ناشطة سلام بريطانية رحلها الإسرائيليون بالقوة: الشرطة والقضاء يتواطآن لحماية المستوطنين «الإرهابيين»

TT

قالت ناشطة السلام البريطانية أنجي زيتلر، التي رُحلت من اسرائيل يوم الاربعاء الماضي، إن السلطات الاسرائيلية أصرت على طردها بسبب الادلة القاطعة التي تملكها ضد مستوطنين «ارهابيين» يعيثون فساداً في الاراضي المحتلة. وأضافت في اتصال هاتفي أجرته معها «الشرق الأوسط» إن حكومة أرييل شارون صارت تخشى من الناشطين الدوليين، لأن عملهم بدأ يثمر خصوصاً انهم ينسقون مع أنصار السلام في إسرائيل. والناشطة التي تعرض جهازها الكومبيوتري لـ«هجوم إسرائيلي بالفيروسات» أثناء حديثها مع «الشرق الأوسط»، اتهمت القضاء والشرطة في اسرائيل بالتواطؤ لحماية المستوطنين. ويذكر ان زيتلر حصلت عام 2001 على جائزة سلام يطلقون عليها «نوبل البديلة» فاز بها سابقاً الصحافي وناشط السلام الاسرائيلي يوري أفنيري والمحامية فليشيا لانغر. وكانت زيتلر (52 عاماً) قد وصلت مساء اول من أمس الى لندن عائدة من تل ابيب حيث قضت اربع ليال في زنزانة بمطار بن غوريون. وهي توجهت الى إسرائيل للإدلاء بإفادتها في محاكمة المستوطن فرانك كارمل (من مستوطنة كريات أربع القريبة من مدينة الخليل) الذي هاجمها بعنف في 29 اغسطس (آب) 2001 حين حاولت تصويره وهو يرمي فلسطينيين في الخليل بحجارة أدت الى جرح طفل فلسطيني.

وقالت إن السلطات أبلغتها لدى وصولها بانها ممنوعة من دخول اسرائيل لـ«اسباب امنية»، فعمدت الى رفع قضية للطعن في القرار. وحين ادرك موظفو وزارة الداخلية انها قد تربح الدعوى وتبقى لحضور المحاكمة، حاولوا طردها على وجه السرعة. واخرجها رئيس شرطة الهجرة من الزنزانة التي احتجزت فيها منذ وصولها، ثم غطاها ببطانية ووضعها قسراً على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية النمساوية بهدف ترحيلها. بيد ان الطيار رفض الاقلاع وهي على متن الطائرة لأنها لم تكف عن البكاء والعويل وطلب النجدة، مما اضطر الشرطة الى الزج بها مجدداً في زنزانة الى حين المحاكمة التي جرت صباح أول من امس. ولدى سؤالها ما إذا كان حرص الاسرائيليين على ترحليها عائدا لخوفهم من افتضاح أمر أشياء يتسترون عليها، قالت زيتلر لـ«الشرق الأوسط» «بكل تأكيد». وأضافت إن السلطات الاسرائيلية لم تطردها من البلاد «بسبب هذه القضية (كارمل) بل هناك أشياء اخرى» في طليعتها الادلة التي تملكها ضد «مستوطنين يتنقلون بحرية في الريف (الفلسطيني) ليرعبوا الابرياء هناك فيهاجمونهم ويطلقون عليهم الرصاص ويسرقون محاصيلهم». واكدت ان «مستوطنين إرهابيين ينتمون الى منظمة كاخ الارهابية التي اسسها مائير كاهانا الذي قتل في نيويورك، يتحركون بحرية مطلقة في المناطق المحتلة وهم مدججون بسلاحهم». واعتبرت أن «المستوطنين غير قانونيين بصورة مضاعفة» فهم لا يعيشون على أراض محتلة بشكل غير شرعي فقط، بل ايضاً «يعمدون إلى تجريد الفلسطينيين من اراضيهم وحرثها بالقوة من دون أوامر رسمية».

