49 ساعة طيران لوزير خارجية المغرب في جولة أميركو ـ لاتينية هدفها تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية مع دول المنطقة وتواصل الاتحاد المغاربي مع مجموعاتها

TT

ما بين 2 و12 يناير (كانون الثاني) الجاري قضى محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب 49 ساعة طيران في سياق جولة قادته الى اميركا الاتينية، هي الرابعة من نوعها منذ توليه وزارة الخارجية والتعاون المغربية في 8 ابريل (نيسان) .1999 وشملت الجولة اربعاً من اهم دول المنطقة هي الارجنتين وتشيلي وبيرو وكولومبيا.

وتأتي هذه الجولة في سياق توجه العاهل المغربي الملك محمد السادس لتوطيد الجسور مع دول اميركا اللاتينية، وهو توجه ناتج عن قناعته مثل والده الملك الراحل الحسن الثاني بضرورة اعطاء ديناميكية جديدة للتعاون الافقي بين دول جنوب ـ جنوب. وقد تجلى ذلك منذ اعتلائه حكم المغرب صيف عام 1999، من خلال قيامه بجولات قادته الى الهند والصين وتايلاند وعدد من البلدان العربية والافريقية.

لقد انطلقت رحلة جنوب ـ جنوب التي قام بها بن عيسى من الدار البيضاء متوجها الى تونس (ساعتان) ومنها الى الجزائر (ساعة واحدة) لحضور اجتماع وزراء خارجية اتحاد دول المغرب العربي، ثم توجه الى باريس (3 ساعات) ومنها الى العاصمة الارجنتينية بوينس ايريس (13 ساعة) ثم انطلق الى العاصمة التشيلية سانتياغو (ساعتان)، ومنها الى العاصمة البيروفية ليما (3ساعات ونصف الساعة) ليعود من جديد الى سانتياغو ليكمل جولة ثانية من المباحثات مع المسؤولين التشيليين (3ساعات ونصف الساعة)، ومنها الى العاصمة الكولومبية بوغوتا، آخر محطة في جولته (6 ساعات)، والتي غادرها الى لندن (12ساعة) ومنها الى الدار البيضاء (3 ساعات). ومن الجزائر الى بوغوتا ناقش وزير خارجية المغرب القضايا الدولية والاقليمية مثل قضية الشرق الاوسط والصحراء والوضع في العراق وافريقيا، والتطورات التي يعرفها عدد من دول اميركا اللاتينية، اضافة الى القضايا الاقتصادية.

وقال بن عيسى لـ«الشرق الأوسط» إن بلاده تعمل على ايجاد سبل اقامة تعاون بين المجموعات في اميركا اللاتينية مثل «ميركوسور» و«انديناس» و«ريو» مع اتحاد دول المغرب العربي. خاصة ان هذه المجموعات الاميركو ـ لاتينية لها علاقات مع الاتحاد الاوروبي. في حين ترتبط 3 دول الاتحاد المغاربي بعلاقة شراكة مع الاتحاد الاوروبي. لقد عرفت العلاقات المغربية ـ الاميركو ـ لاتينية زخما كبيرا في عهد الملك محمد السادس، اذ حرص دائما على ايفاد من يمثله في مناسبات تنصيب رؤساء العديد من دول المنطقة مثل حفلي تنصيب الرئيس المكسيكي بيسنت فوكس، ورئيس الارجنتين السابق دي لا روا، اللذين حضرهما الوزير بن عيسى. وحفل تنصيب رئيس نيكارغوا، الذي حضره عمرعزيمان وزير العدل السابق، وحفلي تنصيب رئيسي البيرو (اليخاندرو طوليدو )، وبوليفايا (غونزالوا سانشيزدا لوزادا)، اللذين حضرهما مصطفى المنصوري وزير التشغيل الحالي ايام كان وزيرا للتجارة والصناعة والطاقة. كما حضر الطيب الفاسي الفهري الوزير المنتدب لدى وزارة الخارجية والتعاون أخيرا حفل تنصيب الرئيس البرازيلي الجديد لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، بينما توجه عمر عزيمان رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان اول من أمس الى الاكوادور لحضور احتفالات تنصيب الرئيس الاكوادوري الجديد لوتشيوغوتيريز بوربووا.

