بن عيسى يدعو في الجزائر إلى «جعل مصلحة الاتحاد المغاربي فوق كل اعتبار إلا ما يمس سيادة ووحدة الوطن»

وزير خارجية المغرب: لسنا ضد القمة المغاربية .. لكن علينا أن نعترف أن الظروف ليست ملائمة

TT

دعا محمد بن عيسى، وزير خارجية المغرب أمس الجزائر إلى التخلي عن «لغة الخشب» والتوجه بدلا من ذلك إلى حل المشاكل العالقة بين البلدين بكل صراحة وموضوعية، وناشد الحكومات الأعضاء في الاتحاد المغاربي أن يكونوا في مستوى تطلعات شعوب المنطقة وأن يتحلوا بما يكفي من «الجرأة والشجاعة وجعل مصلحة اتحاد المغرب العربي فوق كل اعتبار الا ما يمس سيادة ووحدة الوطن وخصوصيات الامة وقيمها الروحية».

وتحولت جلسة افتتاح اجتماع وزراء خارجية الاتحاد المغاربي، الذي عقد أمس في الجزائر، إلى ما يشبه المناظرة بين رئيسي دبلوماسية المغرب والجزائر، وكان اهتمام الصحافيين الحاضرين كله منصبا على معرفة مدى تطور أو تحسن العلاقات بين الجارتين بما يمكن أن يساهم في تفعيل مسار اتحاد المغرب العربي، لكن ما صرح به «نجم الاجتماع» أفهم الجميع أن التقدم في المسيرة لا يمكن أن يحصل قبل تراجع الجزائر عن موقفها إزاء قضية الصحراء الغربية، أو أن تواصل العربة سيرها من دون واحد من الأعضاء اللدودين، وهو خيار لم يخرج بعد إلى العلن ما دامت هناك «النيات الحسنة والمساعي الحميدة وحرص باقي الشركاء على لم الشمل». ومقابل تركيز بن عيسى على مسألة الخلافات الثنائية بين الجزائر والمغرب وجعل حلها مفتاح إعادة تحريك قاطرة الاتحاد المغاربي، حاول وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم اعتبار الأمر محسوما لصالح الاتحاد بجميع أعضائه، وهو ما أكد عليه، في رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، من أن علاقات الجزائر مع المغرب هي «علاقات ودية وعادية وطيبة، والجزائر تريد أن تكون أيضا متميزة بحكم ما يجمعنا». وذهب بلخادم بعيدا في تفاؤله عندما أكد على أن «الجو الآن مناسب لمواصلة العمل ثنائيا وإقليميا وأفريقيا وعربيا».

هذا التفاؤل رد عليه بن عيسى، في موقع آخر، بالقول «إنه لا يكفي، وعلى الجميع التغلب على خلافاتهم حتى يكونوا في مستوى إرادة البناء الحية التي تسكن وجدان شعوب المنطقة». وفضل بن عيسى، في رده على سؤال «الشرق الأوسط»، أن يكون مباشرا ويضع الخلاف الجزائري ـ المغربي حول الحدود والصحراء الغربية أصل العثرة التي أصابت الاتحاد منذ سنوات ولا تزال. وبدا، في كل تصريحاته للصحافة حريصا على أن يبلغ رسالة المغرب المتمثلة في أن «لا تفعيل ولا انطلاقة حقيقية للاتحاد في ظل الخلاف القائم مع الجزائر». ورفض بن عيسى ما كانت الجزائر تدعو إليه من وضع قضية الخلاف حول الصحراء بين قوسين، وترك حله بيد الأمم المتحدة، على أن تهتم دول الاتحاد المغاربي بغير ذلك. قال بن عيسى «هناك وضع ـ لا قدر الله ـ مشحون بما قد يفجر ظروفا صعبة في المنطقة يتمثل في قضية الصحراء. لا بد من الفصل في هذا الموضوع بطريقة أو بأخرى، لا يمكن أن يوضع جانبا ونقول هذا أمر متروك للأمم المتحدة، وعلينا نحن الآن أن ننصرف للقيام بأعمال أخرى». وشدد الوزير المغربي على أن «أولوية الأولويات هي أن نحدد معالم الطريق وأن نرى بتبصر آفاق المستقبل بأسلوب عملي وعقلاني ومنهجي ونزيل كل الأشواك التي تقف عائقا في طريقنا، وبدون ذلك سنبقى دائما نتعثر». وقال بن عيسى إن «أول إكراه في وجه أية أمة في العالم هو أمنها واستقرارها وسيادتها». مضيفا «لا أعتقد أن هناك دولة في الاتحاد الأوروبي بدأت بتفعيل أي تعاون مع دولة أخرى في الاتحاد بحدود مغلقة أو بأرض مهددة، أعتقد أن هذا أساسي. نحن نريد أن نكون مطمئنين من أن لا شيء يهددنا في بلادنا، في ترابنا، في سيادتنا، ونريد أيضا أن لا شيء يهدد وحدة وسيادة واستقلال وطمأنينة واستقرار الجزائر أو تونس».

