السلطات الأميركية تراقب ناشطاً إسلامياً تشتبه في أنه واجهة لنظام طهران

محمد عاصي المولود من أب سوري تحول إلى «راديكالي» بعد رفض طلبه الالتحاق بالاستخبارات الأميركية

TT

بعد سبعة اسابيع من هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، قال الشيخ محمد عاصي في خطبة القاها بنادي الصحافة القومي الاميركي، ان تلك العمليات كانت «هجمات عظيمة على نيويورك وواشنطن، شنها يهود اسرائيليون صهاينة، بعد ان حذروا حوالي 5000 يهودي يعملون في مركز التجارة العالمي واوصوهم بعدم الحضور للعمل في ذلك اليوم». وارسل تهديدا في نفس الخطاب الى اميركا، بانها اذا استمرت في اساءاتها للاسلام «فان يوم الحساب صار قريبا».

ومحمد عاصي، 51 عاما، الرجل الصغير الحجم ذو اللحية التي يختلط سوادها بالبياض، والذي يعيش في سيلفر سبيرنغ، بولاية ميريلاند، يظهر وكأنه ناطق باسم «القاعدة»، ولكنه في الحقيقة مواطن اميركي، وجندي سابق بسلاح الطيران وشخصية بارزة في الجالية الاسلامية المحلية. وهو ينتمي كذلك الى طائفة صغيرة غير معروفة من المسلمين تعتقد سلطات تطبيق القانون ومسؤولو الاستخبارات انها على ارتباط وثيق بالحكومة الايرانية. وظل عاصي على مدى 14 عاما، وحتى عام 1997، يدير مركز التعليم الاسلامي في بوتوماك، بولاية ميريلاند، الذي يقدم خدماته لحوالي 1500 عائلة. ويمول هذا المركز مؤسسة «الفي» التي تعمل من نيويورك والتي تقول سلطات تطبيق القانون ان لها روابط قوية برجال الدين الحاكمين حاليا في ايران.

ويعتقد المسؤولون في سلطات تطبيق القانون، وفي الاستخبارات الاميركية ان مؤسسة «الفي» والمؤسسات الاخرى التابعة لها هي الوسيلة التي يستطيع النظام الايراني من خلالها مراقبة الايرانيين الموجودين في اميركا، والحصول على المعلومات التكنولوجية المتقدمة، وطرح تصورات ايران حول القضايا العالمية، كما انها توفر موقعا لاجتماعات الايرانيين الموالين للحكم، وضخ الاموال من خلال القنوات المناسبة للاكاديميين الاميركيين ليقدموا قراءات متعاطفة حول الاوضاع الايرانية.

اما العاملون في مركز بوتوماك، فيقولون انه يقدم دروسا وخدمات دينية. وقال جون وينتر، محامي المؤسسة بنيويورك، ان «الفي» والمركز الاسلامي «لا علاقة لهما بالارهاب او تصدير التقنيات الرفيعة او التجسس على المنشقين. ومن المؤسسات التابعة للمركز هناك مدرسة ومسجد للعبادة، وبرامج في عطلة نهاية الاسبوع. وهذه نشاطات الجالية». ويرفض عاصي التعليق باية طريقة على الاسئلة المتعلقة بهويته، ما عدا قوله «انا مواطن اميركي، وهذا يكفي».

ويقول ممثلو سلطات تطبيق القانون السابقون والحاليون، ان الوكالات الفيدرالية ظلت تراقب عاصي والمؤسسات الاخرى ذات الصلة مراقبة لصيقة من خلال المراقبة القضائية المسموح بها قانونا، وبتفتيش المكاتب، والمراقبة الشخصية لعاصي وغيره ومراقبة المسؤولين الايرانيين الزائرين.

