الخطة الأميركية للفترة الانتقالية بعد صدام: حكومة عسكرية مؤقتة بقيادة الجنرال ماكيرنان ودور استشاري لقيادات المعارضة العراقية

TT

تقضي الخطة التي تعدها ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش بخصوص مستقبل السلطة في العراق بعد الاطاحة بنظام الرئيس صدام حسين، بأن يحكم القادة العسكريون الاميركيون العراق لعدة أشهر، في اطار دور موسع ومطول لادارة عملية اعادة بناء البلاد، فيما يلعب قياديو المعارضة دورا استشاريا لا يتزايد الا مع تزايد دور المؤسسات المدنية التي سيجري تشكيلها في وقت لاحق.

وطبقا لما ذكره مسؤولون اميركيون، تدعو الخطة التي شارفت الادارة الاميركية على الانتهاء منها، الى تشكيل ادارة مدنية خلال شهور من تغيير النظام. الا انهم اوضحوا انه حتى في ظل افضل الظروف، فمن المرجح ان القوات الاميركية ستظل بكاملها في العراق لعدة شهور بعد انتهاء الحرب، مع استمرار دور آلاف منها لعدة سنوات.

وتقضي الخطة بأن يلعب العراقيون دورا استشاريا فور انتهاء الحرب، على ان يكون له دور اكبر تدريجيا، ولكنهم لن يتمكنوا من الفوز بسيطرة كاملة على بلادهم لعدة سنوات او اكثر، طبقا للتفكير الاميركي الحالي.

ويتمثل الدور الاساسي للقوات الاميركية بحماية حقول النفط ومنع الجماعات العراقية المتنافسة من تصفية الحسابات في ما بينها، ومنعها من إحكام السيطرة على مناطق خاصة بها. واوضح المسؤولون انه في المرحلة المبدئية عقب انتهاء الحرب، فإن القوات الاميركية وشريكاتها ستركز على الحفاظ على الاستقرار والبحث عن الاسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية.

واشار مسؤول كبير في وزارة الدفاع الى انه من المتوقع ان يصبح الليفتنانت جنرال ديفيد ماكيرنان الذي سيتولى قيادة قوة برية تدخل العراق، القائد العسكري الاعلى للقوات الاميركية.

واوضح مسؤولون ان برنامج العمل التي يجري اعداده منذ عدة اشهر، لم يقدم الى الرئيس بوش بعد. ولكنهم اشاروا الى وجود الكثير من الامور غير المعروفة، بعد ويمكن تغيير العديد من الاوضاع طبقا لكيفية انتهاء نظام صدام حسين. ولكن الخطة الاصلية تكشف عن ان الادارة تستعد لما يمكن ان يكون التزاما طويل المدى للقوة البشرية والمال وغيرها من الموارد لحكم واعادة بناء العراق، والتي ينظر اليها بوصفها دولة مقسمة وتضم 24 مليون نسمة في واحدة من اكثر مناطق العالم اضطرابا.

وتنوى الادارة الاميركية المطالبة بمحاكمة كبار القادة العسكريين والمدنيين في العراق بتهمة ارتكاب جرائم حرب او غيرها من التهم. اما القرارات المتعلقة بتقرير مصير صغار المسؤولين فسيتولاها العراقيون في ما بعد، وربما تقدم حوافز لهم اذا قدموا دلائل على ممارسة سلوك جيد. ويتوقع المسؤولون الاميركيون استمرار معظم البيروقراطية العراقية القائمة في ادارة المهام الحكومية اليومية مثل الشؤون الصحية والمرافق المدنية الأخرى.

وبالرغم من مضي شهور على المفاوضات مع المعارضة العراقية في اوروبا والولايات المتحدة والشرق الاوسط، فإن ادارة بوش لا تنوي تشكيل حكومة من شخصيات المعارضة. وسيمنح اعضاء المعارضة الفرصة لاثبات جدارتهم في تشكيل قيادة عراقية محتملة في المستقبل.

وتجدر الاشارة الى ان حجم عمليات اعادة البناء، طبقا لبرنامج العمل، يثير القلق في وزارة الدفاع، التي لا ترغب في تولي مسؤولية الحكم في العراق مثلما فعلت المؤسسة العسكرية في اليابان وبعض اجزاء المانيا في عام .1945 ومما يزيد مشاعر القلق المخاوف الواسعة النطاق في الشرق الاوسط من خضوع بلد عربي لهيمنة اميركية مباشرة.

واوضح مسؤول اميركي من خارج البنتاغون «كلما اقترب ذلك، فإن فداحة المخاطر الناجمة عن احتمال قيام الولايات المتحدة بادارة بلد عربي تزداد عمقا». وقال ان الادارة تريد «التأكد من ألا نوصف بأننا دولة استعمارية جديدة». ويشعر المسؤولون الاميركيون، من ناحية اخرى، بالقلق من نقل ادارة العراق الى الأمم المتحدة، التي لم تتول من قبل مثل هذه المسؤولية الضخمة. ومن بين القضايا المطروحة للنقاش امكانية اختيار شخصية (أميركية) من خارج المؤسسة العسكرية للعب دور يتركز على قضايا اعادة البناء الاقتصادي والسياسي. وهذا الشخص، طبقا لما ذكره بعض المسؤولين، يجب ان يكون من خارج الادارة ويحظى باحترام دولي.

وعندما تهدأ الامور بدرجة كافية، فسيتم دعوة وكالات الاغاثة الدولية للعراق للمساعدة في التعامل مع موضوع اللاجئين ونقص المواد الغذائية. وفي اطار ما تعتبره الادارة «المرحلة الثانية» في برنامج عمل ما بعد الحرب، فستحاول الولايات المتحدة ايضا، في اقرب وقت ممكن، نقل اكبر قدر من السلطة الى ادارة مدنية دولية، لا يزال تشكيلها والتسلسل القيادي فيها غير مقرر حتى الآن.

