ألمانيا تغير موقفها المعارض للحرب ضد العراق بعد انضمامها إلى نادي الـ15 في الأمم المتحدة

TT

عقب حصول ألمانيا على مقعد في مجلس الأمن يمنحها صوتا رئيسيا في أي قرار يتعلق بالحرب ضد العراق، بدأت الحكومة الألمانية جهودا متواصلة لجعل البلاد اكثر توافقا مع آراء الدول الحليفة لها بالتقليل من حدة السياسة المناوئة للحرب التي ادت الى إعادة انتخابها في سبتمبر (ايلول) الماضي. ويعتقد محللون سياسيون ان المستشار غيرهارد شرودر ووزراءه يعملون على تهيئة الرأي العام لاحتمال مصادقة ألمانيا داخل الأمم المتحدة على اتخاذ عمل عسكري ضد العراق ومساعدة الدول الحليفة لها في هذا الشأن رغم عدم مشاركة قوات ألمانية في الحرب المحتملة. ووصفت صحيفة «بيلد» الشعبية هذه السياسة بكلمة «جين» وهي كلمة مركبة من كلمتي «جا» و«نين» اللتين تعنيان في الألمانية «نعم» و«لا».

ففي خطاب وجهه عشية العام الجديد للشعب الألماني اشار شرودر الى ان بلاده التي اصبحت منذ أول من امس عضواً في مجلس الأمن لمدة عامين وستشارك في الجلسات الحاسمة المقرر عقدها في فبراير (شباط) المقبل، لن تصوت تلقائيا ضد خيار الحرب ضد العراق. وقال شرودر في خطابه ان «الألمان يعرفون من واقع تجربتهم ان الحكام الديكتاتوريين لا يمكن وقفهم إلا بالقوة» وأضاف قائلا: «ندرك ايضا ما يعنيه القصف والدمار وفقدان المأوى للناس». يتعارض ما قاله شرودر في خطابه الاخير مع تصريحاته الرافضة تماما للحرب خلال حملته الانتخابية عندما اكد انه سيعارض أي تدخل في العراق حتى اذا قرر ذلك مجلس الامن ذلك وهي النتيجة التي قال انه «لا يمكن تصورها». كما وصف شرودر في ذلك الوقت أي ضربة عسكرية بـ«المغامرة» مما أثار غضب ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش. ولكن منذ إعادة انتخاب شرودر، وهو ما جاء على حساب توتر العلاقات مع الولايات المتحدة وذهول بعض حلفاء ألمانيا في القارة الاوروبية، ظلت الحكومة الألمانية تعيد النظر في موقفها ازاء الضربة العسكرية المحتملة ضد العراق. ويعتقد محللون ان تراجع ألمانيا عن موقفها المتشدد المناوئ للحرب ضد العراق ربما جاء بدافع الطموح في ان تصبح عضوا دائما في مجلس الامن، إلا ان هذا الهدف لن يتحقق اذا توقفت ألمانيا عند دعم أي قرار جماعي لمجلس الامن. وفيما تسعى ألمانيا للعب دور اكبر في الشؤون العالمية، إلا انها لا تريد الوقوف بعيدا عن حلفائها خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. رغم ذلك لا يرغب أي سياسي ألماني في ان ينظر اليه على انه مدفوع من جانب الولايات المتحدة او الحلفاء الأوروبيين، لذا فإن الكثير من التصريحات لم تكن حاسمة كما خفف المسؤولون من حدتها بنفي حدوث أي تغيير على السياسة الألمانية. اشار وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر خلال عطلة نهاية الاسبوع الماضي الى احتمال تصويت ألمانيا لصالح الحرب ضد العراق، اذ صرح خلال لقاء اجرته معه نهاية الاسبوع الماضي مجلة «دير شبيغل» الاسبوعية بأن «لا احد يمكن ان يتكهن بنتيجة تصويت ألمانيا داخل مجلس الامن» معللا ذلك بأن «لا احد يعرف الكيفية والظروف التي سيتعامل على اساسها مجلس الامن مع المسألة العراقية».

