أهالي الطيبة يتمنون لو اهتم أعضاء الكنيست العرب أكثر بقضاياهم المحلية

أحمد الطيبي يتوقع أن يكسب قضية الترشح للكنيست في المحكمة العليا

TT

الفجوات والحفر الممتلئة بمياه الامطار والطمي تجعل المرور في شوارع مدينة (الطيبة) الفلسطينية داخل الخط الأخضر أمراً مستحيلاً. والمجاري فيها مفتوحة والمدارس مزدحمة بينما معدل الجريمة وتعاطي المخدرات في ازدياد مضطرد. عرب 1948 الذين يقطنون المدينة المكونة من مجموعة من المباني الكئيبة حيث يبدو كل شيء قديما ومتهالكا، يعتبرون هذه المشاكل اكثر إلحاحا من مشكلة رفيقهم احمد الطيبي عضو الكنيست الاسرائيلي، الذي اصدرت لجنة الانتخابات الاسرائيلية الاسبوع الماضي قرارا حظرت بموجبه ترشيحه في الانتخابات المقررة في 28 من يناير (كانون الثاني) الجاري بتهمة تأييده منظمات ارهابية تستهدف اسرائيل. تقدم الطيبي وزميله عزمي بشارة، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي الذي صدر قرار مشابه بحقه، باستئناف القرار الصادر ضدهما امام المحكمة العليا الاسرائيلية التي من المتوقع ان تصدر حكمها بشأن هذه القضية في فترة اقصاها غدا. وينظر المحللون الى هذه القضية كونها محكا واختبارا لقدر وطبيعة المعارضة التي يمكن تتحملها اسرائيل خلال النزاع المتصاعد مع الفلسطينيين. وقال الطيبي في لقاء اجري معه في الآونة الاخيرة انه سيكسب القضية اذا نظرت المحكمة الى المسائل القانونية بعيدا عن أية دوافع سياسية، وأضاف ان مجمل الاتهام الموجه له بأنه مؤيد للارهاب امر مثير للاستفزاز ومغلوط ويتنافى مع الديمقراطية، وقال معلقا: «الديمقراطية تعني لاسرائيل فيما يبدو حقوق الاغلبية في الحكم والإملاء على الآخرين».