ويبذل المخططون جهدا كبيرا لضمان توازن المصالح بين جميع الأطراف المعنية بمستقبل العراق. ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان تقديم أداء (أميركي) مسيطر في الاسابيع الاولى امر ضروري لمنع المتاعب ولابراز المنافع الناجمة من التخلص من صدام حسين. ويأمل البعض ايضا في ان ادماج المدنيين، على نحو مبكر، في اطار سلطة دولية، سيضعف الشعور بأن القوات العسكرية (الأميركية) قوة احتلال.

وكان وزير الخارجية الاميركي كولن باول قد قال في مقابلة «نريد تدويل الامر الى اقصى درجة ممكنة لوجود الكثير من الاعمال التي يجب تنفيذها. نريد من كل شخص يمكنه المساهمة المشاركة». واضاف انه من المرجح ان تلعب الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي دورا في مرحلة انتهاء الصراع، «حتى اذا تمت العمليات العسكرية خارج نطاق سلطات الامم المتحدة، فأعتقد انها تريد القيام بدور».

وذكر المسؤولون في الادارة ان القرارات النهائية في مرحلة ما بعد صدام ستعتمد على كيفية ومتي سيسقط الزعيم العراقي، وما اذا كان سيظهر زعيم يتمتع بالثقة في مكانه، على سبيل المثال، قبل ان تبدأ القوات الاميركية بالظهور.

واكد عدد من كبار المسؤولين في الادارة ان الرئيس بوش لم يتخذ قرارات نهائية بخصوص حكومة العراق المستقبلية، لان نتائج المواجهة الحالية لا تزال غامضة.

وعلى سبيل المثال، فبالرغم من ان الادارة اعلنت نيتها تقديم صدام حسين الى المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم الحرب، فقد ذكر باول انه من المرجح ان يسمح للرئيس العراقي بمغادرة البلاد مع أبنائه وأفراد اسرته اذا ادى ذلك الى تجنب الحرب. وتساءل باول «هل سيلاحقه النظام القضائي الدولي؟ لست مستعدا لتقديم اجابة عن هذا السؤال الآن».

واذا ادت المواجهة الراهنة الى حرب، فإن الادارة الاميركية ستتحمل مسؤولية كبيرة بالنسبة للشعب العراقي والاحداث المتعاقبة.

ويبدي المخططون الاميركيون اهتماما كبيرا بالحفاظ على شبكة الامم المتحدة الضخمة لتوزيع المواد الغذائية والطبية طبقا لبرنامج الامم المتحدة النفط مقابل الغذاء. وكانت الامم المتحدة قد ذكرت ان البرنامج الذي يصل الى 60% من افراد الشعب العراقي سيتعرض لمشاكل اذا اندلعت الحرب. ويبدو ان الادارة بدأت في شحن كميات اضافية من المواد الغذائية والامدادات الانسانية للمنطقة في حالة الحرب.

ويتوقع المسؤولون العسكريون التعامل مع عمليات الاغاثة الانسانية لعدة اشهر، وسيعملون على تهيئة الطرق واصلاح الجسور واعادة امدادات الماء والكهرباء. وفي محاولة للتوصل الى نتائج سريعة، فإن العمل سيبدأ في بعض المناطق في البلاد حتى قبل سيطرة الولايات المتحدة على مناطق اخرى، طبقا لما ذكره مسؤول في البنتاغون.

ومن اجل منع تقسيم العراق ـ او لمنع محاولة اخيرة من جانب قوات صدام حسين لاستعادة السيطرة على السلطة ـ فمن المتوقع ان تحافظ القيادات الاميركية على وجود قوات في كل من المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية في الشمال وتلك الخاضعة للسيطرة الشيعية في الجنوب. وقد اعربت تركيا عن مخاوف من احتمال قيام تحرك كردي لخلق دولة مستقلة على الحدود التركية، بينما يشعر الاكراد بالقلق من ان تركيا ستسغل فراغ السلطة وتستولي على المنطقة.

واكد المسؤولون الاميركيون للسلطات التركية ان القوات الاميركية تنوي تأمين مدينتي الموصل وكركوك في شمال العراق في حالة الحرب. واوضح مسؤول كبير في الادارة «اننا نشعر بالتفاؤل في امكانية تجنب المتاعب. لقد تحدثنا مطولا مع الاتراك والاكراد، والجميع على معرفة بالخط الاحمر للطرف الآخر». ومن بين الادور الرئيسية للقوات الاميركية الحفاظ على حدود العراق من اي ادعاءات مفاجأة من الدول المجاورة والدفاع عن حقول النفط في البلاد.

وتجدر الاشارة الى ان المناقشات بدأت بخصوص من سيدير حقول النفط خلال المرحلة الاولى بعد انتهاء الحرب، ومن سيمثل العراق في اجتماعات منظمة الدول المصدرة للنفط. إلا ان هذه المناقشات لم تصل الى نتيجة حتى الآن.

وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية ان الادارة ملتزمة بـ«بمنهج تساوي الفرص» لتطوير العراق وصناعة النفط فيها.

وكما ترى الادارة الامر، فإن دور العراقيين في حكم بلادهم سيزداد بمرور الوقت ومع زيادة قوة المؤسسات. ومن المتوقع ان تزداد اهمية لجنة استشارية يجري تشكيلها من العراقيين داخل العراق وخارجه، وربما تؤدي الى ظهور مجلس يعمل على صياغة دستور والاعداد لانتخابات محلية وقومية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»