المحافظون الإيرانيون يستعجلون إنهاء عهد خاتمي ومحو آثاره الإصلاحية

TT

على الرغم من ان القاضي سعيد مرتضوي سبق له ان اصدر قرارات بتوقيف نحو 100 صحيفة ومجلة اصلاحية في ايران خلال السنوات الخمس الاخيرة، الا ان حكمه الاخير باغلاق صحيفتي «حياة نو» و«بهار» اعتبر تطورا بارزا في النزاع الناشب منذ انتخاب محمد خاتمي في مايو (ايار) 1997، اذ ان القرار استهدف رئيس الجمهورية ومجمع رجال الدين المناضلين الذي ينتمي اليه خاتمي ورئيس البرلمان مهدي كروبي، ومدير صحيفة «حياة نو» هادي خامنئي شقيق المرشد الاعلى علي خامنئي.

وبهذا القرار، اكد المحافظون انهم مصممون على اسقاط خاتمي والقضاء على مشروعه لاصلاح النظام وتعزيز اسس الديمقراطية، وفي طريق الوصول الى المراكز التي خسروها للاصلاحيين عبر الآلية الانتخابية التي لا تزال تعمل لصالح الاصلاحيين، لم يعد المحافظون يعترفون بأي حاجز، دينيا كان ام سياسيا، على حد قول احد مسؤولي حزب جبهة المشاركة.

وفي تطور خطير عشية صدور قرار ادانة ضد احد مهندسي الاصلاحات وهو عباس عبدي عضو المجلس السياسي لحزب جبهة المشاركة والمستشار غير الرسمي لمحمد خاتمي، وعدد من رفاقه وزملائه بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وبيع اسرار الدولة الى القوى المناهضة للنظام، اصدر القاضي سعيد مرتضوي القريب من رئيس استخبارات السلطة القضائية الياس محمودي المعروف بعدائه الشديد لخاتمي والاصلاحيين، قرارا بتوقيف صحيفة «بهار» يوم الخميس الماضي بذريعة تآمرها على النظام ومواصلة النهج الذي سبب توقيفها المؤقت في العام الماضي. و«بهار» لم تكن صحيفة اصلاحية عادية بل كانت لسان حال خاتمي ومنبره الاعلامي الوحيد الذي يعد مديرها بور عزيزي من اقرب مستشاري الرئيس ومن اكثرهم ارتباطا بأسرة خاتمي. والى جانب كونه مديرا عاما لدائرة الاطلاعات والاخبار برئاسة الجمهورية، يقضي بور عزيزي اوقات عمله بشكل كامل الى جانب خاتمي. وقرار اصدار صحيفة تعكس وجهات نظر خاتمي وحاشيته قد اتخذ في العام الماضي عقب توقيف صحيفة «مشاركت» لسان حال حزب المشاركة، من قبل خاتمي نفسه، علما ان صحفا اصلاحية اخرى ذات صلة برئيس الجمهورية مثل «صبح امروز» و«عصر آزاديغان» و«فتح» و«بنيان» سبق توقيفها من قبل القاضي مرتضوي الذي اصدر قرارا بتوقيف صحيفة «بهار» بعد بضعة اشهر من صدورها. واثار القرار احتجاجا رسميا من قبل خاتمي ما تسبب في ان يراجع مرتضوي قراره ويستبدله بقرار توقيف الصحيفة لمدة ستة اشهر وحرمان مديرها من تولي ادارة الصحيفة. وفور انتهاء مهلة العقوبة، عادت صحيفة «بهار» في شكل جديد الى اكشاك بيع الصحف، وتسلم محمد رضا خاتمي شقيق رئيس الجمهورية ونائب رئيس البرلمان ادارتها من بور عزيزي. وقرار توقيف الصحيفة من جديد وبعد صدورها لمدة اسبوعين، كان مثيرا للغاية خاصة انه تزامن مع ضجة مفتعلة اثارتها جمعية المؤتلفة الاسلامية اليمينية ورابطة مدرسي الحوزة الدينية بقم واجهزة استخبارات الحرس والسلطة القضائية، ضد صحيفة اصلاحية اخرى هي «حياة نو» التي يصدرها حجة الاسلام هادي خامنئي، شقيق مرشد النظام بسبب نشرها صورة كاريكاتيرية مأخوذة عن صحيفة اميركية في عهد روزفلت حول ابعاد النزاع الدائر آنذاك بين الرئيس الاميركي الاسبق والمدعي العام تشارلز هيوز.