ومن جانبهم قال قياديون في «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» هذا الاسبوع ان ألمانيا لن تكون معارضا وحيدا، فقد علق هانز اولريخ كلوز، المتحدث باسم الحزب في مجال الشؤون الخارجية، قائلا خلال لقاء اجري معه في عدد صحيفة «فرانكفورتر ألجماينا» الصادر يوم الاحد الماضي انه لا يتخيل ان تصبح ألمانيا «معارضا وحيدا» لأن ذلك، طبقا لحديثه، «سيكون نكسة لموقف ألمانيا عالميا».

دفع ائتلاف الديمقراطيين الاجتماعيين والخضر دور ألمانيا على الصعيد العالمي بصورة لم تحدث خلال الحكومات الألمانية السابقة، فعلى الرغم من عدم مشاركة ألمانيا في حرب الخليج الثانية عام 1991، شاركت قوات ألمانية خلال فترة حكم شرودر الأولى في العمليات العسكرية ضد يوغسلافيا خلال نزاع كوسوفو عام 1999. كما من المتوقع ان تستأنف ألمانيا بمشاركة هولندا قيادة قوات حفظ السلام التي تسير دورياتها في العاصمة الافغانية كابل والمناطق المحيطة بها. ويقدر عدد افراد القوات الألمانية الموجودة في الخارج بحوالي 10000 في منطقة البلقان وافغانستان ومنطقة القرن الافريقي. وفي اول مؤشر على تراجعها عن تعهداتها الانتخابية، اعلنت الحكومة الألمانية الشهر الماضي انها ستسمح باستخدام القواعد الاميركية في البلاد ومن المحتمل ان تفتح اجواءها أمام أي عمليات لطائرات الحلفاء ضد العراق. ووافق شرودر ايضا على توفير الامن للقواعد الاميركية في ألمانيا خلال أي عمليات حربية. وعدت الحكومة ايضا توفير معدات لاسرائيل للمساعدة في الحماية من أي هجوم بيولوجي او كيماوي، كما تراجعت الحكومة عن تهديد سابق لها بسحب مركبات عسكرية خاصة نشرت في الكويت لكشف أي مخاطر نووية او كيماوية او بيولوجية، اذ قال وزير الدفاع الألماني بيتر ستراك ان مثل هذا الانسحاب سيكون «مدمرا» من الناحية الدبلوماسية. ويلاحظ مراقبون ان هذه الخطوات كثيرا ما تثير جدلا على الصعيد الداخلي، فالرأي العام الألماني الذي بات يشعر مسبقا بخيبة امل ازاء حكومة شرودر في ما يتعلق بسياساته الاقتصادية لا يزال يعارض بصورة واسعة الحرب المحتملة ضد العراق طبقا لنتائج استطلاعات الرأي، فضلا عن ان الائتلاف الحاكم يواجه انتخابات محلية حاسمة في فبراير المقبل. يضاف الى ما سبق ان الاغلبية الضئيلة للحكومة في البرلمان لا تسمح للائتلاف بالقدرة على احتواء أي انقسام يحدث في صفوفه، اذ اعلن هانز ـ كريستيان شتروبيل، نائب رئيس حزب الخضر، معارضته للتصريحات التي ادلى بها فيشر. فقد قال معلقا خلال لقاء اذاعي اجري معه في الآونة الاخيرة ان ألمانيا ترفض الحرب واعلنت عن معارضتها لها، مؤكدا ان هذا ينبغي ان يكون موقفها داخل مجلس الامن ايضا. وقال شتروبيل في وقت لاحق ان لا حاجة الى مناقشة التصويت داخل الامم المتحدة الآن، بيد ان اول رد فعل له يشير الى ان الحكومة الألمانية قد تواجه نوعا من التمرد الداخلي الذي اوشك على اسقاطها عندما اعلنت عن التزامها بالمشاركة بقوات في الحرب في افغانستان عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة. الحكومة الألمانية تصر من جانبها على عدم حدوث اي تغيير في سياستها، اذ قال شرودر خلال زيارته الاخيرة الى الصين ان «يوشكا فيشر طرح موقف الحكومة الألمانية واضحا بتأكيده على عدم مشاركة ألمانيا في أي عمل عسكري» وبالتالي «لا يمكن الحديث عن تغيير في الموقف الألماني»، على حد قوله.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»