ولم توجه اي تهمة محددة لأي مسؤول في مؤسسة «الفي» او مركز بوتوماك، كما ان غالبية النشاطات التي تقوم بها هاتان المؤسستان نشاطات قانونية. ويركز المسؤولون على ان العاملين بمركز بوتوماك مواطنون ملتزمون بالقانون. ولكن المراقبة تحدث في اطار ما يصفه مكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي) بـ«التحقيقات الاستخباراتية» التي تهدف اساسا لجمع المعلومات حول المجموعات والافراد، الذين تعتبرهم الاجهزة معادين لاميركا. ومنذ الثمانينات ظلت الولايات المتحدة تعتبر ايران داعما اساسيا للارهاب ولذلك تجري تحقيقات صارمة حول نشاطاتها داخل الولايات المتحدة. وقد اكتسبت هذه التحقيقات اهمية اضافية بعد هجمات 11 سبتمبر.

وامتنع موظفو مكتب «اف. بي. آي»، عن التعليق على هذه القضية التي ما تزال سرية. ولكن اوليفر ريفيل، المسؤول السابق في «اف. بي. آي» يقول ان المكتب ظل ينظر الى مؤسسة الفي «كشركة واجهة للنظام الايراني، وانها تقوم بنشاط استخباراتي سري، بالنيابة عن حكومة اجنبية معادية».

كما قال ديفيد كوهين، رئيس وحدة استخبارات شرطة نيويورك في وثيقة قدمت في الآونة الاخيرة لاحدى المحاكم، ان مؤسسة الفي، «تسيطر عليها بصورة كاملة الحكومة الايرانية. وانها تقوم بتمويل عدة نشاطات معادية للولايات المتحدة»، من بينها مركز بوتوماك، ومساجد اخرى في عدة اماكن. وقال كوهين، الذي عمل 35 عاما في صفوف وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. ايه)، ان هذه المنظمات لها فروع تدعم «حزب الله» اللبناني وحركة «حماس» الفلسطينية.

ويحتل مركز بوتوماك مساحة 6 فدائن من الارض الخضراء، تقع في ضاحية للطبقة الوسطى. ولكنه انشئ في خضم غليان الثورة الايرانية عام .1979 وكان الايرانيون المؤيدون للخميني قد سيروا وقتها مظاهرات حاشدة تعبر عن الغضب الايراني على الولايات المتحدة، واتسمت تلك المظاهرات باللجوء لاعمال العنف في واشنطن وغيرها من المدن. وبعد ان تعززت قبضة الخميني على السلطة اخذ اتباعه يستولون على ممتلكات الشاه في كل انحاء العالم.

وفي داخل ايران استولت مؤسسة «مصطزفان» على المؤسسة الضخمة المسماة مؤسسة بهلوي، بما فيها الموانئ والمصانع. وفي نيويورك قامت مؤسسة «مصطزفان» التي كونت حديثا بالاستيلاء على البناية الوحيدة التي تملكها مؤسسة بهلوي بنيويورك وتتكون من 36 طابقا بالشارع الخامس في مانهاتن.

وسرعان ما انكشفت علاقات المؤسسة بايران. وتقول نشرة صدرت عام 1981 باسم مؤسسة «مصطزفان» في ايران «ان اخوة ملتزمين في نيويورك وحكومة الجمهورية الاسلامية»، استولوا على مبنى مانهاتن من خلال مؤسسة «مصطزفان» بنيويورك، التي غيرت اسمها الى «الفي» عام .1992 وقال مهدي حائري، الذي كان وقتها مسؤولا كبيرا بالنظام ويعمل حاليا محاميا بالمانيا وله مواقف معارضة للنظام الايراني، ان مؤسسة نيويورك ظلت تديرها دوما مؤسسة «مصطزفان» الايرانية. واضاف «ليس هناك ادنى احتمال بان تكون هذه المؤسسة مستقلة عن ايران».