بيد ان وجهة بعض سكان مدينة الطيبة تختلف عن ذلك في ما يبدو، فاستنادا الى القول المأثور الذي يعتبر السياسة امرا محليا، يشكو البعض من ان النائب الطيبي يولي اهتماما اكثر للفلسطينيين في الضفة الغربية من جماهير دائرته الجغرافية بالمدينة. ويقول محمود الحاج يحيى، 23 سنة، وهو عاطل عن العمل ويقضي فترات بعض الظهر في لعب الورق بمقهى محلي، ان الناس هنا في حاجة الى شخص يبدي لهم احتراما، مشددا على انه يجب على الطيبي في المقام الاول ان يهتم بمشاكل وشؤون سكان المدينة وليس بقضايا الدولة الفلسطينية. وبالنسبة لمحمود، الذي قال انه فشل في الحصول على عمل على مدى اكثر من عامين، فإن ترتيب الأولويات يبدأ بشخصه ثم العائلة فالمنزل والقرية و«بعد ذلك يمكن الحديث حول الاشياء الخارجية»، على حد قوله. جدير بالذكر ان عدد الفلسطينيين من حملة الجنسية الاسرائيلية يصل الى حوالي 1.1 مليون نسمة ويشكلون نسبة 17 في المائة من مجموع الناخبين. ويفترض ان يتمتعوا بكل الفوائد والحقوق القانونية لليهود. لكنهم يشعرون بأنهم طبقة دنيا ويجري التعامل معهم بأقصى حد من الشك والريبة ويخضعون من دون الآخرين للتفتيش عند الحواجز التابعة للشرطة في المدن الاسرائيلية الكبرى وداخل المطاعم الاسرائيلية، فضلا عن تلقيهم تمويلا حكوميا متدنيا وغير متكافئ للإنفاق على المدارس والطرق والإسكان. وتقع الطيبة على مقربة من الخط الاخضر الفاصل بين شمال الضفة الغربية واسرائيل، اذ بوسع سكانها رؤية مدينتي طولكرم وقلقيلية الفلسطينيتين الخاضعتين للسلطة الفلسطينية لكنهما تحت احتلال الجيش الاسرائيلي، كما بوسعهم سماع إطلاق النار عندما تجتاح الدبابات الاسرائيلية المنطقة. ويؤيدون سياسيا اشقاءهم هناك في رغبتهم في إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ولكن لدى عرب 1948 احتياجاتهم الخاصة، فهم يلقون باللائمة على إسرائيل في الاوضاع المعيشية القاسية التي يعانون، كما انهم يطالبون بأكثر من عشرة نواب عرب في الكنيست الاسرائيلي الذي تبلغ جملة مقاعده 120 اذ رغم ان هؤلاء النواب لا يتمتعون بنفوذ يذكر لكنهم يظلون اكثر صلة واضحة للعيان لعرب اسرائيل بالحكومة. يقول عماد مصاروة، 37 سنة، وهو سائق حافلة في الطيبة، ان العرب يريدون ان يروا ممثليهم متوحدين عندما تكون هناك انتخابات عامة، وأضاف معلقا: «بدلا من الحديث عن الضفة الغربية وياسر عرفات طوال الوقت يجب على ممثلينا الحديث عن اوضاع حياته هنا». وعلى العكس من فلسطينيي الضفة الغربية، بوسع عرب 1948 التحرك بحرية في انحاء اسرائيل حيث يرون الشوارع المعبدة والمدارس الكبيرة والميادين وطرق الدراجات الهوائية، وهي مرافق لا وجود لها في اماكن مثل الطيبة. ويضيف مصاروة قائلا: «ندرك انه لن تتم مساواتنا مع الاسرائيليين، ولكن كل ما نريده هو الحاجيات الاساسية اللازمة لعيش الحياة. اصلحوا فقط الفجوات والحفر في شوارعنا». ورغم ذلك لا يزال هناك احساس عميق بالولاء في الطيبة، فحتى الذين يظهرون عدم تأييدهم علنا للطيبي قالوا انهم سيصوتون «للحركة العربية من اجل التغيير» رغم ان اسرائيل قررت حظر الطيبي الذي كان ممثلا له في الكنيست.

وبحظر الطيبي وبشارة ربما تكون اسرائيل قد خلقت منهما بطلين سياسيين. فقد أكد عمر الحاج يحيى، 35 سنة، انه سيصوت للطيبي فقط لأن اسرائيل حظرت مشاركته في الانتخابات المقبلة، ويعتقد ان الامر كله يتعلق بالسياسة وان اسرائيل لا تريد ان يكون لهم رأي في أي شيء. وبينما اصدرت لجنة الانتخابات الاسرائيلية قرارا بحظر الطيبي، فإنها سمحت لباروخ مارزيل، العضو السابق في حركة كاخ اليهودية المتطرفة المحظورة، بالمنافسة في الحصول على مقعد في الكنيست. جدير بالذكر ان مارزيل، الذي يخضع حاليا للإقامة الجبرية بالقدس في انتظار محاكمة بتهمة قيادته اعمال شغب ضد جنود اسرائيليين وفلسطينيين في الخليل، يؤيد علنا العنف ضد الفلسطينيين. والطيبي من جانبه اكد انه وهب غالبية وقته للقضايا المحلية، بيد ان وسائل الإعلام، حسبما أشار، تركز اهتمامها على النزاع الفلسطيني. لكنه دافع عن العمل في القضية الفلسطينية مؤكدا ان «هناك احتلالاً وانه ملتزم بالعمل على النضال من اجل إنهائه».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»