتصالات العسكرية. وقال ويركس معلقا: «مع عدم قدرتك على ضرب البنى التحتية العراقية لأنك تسعى الى تحرير شعبه، فآنذاك ليس أمامك سوى تدمير الدفاعات الجوية ومرافق القيادة والسيطرة والقدرات الاستخبارية بسرعة. ثم يكون عليك التحرك بسرعة كبيرة جدا لعزل صدام بحيث لا يكون لديه الوقت كي يقوم بتنظيم دفاع مؤثر داخل المدن».

وأدى تهيؤ القيادة العسكرية الأميركية لاحتمال وقوع الحرب، وصدور أوامر ارسال القوات البرية الى انكسار روح الاحتفال برأس السنة الجديدة في المواقع العسكرية المنتشرة داخل الولايات المتحدة. وعند انتهاء عمليات نشر هذا العدد من القوات البرية سيكون «البنتاغون» قد أرسل الى منطقة الشرق الأوسط نصف عدد القوات (25 ألف عسكري) التي كان المسؤولون قد قالوا انهم سيتحركون الى المنطقة. وبذلك ستلتحق هذه القوات بقوات موجودة حاليا في المنطقة ليصل عددها الى نحو 57 ألف عسكري أميركي.

* خدمة «لوس أنجيلس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»