الجزائر: الجماعات المسلحة تدشن العام الجديد بقتل 56 شخصا بمجزرتين

سكان دوار الغلافطية بالجزائر يروون لـ«الشرق الأوسط»: ذبحوا الرجال والأطفال واختطفوا النساء

TT

دشنت الجماعات المسلحة الجزائرية العام الجديد باثنتين من أعنف وأكثر المذابح دموية، مخلفة بذلك حوالي 56 ضحية وعدة جرحى. ففي منطقة الأوراس (جنوب شرقي الجزائر) قُتل 43 عسكريا في عملية نُسبت إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال، في حين قتلت مجموعة مسلحة يعتقد أنها من الجماعة الإسلامية المسلحة 13 مدنيا في البليدة جنوب العاصمة الجزائرية.

ولم ينم سكان دوار الغلافطية التابع لبلدية البليدة (50 كلم جنوب العاصمة)، طوال ليلة أول من أمس، بعد أن نفذ اكثر من عشرة مسلحين مجزرة قتلوا فيها 13 شخصاً ذبحاً. ووجدت «الشرق الأوسط» عشرات السكان أمام مكان الحادث مجتمعين يروون بحسرة ما عايشوه في تلك الليلة ويتأسفون على أنهم لم يستطيعوا القيام بأي شيء لمنع القتلة من اقتحام دُوّارهم أو على الأقل صدهم عن ارتكاب مجزرتهم الشنيعة، لكن أحدهم يقول «كيف يمكننا أن نقف في وجه هؤلاء الإرهابيين الدمويين ونحن عزل». وكانت هذه الجملة إيذانا من الشاب يوسف بفتح نقاش متحمس حول الكيفية التي توزع بها السلطات المعنية الأسلحة على سكان المناطق المعزولة والنائية للدفاع عن أنفسهم في إطار ما يعرف بالدفاع الذاتي. وكانت التهم، بطبيعة الحال، موجهة إلى السلطات العمومية التي «رفضت أن تمدنا بالسلاح، حتى صار المحظوظ هو من يكون له مال يدفعه مقابل تسجيل اسمه ضمن من يحق لهم حيازة سلاح من الدولة».

ودوار الغلافطية لم يكن بعيدا عن مقر الحرس البلدي إلا بحوالي 300 متر، لكن هؤلاء المسلحين التابعين لوزارة الداخلية استغرقوا، حسب شهادات استقتها «الشرق الأوسط» من السكان، ساعة ونصف من الزمن، أي أنهم لم يصلوا إلى مكان المذبحة إلا بعد أن انتهى سكان الدوار من ستر الضحايا وبعد أن اختفى الجناة نهائيا في الغابات. والواقع أن النقاش حول بطء تحرك قوات الأمن في حال وقوع مثل هذه المجازر لم يكن وليد الأمس، بل هو مطروح منذ مجازر سنة 1997، خلال المجازر التي كانت تخلف مئات القتلى في ليلة واحدة، وكان مسرحها لا يبعد عن ثكنات تابعة للجيش إلا بعشرات الأمتار. ويكرر أحد أعضاء الحرس البلدي نفس المبررات التي تقدمها السلطات العمومية، قائلاً «نحن ملزمون بالبقاء داخل مقراتنا، ولا يمكننا التحرك إلا بعد أن تأتينا الأوامر بذلك»، وبين إخطار القيادة ووصول الأوامر بالتحرك يكون الأمر قد قضي.

