الأمم المتحدة ـ أميركا: تعاون انتقائي.. وتهديد بالناتو

TT

* حينما قال الرئيس الامير كي جورج بوش في الامم المتحدة محذرا ان على المنظمة الدولية اما ان تتشدد مع العراق او ان تغرق في متاهة، رأى البعض ان ذلك ايذانا بعزم اميركا على خوض قضاياها وحروبها منفردة فيما سخر اخرون ولم يروا فيه غير مجرد راعي بقر حين قال بوش ان اميركا يمكن ان تمضي لوحدها في هذه المسألة اذا دعت الضرورة، ودارت الايام ليخرج مجلس الامن بالقرار 1441 حول العراق بالاجماع، وبالسيرة المعروفة، لتصبح الاسئلة المستحقة هنا: هل يعني ذلك ان رؤية اميركا للمنظمة الدولية قد خرجت عن شبح الغرق في المتاهة التي حذرها منها بوش.؟

وهل يعني ذلك، في المقابل ان الامم المتحدة ستبقى المؤسسة الوحيدة المشروعة والمشرعة لاستخدام القوة مستقبلا كما كانت في الماضي؟ وهل يعني خروجها بالقرار 1441 انطلاقة شهر عسل طويل مع واشنطن يسوده التعاون؟

ومن رصد اتجاهات الكتاب والمسؤولين الاميركيين، يتضح ان ايا منهم لم يقطع بما يكفي حول مستقبل العلاقة بين الامم المتحدة وواشنطن.

فمن جهة جادل روي جتمان ومايكل ميير في مجلة «نيوزويك» بان المدخل لفهم العلاقة يلامس المدخل لفهم شخصية بوش نفسه، والرئيس الاميركي بحسابات الكاتبين ليس تعدديا، رغم ان ذلك لا يدفعه الى الفردية او الاحادية، ويدللان على ذلك بقول بوش ان اميركا تعمل مع مجلس الامن في القرارات المهمة، وللتدقيق في النص ينبه الكاتبان الى عبارة (القرارات المهمة) وينبهان الى (صيغة الجمع) اي ليس القرار المهم، اذا كان يريد الحديث عن 1441، وانما القرارات المهمة، باعتبار ما سيكون، ويخلصان الى ان ذلك يعني بالضرورة ان التعاون مع المنظمة الدولية سيكون انتقائيا.

يضاف الى ذلك ان الامم المتحدة ذاتها تبدو وكما لو انها في حاجة الى قيادة قوية تجنبها بدءا من عام 2003، او قل تنسيها، منظومة احتياطاتها في حقبة التسعينات بدءا من البوسنة وكوسوفو والشيشان وكشمير ونهاية بمذابح رواندا 1994 وحروب افريقيا الاهلية في انغولا وليبيريا والكونغو حيث لازمها الفشل فيها، فيما سحبت قوات حفظ سلامها من بعضها مثل انغولا وليبيريا.

في اتجاه اخر جادل ريتشارد بيرل في ورشة نقاش على هامش اجتماعات حلف شمال الاطلسي (الناتو) الاخيرة في براغ اواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأفضلية الناتو على الامم المتحدة وقد حملت هيرالد تريبون عدد 28 نوفمبر ملخصا لمداخلته التي قال فيها:

«انا مهموم بفكرة ان الامم المتحدة هي الجهة الوحيدة المخولة شرعيا باستخدام القوة، فهل الامم المتحدة اكثر قدرة على تأكيد الشرعية من تحالف للديمقراطيات الحرة؟».

ويمضي ساخرا ليقول: هل اضافة اعضاء للامم المتحدة مثل الصين وسورية، على سبيل المثال يمكن ان يضفي شرعية اكثر مما تستطيعه سياسة جماعية لدول تشاركنا نفس القيم».

دوافع مثل هذا الاستشهاد انه يؤشر نحو منطقة جديدة للتفكير في دوائر الناتو نفسه، وقد يفضي، او حتى ىتوسع شرقا في القريب ويستقبل منظومة من الدول قد تصل الى عشر دول، الى فتح جبهة جديدة على الامم المتحدة لن تتقاطع كثيرا مع رؤية واشنطن، او قل ادارة بوش.

ولهذا، فالعام الجديد وبتوقعات الحرب ضد العراق وضد كوريا الشمالية، وبقراءة تبعات حفظ السلام في افغانسنتان والتي تشكل اميركا حصة الاسد في مهامها، سيضع ملامح صورة الامم المتحدة القادمة بين خيارين، اما امم متحدة مستأنسة بالتعاون الانتقائي، واما استبدالها بالناتو لتصبح مجرد رواق للمجادلة الخطابية، في حين لم يعد الغرب يرى فيها غير وعاء جامع لسياسات كثير من الطغاة على حد تعبير ريتشارد بيرل.