وتدل الوثائق الضرائبية ان مؤسسة نيويورك، صارت منذ اوائل الثمانينات، تمول المراكز الاسلامية عبر البلاد، وان كثيرا من هذه المراكز تؤيد الخميني وتكن نوعا صارخا من العداء لاميركا.

وقال عاصي انه ولد في ولاية ميشيغان، من اب سوري وام لبنانية. وقال انه حاول في السبعينات، عندما كان يعمل كاتبا في الصيدلة، ان يستغل ملكاته اللغوية للالتحاق بالاستخبارات، ولكن طلبه رفض. وقال صديقه فيكتور مرشتي، ان الرفض كان بسبب اصل والديه الاجنبي. واوضح مرشتي، الموظف السابق في «سي. آي. ايه»، والذي اصبح من المعارضين بمرارة لنشاطات الوكالة «كان غاضبا جدا نتيجة لذلك الرفض». ويقول بعض الناس الذين يعرفونه ان ذلك الرفض واندلاع الثورة الايرانية حولا عاصي الى ناشط راديكالي.

ويعتبر عاصي شخصا استفزازيا داخل مركز بوتوماك، وسجل عليه مسؤولو «اف. بي. آي» انه دعا المسلمين الى امتشاق السلاح لمحاربة قوى «الكفر». وقال عاصي امام مؤتمر لاعداء اسرائيل عقد عام 1990 «يجب ان نخلق جبهة ثانية لاميركا في العالم الاسلامي، وان نضرب المصالح الاميركية».

وكان ذلك قبل حرب الخليج بقليل كما يدل الشريط المسجل الذي كشفه باحث استخباراتي هو ستيفن اميرسون. وقام موقع على الانترنت موال لايران، هو موقع «الولاية نت»، باعادة نشر رسالة ارسلها عاصي الى مرشد الثورة الايرانية الحالي علي خامنئي، قال له فيها «اعلن ولائي لك كقائد للمسلمين».

واعلن ادانته لليهود لانهم خانوا المسيح ويسيطرون الآن على الاقتصاد العالمي. وقال في مقالة نشرت بموقع «مسلم منيديا» المؤيد لايران «ان المسلمين سيسددون الضربة القاضية لليهود».

وقال المسؤولون الفيدراليون انهم يحتفظون بمحادثات اجراها عاصي مع كبار القادة الايرانيين المتشددين في طهران وغيرها لوضع خطط لمقاومة محادثات السلام بين الفلسطينيين واسرائيل. ولا يتحدث عاصي عن نشاطاته، ويكتفي فقط بالحديث عن طرده كإمام للمصلين بالمركز الاسلامي، وهو مسجد سعودي بوسط المدينة. ولا يزال غاضبا على ذلك القرار الذي «كان خرقا لحقوقي»، حسبما قال في مقابلة اجريت معه في الآونة الاخيرة.

وقال صلاح الدين كريم، ناظر المدرسة الواقعة بالقرب من مركز بوتوماك، ان عاصي متحدث صريح يسمي الاشياء باسمائها، الا انه لا يمثل خطرا على الولايات المتحدة. واضاف «انه مواطن اميركي حقيقي ونادر ومتفرد».

وتخلى عاصي عن الامامة في مركز بوتوماك عام .1997 ولم تكن اسباب تخليه واضحة، الا ان المسؤولين الاميركيين يقولون ان الايرانيين حاولوا اعطاء صورة اقل مصادمة للمركز. وبعد تحقيقات سرية استمرت لعقدين، يقول المسؤولون ان مؤسسة «الفي»، فضلا عن علاقاتها الوطيدة بالنظام في ايران، فلها علاقات استمرت عدة سنوات بمؤسسة «مصطزفان» بايران.