واستوضحتها «الشرق الأوسط» عن تاريخ حصولها على هذه الادلة، فأشارت زيتلر الى انها في الاول من اكتوبر (تشرين الاول) الماضي ذهبت مع «ستة رجال ونساء أجانب متقدمين بالسن لمساعدة الفلسطينيين (في منطقة سلفيت) على قطف الزيتون بعدما أعلنا اننا لا نشكل خطراً على أحد وأننا ضد العنف واخطرنا الشرطة بالامر». بيد ان «40 مستوطناً هاجمونا وبدأوا بإطلاق الرصاص فوق رؤوسنا. وعمدوا الى احتجازي لحوالي ساعتين وصادروا حقيبتي كما عبثوا بآلة التصوير التي كنت أحملها». واوضحت انها أبلغت الشرطة رسمياً بما جرى بعد ان انتهت محنتها بفضل تدخل اعضاء في الكنيست وناشطين إسرائيليين من انصار السلام. إلا ان الشرطة قالت إنها غير قادرة على اتخاذ الاجراءات اللازمة ضد محتجزيها مالم تستطع إبراز صورتيهما. وبعد ثلاثة أيام حصلت مواجهة أخرى عندما ذهبت لمساعدة الفلاحين وشاهدت الاسرائيليين اللذين احتجزاها إلا ان رجال الشرطة رفضوا الاستجابة لطلباتها المتكررة بتسجيل اسميهما تمهيداً لمحاسبتهما. وفي 17 اكتوبر (تشرين الاول) الماضي بلغ تهرب الشرطة الاسرائيلية من محاسبة المستوطنين ذروته. فقد ذهبت زيتلر «برفقة 350 فلسطينياً و40 ناشطاً اجنبياً لقطف الزيتون في منطقة سلفيت». وهناك «كان المستوطنون المدججون بالسلاح بإنتظارنا في الحقول التي كانوا يسرقون زيتونها. لم تقع اشتباكات بيننا بيد اننا تمكنا من التقاط صور جيدة جداً للمستوطنين اللذين احتجزاني فضلاً عن ممارسات المستوطنين غير القانونية أثناء تلك الوقفة». واضافت «سلمت الصور المخزنة على قرص مدمج لضابط في مركز الشرطة بمستوطنة أرييل قرب نابلس اسمه آمي باران وهو مستوطن أميركي من مدينة شيكاغو، ووعد بأن يتخذ الاجراءات اللازمة لكنه لم يفعل شيئاً حتى الآن».

واللافت ان هجوماً بالفيروسات استهدف جهاز الكومبيوتر الخاص بها اثناء حوارها الهاتفي مع «الشرق الأوسط». ويبدو ان الاعتداء بدأ خلال لحظات من تشغيلها الجهاز في محاولة للعثور على رقم هاتف ضابط الشرطة آمي باران. وقالت «لقد حذروني بعد تجربتي الاخيرة في مطار بن غوريون (حيث احتفظت الشرطة بجهازها طيلة وجودها بالزنزانة) ان الاسرائيليين سيستطيعون قراءة كل الرسائل التي تردني بالبريد الالكتروني، بيد انني لم اتوقع قيامهم بهذا الهجوم». واعتبرت أن الترحيل القسري والعداء الذي بلغ حد شن حرب الكترونية، يدل على ان السلطات الاسرائيلية «صارت تشعر بالخطر الذي يمثله ناشطو السلام الاجانب لجهة فضح الممارسات الكريهة التي يقوم بها جنود الاحتلال والمستوطنون ضد الفلسطينيين». ولفتت الى ان «التعاون المضطرد بيننا نحن الاجانب وبين أنصار السلام الاسرائيليين يدخل الخوف في قلوب سلطات الاحتلال لأننا بدأنا نحقق النجاح». وعن دور أنصار السلام الاسرائيليين في التصدي لقرار ترحيلها، أكدت زيتلر ان ناشطين من حركة «حاخامات لاجل حقوق الانسان» و«غوش شالوم» (كتلة السلام) و«التعايش» الفلسطيني ـ الاسرائيلي وقفوا الى جانبها خلال الايام الاربعة، واكدت مساعدتهم لجهة الاتصال بالقضاء وأعضاء الكنيست الخ... فضلاً عن «وقوفهم حولي كدرع إنساني منع رجال الشرطة من نقلي قسراً الى الطائرة» في مناسبة ثانية. واضافت ان «ناشطين تظاهروا خارج المحكمة في الجلسة الاخيرة لحوالي ساعتين».

وحين قالت القاضية لها إنها «شخص غير مرغوب فيه في اسرائيل» اشارت أنجي الى ان كثيراً من اصدقائها الاسرائيليين يرغبون بوجودها. وفي تأكيد لكلام الناشطة «وقف اربعون من هؤلاء الاصدقاء واكدوا للقاضية إنهم يرغبون ببقائي في إسرائيل». وسألتها «الشرق الأوسط» عما إذا كانت لا تزال ترغب بالعودة رغم ما تعرضت اليه على يد المستوطنين والشرطة التي تحميهم، فقالت «لن يسمح لي بدخول البلاد». وقالت «ربما رفعت قضية ضدهم امام محكمة دولية، لكني لم ابحث الامر بعد مع محام مختص بالقانون الدولي». واوضحت الناشطة البريطانية أنها دأبت على التردد على اسرائيل منذ عشرين عاماً، بيد انها لم تبدأ نضالها من أجل إنصاف الفلسطينيين إلا قبل ثلاث سنوات. وكانت زيتلر في اغسطس (آب) الماضي المؤسسة المشاركة لمنظمة «خدمة النساء للسلام في فلسطين». ولم تستبعد إمكان إقامة دعوى قضائية ضد السلطات الاسرائيلية لأنها «تمنعني من رؤية معتقلين فلسطينيين وجهوا لي دعوة لزيارتهم». وذكرت ان كثيراً من اصدقائها الاسرائيليين يعتبرون بلادهم تعيش حالياً في ظل «ديكتاتورية عسكرية».