يذكر ان اليوسفي كان اول رئيس وزراء مغربي وعربي يقوم بجولة الى اميركا اللاتينية وذلك في ربيع عام 2000، وزار كولومبيا بدعوة رسمية، كما زار تشيلي لتمثيل الملك محمد السادس في حفلات تنصيب الرئيس الاشتراكي كارلوس لاغوس، بينما زار الارجنتين زيارة عمل. وفي سياق ذلك، حرص المغرب على افتتاح سفارات في عدد من دول المنطقة مثل المكسيك وفنزويلا والارجنتين وتشيلي والبرازيل والبيرو وكولومبيا وبوليفيا. كما حرص الملك محمد السادس على ان يكون سفراء بلاده هناك ذوي ثقافة اسبانوفونية. وكان من تداعيات توثيق العلاقات المغربية ـ الاميركو ـ لاتينية أن سحبت عدة دول اعترافها بـ«الجمهورية الصحراوية» التي اعلنتها جبهة البوليساريو، مثل هندوراس، غواتيمالا، السلفادور، كوستاريكا، كولومبيا، براغواي، بيرو، الدومينك (التي زار رئيسها المغرب العام الماضي)، ونيكارغوا (رئيسها الحالي زار المغرب عندما كان نائبا للرئيس). كما ان تشيلي التي كانت على مشارف الاعتراف بـ«الجمهورية الصحراوية» اوقفت توجهها نحو الاعتراف. بينما جمدت الاكوادور نوعا ما علاقاتها مع البوليساريو. يذكر أن دول المنطقة التي ما زالت تعترف بـ«الجمهورية الصحراوية» هي كوبا، بنما، فنزويلا، المكسيك، بوليفيا اضافة الى دويلات الكاريبي مثل جاميكا، ترينيداد، توباغو، باربادوس. وعلمت «الشرق الأوسط» أن المكسيك خفضت تمثيلية «الجمهورية الصحراوية» من درجة سفير الى قائم بأعمال. بينما جمدت الاكوادور نوعا ما علاقاتها مع جبهة البوليساريو. ويلاحظ المراقبون أن علاقات المغرب مع دول أميركا اللاتينية اخذت حجما استراتيجيا، خاصة في الجوانب الاقتصادية. فقبل ايام انعقدت الدورة الرابعة للجنة الارجنتينية ـ المغربية المشتركة، حيث رافق الوزير بن عيسى 10 ممثلين لاهم القطاعات الاقتصادية والمالية في المغرب مثل (مكتب الشريف للفوسفات، وزارة التجارة الخارجية، اتحاد المقاولات المغربية). كما توصل المغرب الى ابرام اتفاقية مع البيرو لا سيما في مجال تنسيق سياسة تسويق الاسماك.

وفي اطار التعاون الثنائي مع تلك الدول بدأت وزارة الخارجية المغربية بارسال الدبلوماسيين المغاربة لمتابعة الدراسات العليا في الاكاديميات الدبلوماسية الكولومبية والتشيلية. وتوصلت الى اتفاقات تقضي بتبادل المنح الدراسية بين البلدين لايفاد طلبة مغاربة للدراسة في جامعات الارجنتين وتشيلي. واستقبال طلبة من تلك الدول للدراسة في المغرب. ويسعى المغرب الى اقامة منطقة تبادل حر مع الارجنتين وتشيلي وبيرو وكولومبيا. ومن هنا يبرز ان علاقات المغرب مع اميركا الاتينية لا يرشدها فقط هاجس قضية الصحراء بل ايضا توظيف الدبلوماسية الاقتصادية لغرض دعم التعاون الاقتصادي لهذه العلاقات في بعدها الاطلسي. فالمغرب يتميز بكونه اول دولة افريقية تدخل في شراكة اقتصادية مع الولايات المتحدة، وذلك بخلق منطقة للتبادل الحر. هذا مع العلم ان تشيلي انهت في الاونة الاخيرة تفاوضها مع اميركا لخلق منطقة تبادل حر، وهي نفس الاتفاقية التي تعتزم واشنطن ابرامها هذا العام مع كولومبيا والارجنتين والبرازيل.

وثمة نقطة اساسية يجب التوقف عندها، وتكمن في التصريحات التي ادلى بها جميع المسؤولين الذين التقاهم بن عيسى في جولته الاخيرة، والتي اشادت بانجازات العاهل المغربي في مجال تدعيم المسيرة الديمقراطية، وترسيخ حقوق الانسان ودولة الحق والقانون، والاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المغرب في السنوات الاخيرة، مما يؤهل المغرب للعب دور ما اسماه بن عيسى بـ«رأس الجسر» في التواصل بين دول المغرب العربي ودول اميركا اللاتينية.