واشنطن تؤجل مواجهة بيونغ يانغ والكوريون الشماليون يدعون إلى التضامن ضد «الإمبريالية»

TT

في تطور نحو تهدئة الوضع مع بيونغ يانغ بادرت الولايات المتحدة امس على لسان وزير خارجيتها كولن باول الى التأكيد بان التوتر الحاصل بشأن المسألة النووية في كوريا الشمالية «مشكلة خطيرة» الا انه لا يشكل «أزمة». وأعرب في سلسلة مقابلات تلفزيونية ماراثونية عن استعداد بلاده للحوار مع بيونغ يانغ لجلبها للتخلي عن برنامجها النووي.

وقال باول في حديث الى شبكة «فوكس نيوز» الاميركية «انها مشكلة خطيرة ونحن نأخذها على محمل الجد، الا اننا لا نعتقد ان هناك تطورا لمناخ ازمة». وجاءت تصريحات المسؤول الاميركي رغم المعلومات التي كشفتها مصادر اعلامية يابانية امس ان كوريا الشمالية استوردت سرا تجهيزات من باكستان لبرنامجها النووي، عبر اخفائها في نعش زوجة دبلوماسي كوري شمالي اغتيلت في اسلام اباد. وجاء في مقال نشرته صحيفة "ماينيشي شيمبون" لمراسل لها في اسلام اباد، ان هذه التجهيزات تضمنت نموذجا من جهاز يعمل بالطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم لاغراض عسكرية. وافادت الصحيفة ان التجهيزات كانت مخبأة في النعش الذي نقل بطائرة خاصة من اسلام اباد الى بيونغ يانغ في يونيو(حزيران) عام 1998، مضيفة ان مسؤولين باكستانيين في المجال النووي ضالعون في هذه العملية.

وسبق لباكستان ان نفت معلومات صحافية مفادها انها تساعد كوريا الشمالية عبر تزويدها بتجهيزات لبرنامج نووي عسكري سري يستند الى اليورانيوم المخصب.

وهكذا، يبدو ان البيت الابيض فضل امام التحديات التي تواجهه حاليا ارجاء مواجهة كوريا الشمالية الى مرحلة لاحقة، اذ يتجه بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» نقلا عن مسؤولين حكوميين كبار، الى تفضيل ما سموه بـ«العزل على المقاس»، عبر برنامج واسع يضاعف من الضغط المالي والسياسي على بيونغ يانغ في حالة تمسكها بامتلاك اسلحة نووية.

وبموجب هذه السياسة الجديدة يمكن ان يهدد مجلس الامن الدولي، هذه الدولة التي تنتمي بحسب واشنطن الى «محور الشر»، بفرض عقوبات وان تسعى القوات الاميركية لاعتراض شحنات صواريخها المصدرة لحرمانها من الايرادات الناجمة عن بيع الاسلحة.

واكدت الصحيفة ان مسؤولين اميركيين اعتبروا ان التهديد المتصاعد بالعزل هو افضل وسيلة لاجبار كوريا الشمالية على العدول عن طموحاتها النووية. ويمكن ايضا تشجيع جيران كوريا الشمالية على الحد من المبادلات الاقتصادية معها رغم ان واشنطن لم تقم بعد باي ضغط في هذا الاتجاه.

ونقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤول اميركي كبير تأكيده ان اسم «العزل على المقاس» الذي اطلق على هذه العملية جاء «لان الامر يتعلق بوضعية مختلفة كليا عن العراق او ايران»، مضيفا ان «الامر يتعلق هنا بممارسة ضغط سياسي واقتصادي كبير وهذا يتطلب ايضا تعاونا بين عدة دول».

كما اضافت ذات المصادر نقلا عن مسؤولين في ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش ان «واشنطن لا تسعى الى قلب النظام في كوريا الشمالية، ولكن اذا لم يغير هذا الاخير توجهاته فانه يتعين عليه ان يواجه امكانية انهيار اقتصادي».

واستبعد هؤلاء ان تقوم بلادهم بتقديم تعويضات الى كوريا الشمالية لتتخلى عن برنامجها النووي لأن ذلك يعني «مكافأة نظام بيونغ يانغ على عدم احترامه تعهداته السابقة».

لكن بيونغ يانغ، استمرت امس في الاعراب عن استيائها من التهديد الاميركي لها وحذرت الولايات المتحدة من مواجهة «حتمية». وذكرت صحيفة الحزب الشيوعي الحاكم «رودونغ سينموم» ان «المواجهة مع الامبرياليين صارت حتمية طالما لم يتخلوا عن طبيعتهم العدائية والاستغلالية». وكتبت الصحيفة في تعليقها ان «الرجعيين الامبرياليين يخطئون جدا ان ظنوا ان باستطاعتهم اخضاع الشعب الكوري المتمسك باستقلاله بقدر تمسكه بحياته وروحه».

وفي هذه الاثناء التي كان متوقعا فيها حدوث تقارب بين الكوريتين، اتهمت كوريا الشمالية واشنطن بعرقلة تقاربها مع جارتها التي صعدت لهجتها تجاهها بعد قرار المضي في بناء الترسانة النووية.

واكدت منظمة حكومية في عاصمة كوريا الشمالية ان الولايات المتحدة تسعى بكل الوسائل لمنع الامة الكورية من التوصل الى تحقيق الوفاق والتعاون. واعتبرت «لجنة اعادة توحيد الامة سلميا» ان هذه المساعي تمت برمجتها لتتزامن مع «الابتزاز النووي الخائب» مشددة على ان الولايات المتحدة «تزيد من حدة الازمة في شبه الجزيرة الكورية من خلال تدخلها بوقاحة في العلاقات بين الكوريتين». وساند هذا الاعتقاد عشرة آلاف شخص خرجوا امس الى شوارع عاصمتهم لينددوا بالسياسة الاميركية ضد بلادهم التي تعاني من مشاكل اقتصادية متفاقمة.