ورغم ان هادي خامنئي، فضلا عن مسؤولي التحرير في الصحيفة، اصدروا بيانا لايضاح اسباب نشر الكاريكاتير المذكور في مقال حول تسييس القضاء من قبل المحافظين، غير ان حبيب الله عسكر اولادي الذي تدل تحركاته ضد خاتمي منذ انتخابه في مايو (ايار) 1997، على انه لن يقبل بأقل من رأس الاصلاحات، اكتشف شبها مثيرا بين صورة تشارلز هيوز، المدعي العام الاميركي في عهد روزفلت والامام الخميني. وسرعان ما استغل حلفاء عسكر اولادي في اجهزة الولي الفقية والحوزة الدينية، تفسيره لنية مسؤولي الصحيفة الاساءة الى الخميني والثورة والنظام. والى جانب اغلاق بازار مدينة قم وانطلاق مسيرة ضخمة في المدينة طالب خلالها المتظاهرون بمعاقبة هادي خامنئي وزملائه وانزال اقصى العقوبات ـ الاعدام ـ بحقهم، فان انصار حزب الله هاجموا مبنى صحيفة «حياة نو»، بعد تلقيهم الضوء من المحافظين.

وكشف موقع «امروز» على شبكة الانترنت، والذي انشأه سعيد حجاريان مستشار خاتمي ومنظر مشروع الاصلاحات، عقب تعطيل صحيفتيه «صبح امروز» و«بنيان»، عن استغلال المحافظين الجو المتشنج في قم، لتوقيف صحيفة «بهار» في وقت متزامن مع صحيفة «حياة نو». بعبارة اخرى فان القاضي مرتضوي ضرب عصفورين بحجر واحد. وما يجدر ذكره ان هادي خامنئي نائب طهران في البرلمان ومدير صحيفة «حياة نو» يعتبر من اكثر رجال الدين حماسة للاصلاحات، ومواقفه الجريئة ضد المحافظين ودعمه المستمر لخاتمي وكونه شقيقا لمرشد النظام، جعلته هدفا صعبا بحيث فشلت لحد الآن محاولات المحافظين المستمرة لتشويه سمعته. غير ان الامر مختلف هذه المرة بحيث لا يستطيع المرشد التدخل لانقاذ شقيقه الاصلاحي، برفع علم الدفاع عن الخميني ومقدسات الثورة في وجهه من قبل المحافظين.

وقبل حوالي اسبوع، وبعد ان تبين ان مصير عباس عبدي ورفاقه بيد خاتمي، نشر موقع «رويداد» لسان حال حزب جبهة المشاركة على شبكة الانترنت، مقالا حول المراحل المتبقية لسيناريو «حذف خاتمي» الذي اعدته لجنة سرية تضم عددا من اركان الجبهة المناهضة للاصلاحات ومسؤولي القضاء واستخبارات الحرس والاذاعة والتلفزيون الى جانب رؤساء تحرير «كيهان» و«رسالت» و«سياست روز»، ووفقا لتوقعات موقع «رويداد» فان الخطوة المقبلة للمحافظين هي حل حزب جبهة المشاركة ومنظمة مجاهدي الثورة الاسلامية واعتقال ما بين 30 و50 ناشطا من النواب والكتاب ومستشاري خاتمي بتهمة الضلوع في مخطط لقلب نظام الحكم عبر السبل القانونية. وكان حسين شريعة مداري مدير صحيفة «كيهان» قد اكد في احد مقالاته مؤخرا بان مصير حزب جبهة المشاركة والشخصيات القريبة من خاتمي سيتحدد قريبا.

ويقول مصدر قريب من الرئاسة، انه زمن صعب، لمفكر مثل خاتمي الذي كان يعتقد بان بسط الديمقراطية ونشر حكم القانون في البلاد ممكن في اطار الدستور الحالي.

فبعد خمس سنوات من النزاع المستمر ومواجهة ازمة كل بضعة ايام، بات مقتنعا بان الاصلاحات الحقيقية هي حلم لن يتحقق في عهده، فلهذا فانه يرغب اكثر من اي وقت مضى، في الخروج من الحكم غير ان تكاليف خروجه تبدو باهظة ايضا، بعد ان هدده بعض اقطاب الجبهة المناهضة للاصلاحات بان التاريخ سيذكره تحت عنوان «بني صدر الثاني وليس خاتمي الاول».