ومؤسسة «مصطزفان» شبه الحكومية من اكبر الشركات في ايران، وقد ظلت طوال فترة وجودها تدار من قبل الحرس الثوري، المعروف بأنه وكالة الاستخبارات الايرانية. ويقول موظف «اف. بي. آي» السابق ريفيل، ان الحكومة الاميركية توصلت الى ان موظفي مؤسسة «الفي» عملوا بتعاون وثيق مع الحرس الثوري. وقال فنسنت كانسترارو، الموظف السابق في «سي. اي. ايه» الذي عمل في مجال مكافحة الارهاب «من الواضح ان مؤسسة «الفي» تسيطر عليها الحكومة الايرانية، وهذه النتيجة توصلت اليها كل الاجهزة الاستخباراتية».

وقال كينيث تيمرمان، خبير شؤون الارهاب الذي عمل مستشارا لسلطات تطبيق القانون حول مؤسسة «الفي» ومركز بوتوماك، ان الحكومة الايرانية تستخدم المؤسستين في نشر الدعاية الايرانية وسط الاميركيين المسلمين، وخاصة المتحدرين من اصل افريقي.

من جانبها، تنفي مؤسسة «الفي» تورطها في اية مخالفات قانونية، كما تنفي صلاتها بالنظام الايراني. ويستشهد مسؤولو المؤسسة بالحكم الذي اصدره قاض فيدرالي عام 1999، حول قضية الطالب بجامعة برانديس الذي قتل عام 1995 في لبنان في حادثة الباص الذي فجرته مجموعة ممولة ايرانيا باسرائيل. وصدر حكم بدفع تعويضات للاسرة تبلغ 247.5 مليون دولار، ولكنها لم تستطع الحصول على ذلك المبلغ من «الفي»، لان القاضي الفيدرالي اصدر حكما بان ايران لا تمارس ادارة يومية على مؤسسة «الفي».

وقال ونتر، محامي الفي «تراقبنا مصلحة الضرائب مراقبة لصيقة. واذا كان المسؤولون يعتقدون ان طهران تسيطر على المؤسسة، فلماذا لم يغلقوها؟».

ويقول مركز بوتوماك انه مؤسسة سلمية ومفتوحة، وانه اجرى في الآونة الاخيرة حوارات بين الاديان، واستضاف بعض جيرانه وبعض ضباط الشرطة وسياسيين محليين لاجراء حوارات حول الاسلام وادانة هجمات 11 سبتمبر. ولكن هناك علامات واضحة على وجود نشاطات راديكالية في المركز. فقد ظلت صورة الخميني تزين جدران المركز لعدة سنوات. وقال هرمز حكمت، الناشط ضد النظام الايراني، انه حضر مناسبة العام الماضي بالمركز، وكان هناك مقتطف من اقوال الخميني يقول «اولئك الذين يجاهدون ضد الولايات المتحدة سيجزيهم الله خيرا».

وما يزال عاصي حاضرا بصورة دائمة بالمركز يقدم خدماته في مجال احياء الذكرى السنوية للثورة الايرانية وذكرى وفاة الخميني. وقد ظهر عدة مرات الى جانب احمد هوبر، السويسري الذي اعتنق الاسلام، والذي يشهر عداءه «للمصرفيين اليهود» ويشكك في تاريخية المحرقة.

وعام 2001، جمد المسؤولون الاميركيون اموال هوبر، واموال مصرف التقوى، الذي كان هوبر احد اعضاء مجلس ادارته. واعلنت الولايات المتحدة ان هوبر ومصرف التقوى يدعمان الارهاب. ويدعي المسؤولون ان المصرف كان يدير اموالا تخص اسامة بن لادن. ولكن هوبر ينفي الارتباط بالارهاب بينما يعترف بانه التقى بممثلين لـ«القاعدة» في بيروت.

ويتفادى عاصي الحديث عن بن لادن، في الوقت الذي يتحدث فيه عن اي قضية لكل من يريد ان يستمع اليه. وظل خلال الاعوام الـ 19 الماضية، يتحدى العواصف الثلجية والحرارة الحارقة، ليؤم المصلين في الممر الجانبي التابع للمركز الاسلامي.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط» =