مؤتمر الهاتف الفلسطيني يوسع أجندته لتشمل «الاحتلال» وأنباء عن مشروع مصري لإعلان هدنة مدتها عام

عريقات: نريد للمؤتمر أن يقول كفى للاحتلال والاستيطان * شارون يبعث برسالة لبلير يدعوه فيها لعدم الثقة بعرفات

TT

خلافاً للانطباع الذي شددت عليه بريطانيا سابقاً بأن مؤتمر السلام المصغر سيقتصر على تدارس الاصلاحات الادارية الفلسطينية، تناولت الاجتماعات التي افتتحت امس في لندن موضوعات تتعلق بالأمن والممارسات التي يتعرض لها الفلسطينيون، كما ناقشت ضرورة إنهاء الاحتلال الاسرائيلي. وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن الوفد الفلسطيني سلط الضوء على حقيقة ان الاحتلال الاسرائيلي هو بيت الداء وليس سوء أساليب الادارة المحلية. كما أفادت تقارير صحافية ان المؤتمرين سيبحثون في مشروع مصري لهدنة فلسطينية ـ اسرائيلية لمدة عام، في إطار اللقاء الذي تشارك فيه وفود تمثل السعودية والاردن ومصر واللجنة الرباعية ووفد فلسطيني يتواصل معهم من الاراضي المحتلة عن طريق الفيديو. وأوضح وزير الخارجية البريطاني جاك سترو أن هذا المؤتمر ليس بديلاً لمحادثات تتم وجهاً لوجه، واصفاً قرار تل ابيب منع سفر المسؤولين الفلسطينيين بـ«المؤسف». غير ان جهات فلسطينية تحفظت على توقيت المؤتمر معتبرة أنه أضيق مما ينبغي مشيرة الى عدم مشاركة ممثلين للمعارضة والمجتمع المدني.

وأكد ميشال طرزي المستشار القانوني للوفد الفلسطيني في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» أن المشاركين الفلسطينيين يركزون «على حقيقة ان الاحتلال هو جذر المشاكل التي تعاني منها المنطقة وليس سوء الادارة في مناطق السلطة الوطنية». واضاف أن الوفد الفلسطيني يسعى الى تحقيق هدفين آخرين لخصهما بـ«تسليط الضوء على العقبات التي تعترض طريق تنفيذ الاصلاحات الادارية وإنعاش الاقتصاد الوطني من إغلاق وحصار وترهيب يقوم به جنود الاحتلال»، فضلاً عن إطلاع المؤتمرين على «التقدم الذي احرزته السلطة الوطنية لجهة تطبيق إصلاحات إدارية ومالية على رغم سياسة الاحتلال».

وفي رد على سؤال قال المسؤول الفلسطيني «شارون لا يريد اصلاح السلطة الوطنية على رغم ما يدعيه، فهو قد حاول على الدوام أن يقضي عليها نهائياً». ورأى ان العملية الانتحارية الاخيرة في تل ابيب جاءت نتيجة للاغتيالات التي يقوم بها الاسرائيليون بهدف إذكاء نار العنف الذي يسعون الى استغلاله لتحقيق غايات سياسية. ومن جهته، قال صائب عريقات وزير الحكم المحلي الفلسطيني «نريد من مؤتمر لندن ان يخرج بصوت مرتفع ويقول لشارون: كفى للاحتلال، كفى للاستيطان، كفى لهدم البيوت والعقوبات الجماعية والاغتيالات والاعتقالات، كفى للدمار، كفى لتحويل المدن والقري الفلسطينية الى سجون كبيرة». واضاف «آن الاوان للمجتمع الدولي وتحديدا اللجنة الرباعية ان تخرج عن صمتها وتقول للعالم ان الحكومة الاسرائيلية هي التي تعرقل عودة الامل الى عقول الناس واعادة عملية السلام الى مسارها الطبيعي والاستمرار في برنامج الاصلاح الفلسطيني». وطالب عريقات الذي تحدث عن «ورقة فلسطينية» تشمل كل المجالات ستعرض على مؤتمر لندن، رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأن «يخرج عن صمته اليوم ويوجه رسالة حازمة تقول للعالم ان الحكومة الاسرائيلية هي التي تدمر عملية السلام وهي التي تدمر برنامج الاصلاحات الفلسطيني».