واقتحم المسلحون، الذين يتجاوز عددهم العشرة، في صمت الدوار ولم تكن الساعة قد تعدت العاشرة ليلا، وخرجوا منه قبل الحادية عشرة. ويروي أحد حراس بساتين البرتقال، التي تشتهر بها منطقة متيجة، كيف أنه لمح اثنين من عناصر المجموعة في زي عسكري وهما «يفتحان الطريق» لزملائهم، «جاء أحدهما وطلب منا الدخول إلى مركز الحراسة، لأن دورية تابعة لقوات الجيش قادمة من هنا. لكنني بعد أن رأيت أنهما يرتديان حذاءين رياضيين فهمت أن الأمر لا علاقة له بالجيش، بل بجماعة إرهابية تخطط لشيء ما في المنطقة، ولم أكن أعلم أن المصيبة ستقع على جيراننا. وقد أشرت لهما أنني سأنادي زملائي وندخل المركز مثلما طلبا منا، لكنني دعوت من معي وهربنا إلى منطقة أخرى بعد أن أغلقنا باب المركز لنوهمهم أننا بداخله، وبعد دقائق قليلة خرجت المجموعة من جنح الظلام وكانت أول وجهة لها هي مقر المركز إذ كانوا يظنون أننا فيه، وقد جاؤوا ليتخلصوا منا قبل أن يواصلوا إلى الدوار. وبقينا هناك حتى سمعنا صيحات الاستنجاد وامرأة تصرخ بأعلى صوتها، ثم صوت رصاص قطع صمت الليل. عندها هرعنا إلى المجمع السكني، لكن بعد فوات الأوان. ولسوء أو لحسن حظ أحد زملائنا، فقد كان بيته أول محطة لهؤلاء الإرهابيين، حيث قتلوا والديه وخمسة من إخوته أصغرهم صبي في عامه الأول وجدناه وقد هشم رأسه قضيب حديدي، في حين نجا أحد إخوته الذي كان يقضي الليلة عند جده، غير بعيد».

وبدأ المعتدون مجزرتهم بعائلة قبايلي التي قتلوا أفرادها السبعة داخل بيتهم القصديري ذبحا، قبل أن يتنقلوا إلى منزل عائلة حمادي حيث ذبحوا الوالد والوالدة واختطفوا معهم فتاتين تبلغان من العمر 21 و24 سنة، وأخذوا معهم كل المؤونة وبعض الألبسة من منزلي الضحايا إضافة إلى جهاز إحدى المختطفتين التي كانت تستعد للزفاف. وقد تمكنت طفلة صغيرة من عائلة حمادي من الاختباء داخل كومة قش بعد أن رأت أن مصيرها سيكون مثل مصير والدها الذي ذُبح أمام عينيها. وقد فتش عنها المسلحون لكنهم لم يعثروا عليها لأنها تمكنت بعد ذلك من الفرار وقامت بإخطار بقية الجيران الذين سارعوا إلى إطلاق صيحات النجدة وتنبيه الجميع إلى ما يجري. وقد قام أحد السكان بإطلاق عيارات تحذيرية من بندقية صيد قبل أن يطلق الإرهابيون النيران من أسلحتهم الأوتوماتيكية ليضمنوا لأنفسهم هروبا آمنا.

وفي الطريق بين مدينتي بسكرة وباتنة (350 كلم جنوب شرقي الجزائر) قامت مجموعة من حوالي عشرين مسلحا، ينتمون إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي يرأسها حسن حطاب، بقتل 43 عسكريا ومقاوما، في واحدة من أخطر العمليات وأثقلها حصيلة منذ حوالي عامين. وحسب مصادر متطابقة فإن المجموعة كانت تتربص قافلة عسكرية، في منطقة ثنية العابد في حدود السابعة من مساء اول من امس. ونصبت المجموعة كمينا محكما، إذ بمجرد وصول السيارات العسكرية قرب أماكن تمركز أعضاء مجموعة عبد الرزاق البارا (المظلي)، وهو قائد الناحية الشرقية للجماعة السلفية، حتى رموا عليهم قنابل موقوتة شديدة المفعول قبل أن يمطروهم من كل الجهات بالرصاص. وقد تمكنوا من قتلهم وسلب جميع أسلحتهم، قبل أن تصل المروحيات والإمدادات العسكرية التي تشن لحد الآن حملة تمشيط واسعة في تلك المنطقة المعروفة بصعوبة تضاريسها الجبلية والغابية. وعكس مجزرة البليدة التي أعلنت عنها مصالح الأمن الجزائرية، فإن هذه الأخيرة بقيت نهار أمس، متكتمة ولم تصدر أي بيان أو تصريح ينفي أو يؤكد تلك المعلومات. وقد اختلفت المصادر في تحديد عدد الضحايا، حيث تراوحت التقديرات بين 21 و47 قتيلا.