المرشح المحتمل للرحيل عن فريق بوش

TT

خبر صغير مدفون في هامش صفحة 59 من عدد «ايكونومست» الخاص عن عام 2003 بعنوان احمر صغير ايضاً يقرأ 2003، يقول: «هناك سببية سياسية تحت الطبخ، تقود الى فقدان وزير الخارجية الاميركي كولن باول تدريجياً لمواقعه داخل مجلس وزراء بوش. لا تستغرب اذا رحل باول، وسيكون ذلك بمثابة ضربة قاسية للرئيس». انتهى.

وبعيداً عن احتمالات حدوثه من عدمها، تجدر الاشارة الى ان النظام الاميركي التنفيذي المعقد في بنيته وطرق صناعة قراره دائما ما يضع وزير الخارجية، أي وزير خارجية، في محكات يجد نفسه فيها متنازعاً بين سياسات وزارته كما وضعها مع مرؤوسيه، وبين سياسات يروج لها وزراء خارجية الظل في وزار الدفاع (البنتاغون) والبيت الابيض، دعك عن مجلس الأمن القومي، أو المخابرات الاميركية.

ففي التسعينات ومع ازمة الخليج الثانية، اضطر وزير الخارجية الاميركي (آنذاك) جيمس بيكر للاعتكاف بمنزله 15 يوما، بسبب محاولة صقور ادارة بوش الاب اختصار الطريق على الحل الدبلوماسي، وضرورة المضي به الى آخر الشوط، أي لقاء امين عام الأمم المتحدة، خافيير دي كويلار بصدام حسين، وانقذت الصداقة الشخصية بين بيكر وبوش، الاول الاستقالة بعد ان تعهد له الرئيس بما اراد.

مع ادارة بيل كلينتون، اتجهت السهام من كل صوب وحدب الى وارن كريستوفر، فلم يجدد له كلينتون التكليف في ولايته الثانية، فجاء بمادلين اولبرايت بذريعة واهية هي ان كريستوفر لم يحسن استخدام «دبلوماسية التلفزيون»، فغضب جيم هوجلاند المعلق في صحيفة «الواشنطن بوست»، ورثى ادارة كلينتون وقال لها: هذا رجل قال عنه جيمي كارتر ان هذا افضل موظف خدمة مدنية اراه في حياتي، وكان كريستوفر وقتها بالخارجية الاميركية.

قراءة تاريخ باول توحي بأنه مرشح لمثل هذه الاحتكاكات، مثله مثل سابقيه مع فروق اضافية تتعلق بثوابت باول الاخلاقية وبينها كراهيته للحروب، وعدم خوضها الا مكرهاً، لذلك، وفي كتاب «القادة» الذي حمل بعض اسرار حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت اطلق عليه المؤلف لقب «المحارب الزاهد».

سجل باول الاخير، وباستدعاء خلفيات الخروج بقرار جماعي من مجلس الأمن تجاه العراق، وضرورة انخراط اميركا في عمل جماعي، أغضب صقور الادارة الاميركية الداعين لخوض الحرب حتى من دون الرجوع للكونغرس، دعك عن الأمم المتحدة، فسجل اكثر من صحافي اميركي بأن باول انتصر بالنقاط (بلغة الملاكمة) على دعاة الأحادية، وانه البطل الحقيقي وراء اجماع مجلس الأمن.

مع افغانستان، يصارع باول، ولا يزال، اهمية توسيع الوجود الاميركي ضمانة لسلام افغانستان، الى حين تشكيل جيش افغاني، ويذكر بما حدث مع اتفاق دايتون للبوسنة والذي فرض وجود 000،60 جندي اميركي على اراضيها، ولكن البنتاغون يعترض كليا على الخطة.

من دون نعي لباول، فقد لا يرحل، الا ان الرجل يبدو من العاشقين لمقولة شكسبير الشهيرة: «استغلال العظمة يكون حين تفصل بين الضمير والسلطة».