ونسب الى نبيل ابو ردينة مستشار الرئيس الفلسطيني قوله ان تصريحات شارون التي اعتبر فيها ان عرفات غير اهل للثقة، تشكل «دليلا على العزلة الدولية والافشال السياسي الحقيقي لشارون». ورأى ابو ردينة ان «المطلوب قبل الحديث عن الاصلاحات السياسية الانسحاب الاسرائيلي الفوري من المدن والقرى الفلسطينية وفقا لقرارات مجلس الامن حتى يمكن الحديث عن مناخ مناسب لتقدم عملية السلام». واضاف ان انعقاد مؤتمر لندن «في هذه الظروف» يشكل «رسالة ان المجتمع الدولي غير راض على الاجراءات الاسرائيلية والقرارات ورسالة مهمة الى اسرائيل»، داعيا اللجنة الرباعية الى «اتخاذ القرارات اللازمة وتبني خريطة الطريق تمهيدا لانسحاب اسرائيل حيث يمكن التحدث عن تقدم في عملية السلام».

وإمعاناً في الخروج بالمؤتمر عن أجندته الضيقة التي تتعلق بالاصلاحات الفلسطينية حسب الدولة المنظمة، أفادت تقارير أن القاهرة عرضت على المؤتمرين مشروعاً لوقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وذكرت صحيفة «الايام» الصادرة في رام الله أمس ان مدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان الذي يرأس وفد بلاده الى المؤتمر، سيعلن في إطار المباحثات عن اقتراح مصري «هدنة» فلسطينية ـ اسرائيلية لمدة عام. وقالت الصحيفة ان الصيغة المقترحة تشمل وقف العمليات ضد المدنيين الاسرائيليين، وقد حظيت بموافقة الرئيس ياسر عرفات وعرضت على حركة حماس التي يتوقع ان يكون ردها «ايجابيا». واوضحت الصحيفة بهذا الصدد ان اللواء سليمان التقى خلال الايام الماضية في القاهرة اسامة حمدان ممثل حماس في لبنان وعماد العلمي عضو المكتب السياسي للحركة «حيث اطلعاه على موقف الحركة من هذه الصيغة وسط توقعات بأن يكون رد الحركة ايجابيا». لكن اسماعيل هنية احد قادة الحركة في غزة اكد انه «لم يطرأ أي تطور في موقف حماس حتى اللحظة». وقال هنية «ليس هناك في الافق ما يدعو الى تغيير، وحقنا في مقاومة الاحتلال بمختلف الاشكال حق شرعي». وكان سترو قال في وقت سابق لبدء المباحثات في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) «المهم في المحادثات التي سنجريها اليوم هو انها تهدف الى تسريع العملية المؤدية الى اصلاح داخلي للسلطة الفلسطينية في الاراضي المحتلة». واكد ان «عقد هذا المؤتمر عبر الفيديو لن يكون بالطبع مرضيا بالقدر نفسه ولا يحل محل مؤتمر وجها لوجه، لكنني اعتقد انه سيبقى مفيدا جدا». واشار الى ان لندن «تمكنت من جمع» مسؤولين عرب ومن اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا) اضافة مسؤولين فلسطينيين، بينهم «ابرز الشخصيات الاصلاحية». واعتبر ان الجهود الرامية الى احلال السلام في الشرق الاوسط يجب ان تستمر لانها مهمة في حد ذاتها وليس لانها على صلة بالازمة العراقية. واضاف «حتى اذا حلت ازمة العراق غدا سنكون ملتزمين التزاما قويا بالعمل والعمل بصورة مناسبة فيما يتعلق بهذا الصراع المروع الطويل من اجل فلسطين. العمل فيما يتعلق بتحقيق العدل للفلسطينيين والعدل للاسرائيليين مهم في حد ذاته».

غير ان زياد ابو عمر عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، وجه انتقادات للمؤتمر معتبراً انه لن يتمخض عن نتائج مهمة. وقال العضو المستقل في المجلس التشريعي الذي اعتذر عن عدم حضور مباحثات لندن إن «هناك تساؤلات حول الهدف من المؤتمر في هذا الوقت بالذات قبل الانتخابات الاسرائيلية». واضاف ان «الهدف هو سد فراغ والقول ان الجهود الدولية مستمرة في معالجة الموضوع الفلسطيني ولا اتوقع ان يتمخض هذا المؤتمر عن شيء». واوضح ابو عمر «لقد اعتذرت عن عدم المشاركة في المؤتمر حتى قبل منع اسرائيل للوفد الفلسطيني من التوجه الى لندن ولاسباب عديدة منها تشكيلة الوفد الذي يفترض ان يضم ممثلين عن السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والمعارضة الفلسطينية وممثلي المجتمع المدني وبالتالي يكون لدينا وفد يمثل كافة ابناء الشعب الفلسطيني واكثر اقناعا للشارع الفلسطيني وللجهة الداعية للمؤتمر». واعتبر اختيار ممثلين عن السلطة التنفيذية وبعض شخصيات المجتمع المدني «ليس كافيا».