ونفى بن عيسى أن يكون المغرب هو الذي يعرقل مسار الاتحاد بسبب موقفه المصر على إدراج قضية الصحراء ضمن أية مناقشات تهم الاتحاد المغاربي، كما استبعد أن يكون بلده هو من أفشل القمة المغاربية الأخيرة التي كانت مقررة في يونيو (حزيران) الماضي، أو أن يكون وراء التردد في عقد القمة المقبلة . وقال بن عيسى «لسنا ضد القمة، لكن يجب الاعتراف أن هناك مشاكل معلقة بين البلدان الأعضاء في الاتحاد، ليس فقط بين المغرب والجزائر، بل بين بلدان أخرى. وعلينا بالحوار والتفكير وضرورة الظروف الإقليمية والعالمية تجاوز هذه المشاكل لانطلاقة سليمة». وعاد الوزير المغربي للتطرق الى مسألة الخلاف مع الجزائر ليتساءل عن جدية الحديث عن ضرورة تفعيل الاتحاد في ظل الظروف الراهنة «لا أرى كيف يمكننا أن نفعل اتحادا مغاربيا بحدود مغلقة، لا يمكننا أن نتصور تفعيل اتحاد المغرب العربي ودولة من دوله تشعر بتهديد لوحدتها الترابية واستقلالها وسيادتها. لو كان ذلك في الجزائر لكان للجزائريين نفس الشعور، ولو كان ذلك في تونس لكان للتونسيين نفس الشعور. مهما كانت الظروف ليس فينا من يقبل أن يقيم شراكة وأخوة وتعاونا وهو يشعر بالإحباط وبالتهديد وبالخطر». وأشار بن عيسى الى أن الحل يكمن في الحوار الصريح وعن طريق إيجاد صيغ لا غالب فيها ولا مغلوب، سواء تعلق الأمر بالحدود بين المغرب والجزائر أو بقضية الصحراء أو بالملفات الأخرى التي تكون عادة بين الدول الشقيقة والمتجاورة. قبل أن يضيف «نطمح كذلك أن نرى نفس الشيء يجري بين الأخوة في اتحاد المغرب العربي، بين موريتانيا وليبيا، وبيننا وبين الآخرين. لا بد أن نخلق الجو الذي يُفعّل ما نقوله في خطبنا. نحن نتحدث ونقول كلاما جميلا، نتكلم ونعبئ في أذهان وفي قلوب المواطنين والمواطنات مشاعر فياضة تدفعهم للتأمل وللأمل، ولكن يجب أن نترجم ذلك على ارض الواقع». وعقب الكلام المعسول يفضل بن عيسى الجهر بالحقيقة كما هي في الواقع، «الظروف ليست ملائمة وعلينا توضيح الرؤية. علينا أن نتوقف عن استعمال لغة الخشب، فنحن لا يمكن أن نتعانق ونتبادل التحيات ونقول أشياء تعجب الجميع ثم نخرج من دون أن نفعل شيئا، كما لا يجب أن نواصل في إلقاء الخطابات وكأن شيئا لم يحدث». وهذا يصب في سياق ما ذكره بن عيسى في كلمته حينما أشار الى ان إعطاء مدلول عملي لاتحاد المغرب العربي يتطلب بالاساس الوضوح في الرؤية وفي المواقف. قبل أن يضيف ان الشعوب المغاربية واعية كامل الوعي بما يعطل انطلاقة المشروع المغاربي، وبما يؤجل تحقيق الحلم الذي راود الاجيال المغاربية المتعاقبة منذ قرابة قرن .

مذكرا بما قاله العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب عيد الجلوس الاخير حينما أكد على أن «بناء المغرب العربي يمر عبر الانسجام في الرؤى والوضوح في الاهداف واحترام الثوابت وسيادة روح الاخاء والثقة والتضامن والتشبع بروح الوحدة والحكمة والتوافق وانتهاج العقلانية في توظيف الطاقات المشتركة لتحقيق تطلعات اجيالنا الحالية والمستقبلية».

واوضح بن عيسى ان ارادة بناء اتحاد المغرب العربي على اسس سليمة وقوية هي حية في ضمير ووجدان الشعوب المغاربية .

وقال «علينا نحن ممثلي الحكومات المغاربية أن نعمل على تجسيد هذه الارادة من خلال التغلب على خلافاتنا، والسعي الى ارساء قواعد الاتحاد، والتصدي بكل حزم لكل عوامل التشتيت والتفرقة، فالوعي المغاربي ينبض بالوحدة والتلاحم، وقوة الاتحاد المغاربي تكمن في وحدته وقوة دوله.