أميركا تسعى لتفادي تحول كركوك فتيلا لحرب أهلية دامية في العراق بالتخطيط للاستيلاء عليها في المراحل الأولى من حربها المحتملة

TT

على بعد 30 ميلا من حاجز منعزل، وبعد اجتياز مواقع القوات العراقية وقطع المدفعية المنتشرة على تل صخري، تقع مدينة كركوك التي يمكن ان تحدد نجاح او فشل اي غزو محتمل للعراق، فهي النقطة الاولى التي ستتوقف عندها القوات الاميركية. وربما يكون احد الاسباب التي تجعل القوات الاميركية تختار هذه المدينة لبداية نزولها في ارض العراق، هو منع قوات الرئيس صدام حسين من تدمير آبار النفط كما فعلت في الكويت عام 1991. ولكن السبب الاهم هو التكوين الإثني المعقد لهذه المدينة.

يبلغ عدد سكان مدينة كركوك 900 الف، وتسود وسطهم نزاعات مستمرة حول الارض، هي انعكاس في واقع الامر لنزاعات اوسع وابعد مدى وهي نزاعات بلغت من العمق المدى الذي يجعل اية محاولة للاستيلاء على المدينة، منطلقا لحرب داخل الحرب، فتتوجه اسلحة العراقيين الى صدور بعضهم البعض وربما ينتقل الصراع حينها الى الدول المجاورة. وقال مسؤول اميركي كبير «الاستيلاء على بغداد سيحدد نتيجة الحرب، اما حسم اوضاع كركوك فهو الذي سيحدد ما سيحدث في المستقبل».

وصار العرب، بفضل التخطيط المسبق للرئيس العراقي الذي استمر طوال العقود، اغلبية في هذه المدينة. وقد طرد منها حوالي 120 الفا الى 200 الف من الاكراد والتركمان والاشوريين، منذ 1991، وذلك حسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة والتي عززها تقرير صدر اخيرا عن منظمة «هيومان رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الانسان. وكان عشرات الآلاف من ابناء القوميات نفسها قد طردوا قبل ذلك. ودفع اغلب هؤلاء المطرودين الى موقع موحش تقف على مشارفه دورية كردية تستظل بمظلة صغيرة من الاسمنت المسلح، او لجأوا الى موقعين آخرين في كردستان. ولكن اغلب هؤلاء النازحين يتطلعون الى ذلك اليوم الذي يعودون فيه لاستعادة اراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم التي اخذت منهم عنوة ووزعت على العرب تحت حكم صدام. وهدف هؤلاء المبعدين النهائي هو استعادة السيطرة الكردية على كركوك. وقال برهم صالح، رئيس الحكومة التي يديرها الاتحاد الوطني الكردستاني والتي مقرها السليمانية «كركوك تعتبر تجسيدا لمعاناة الاكراد في العراق. انها المدينة التي شهدت اعنف حملة للتطهير العرقي، ولا تزال مستمرة حتى الآن. ومن اجل ان ينعم العراق بالسلام ويترك وراءه ماضيه المظلم، فان حكومة المستقبل يجب ان ترد مظالم سكان كركوك».

وكانت دراسة اعدها معهد بروكنز اخيرا قد لفتت الانتباه الى انه في حالة سقوط صدام، فان الغضب الذي سيتفجر من مئات الآلاف من النازحين والمبعدين يمكن «ان يشعل بعض النيران الكامنة الآن تحت الرماد، والتي يخفيها الصراع الاكبر ضد النظام في بغداد». لكن علاج جراحات الماضي، يمكن ان يخلق مشاكل مستجدة، وهذا هو السبب الذي سيدفع القوات الاميركية الى احتلال كركوك والاحتفاظ بها في مستهل هجومها على العراق. والهدف كما هو واضح هو قطع الطريق امام السباق المحتمل للاستيلاء على كركوك من قبل الاكراد او الاقليات الاخرى المبعدة، مما يمكن ان يقود الى حرب اهلية تصرف انظار الاميركيين عن القضية الاساسية وتضع عراقيل جدية امام فترة الانتقال. وهذه مهمة، يعترف المسؤولون الاميركيون والاكراد بانها صعبة جدا في خضم المعركة الكبيرة التي تواجه القوات الاميركية.

*خدمة لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»