وكان رئيس دبلوماسية الدولة المضيفة أعرب قبيل ترؤسه جلسة الافتتاح في العاشرة من صباح امس بمقر الخارجية البريطانية بوسط لندن عن امله في «ان يكلل المؤتمر بالنجاح» بالرغم من منع اسرائيل «المؤسف» للمسؤولين الفلسطينيين من المجيء. وقال سترو «نأمل ان تكون الترتيبات التقنية مناسبة»، موضحا ان بعض المسؤولين الفلسطينيين سيشاركون من رام الله، بالضفة الغربية، واخرين، مثل وزير التخطيط والتعاون الدولي من غزة. ومن ناحية أخرى، اعلنت الاذاعة العامة الاسرائيلية ان شارون وجه رسالة الى نظيره البريطاني أكد فيها «انه لا يمكن الوثوق بياسر عرفات» لاجراء اصلاحات. وأضاف ان القرار الاسرائيلي بمنع وفد فلسطيني من المشاركة في هذا المؤتمر «لا يهدف الى المس ببريطانيا». واعتبر حسب الاذاعة العامة أنه «لا نستطيع الوثوق بياسر عرفات للقيام باصلاحات يجب اصلا الا تجري في لندن بل في الاراضي (الفلسطينية)». ووصف بلير بـ«الصديق لاسرائيل» معتبرا أن العلاقات بين بريطانيا واسرائيل «ممتازة». بيد أن الاذاعة نقلت عن مسؤول اسرائيلي قوله ان قرار بلير الدعوة الى هذا المؤتمر يهدف الى «تعويض الفلسطينيين والدول العربية عن تأجيل تطبيق خطة «خريطة الطريق» التي أعدتها اللجنة الرباعية وعن «الدعم البريطاني لشن هجوم اميركي ضد العراق».

وحضر جلسة الافتتاح التي استغرقت قرابة ساعتين مفوض فلسطين في لندن عفيف صافية الى جانب وفود يرأسها وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط وشاهر باك نائب وزير الخارجية الاردني، والدكتور نزار مدني نائب وزير الخارجية السعودي، واللواء عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية، وأندريه فيدوفين المبعوث الروسي الخاص الى الشرق الاوسط، وخافيير سولانا مسؤول الخارجية في الاتحاد الاوروبي. أما الوفد البريطاني الذي قاده سترو فضم اللورد ليفي مبعوث رئيس الوزراء للسلام في الشرق الاوسط ووزير الدولة المكلف ملف الشرق الاوسط مايكل أوبرايان وآخرين.

ومع انتهاء جولة المباحثات الاولى، تواصل حضور المؤتمر اللندني عبر أجهزة الاتصالات المرئية مع الوفد الفلسطيني الذي اشتمل على وزراء الاعلام ياسر عبد ربه، والسياحة نبيل قسيس، والمالية سلام فياض إضافة الى شعث وراوية الشوا عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وعبد الرحمن أبو عرفة مدير ملتقى الفكر العربي ومحمد مسروجي رئيس جمعية رجال الاعمال الفلسطينيين. كما شارك عن طريق الهاتف وزير الخارجية اليوناني جورج بابندريو، الذي تراس بلاده الاتحاد الاوروبي في دورته الحالية، في المناقشات التي تواصلت حتى الثالثة الى الربع من بعد ظهر أمس. وقد استقبل رئيس الوزراء توني بلير أعضاء الوفود في مقره الرسمي بداوننغ ستريت حيث عقد اجتماعاً معهم استغرق قرابة 45 دقيقة.

ويُشار الى ان الزعيم البريطاني بذل جهوداً شخصية لإنجاح المؤتمر الذي دعا اليه في السادس عشر من ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ولاحظ مراقبون ان فكرة المؤتمر المعني بمناقشة الاصلاحات، قد خطرت للزعيم الفلسطيني في أعقاب رفض واشنطن تأييد تعهد أخذه على عاتقه لإجراء مباحثات فلسطينية ـ إسرائيلية حول صيغة الحل النهائي قبل نهاية العام الماضي. ورأى معلقون ان ثمة علاقة مباشرة بين مساعي بلير الدائبة الى الظهور بمظهر المحاول لحل النزاع العربي ـ الإسرائيلي وبين الحرب المرتقبة ضد العراق التي يؤيدها الزعيم البريطاني. إلا ان لندن اوضحت ان رئيس الوزراء لم يكن يتوقع بدء حملة الانتخابات الاسرائيلية في هذا الوقت حين اطلق تعهده في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي. واضافت إن بلير جهد لإجراء المؤتمر انطلاقاً من قناعته بان «إصلاح الادارة الفلسطينية خطوة لا بد منها على طريق حل النزاع»، وحين برزت الصعوبات «اللوجستية» آثر عقده بهذا الشكل المصغر بدلاً من تأجيله.