السلطات الكويتية تتعقب مرتكبي الاعتداء على المدنيين الأميركيين وتحقق مع «متهمين رئيسيين»

حملة اعتقالات واسعة تشمل عائدين من أفغانستان وأقارب لمحتجزين في غوانتانامو * أوساط برلمانية تتحدث عن «اختراق عراقي» وراء الحادث

TT

واصلت السلطات الأمنية الكويتية امس حملة تعقب ضخمة بحثا عن مرتكبي الاعتداء على المدنيين الاميركيين، وأكد مصدر أمني موثوق لـ«الشرق الأوسط» امس أن السلطات المختصة باتت على وشك الوصول الى الجناة وتمكنت من اعتقال «متهمين رئيسيين»، وذلك بعد حملة اعتقالات واسعة شملت عائدين من أفغانستان واقارب لمحتجزين كويتيين في معتقل غوانتانامو.

وكان مجهولون قد أطلقوا النار اول من امس على مدنيين أميركيين على الطريق السريع القريب من قاعدة الدوحة العسكرية مما أودى بحياة أحدهما وإصابة الآخر أصابات بالغة.

وكشفت السلطات الامنية في وقت لاحق امس انها بدأت التحقيق مع شخصين وصفا بانهما «مشتبه فيهما رئيسيان» في الاعتداء. وقال مصدر امني طلب عدم الكشف عن اسمه انه تم اعتقال هذين المتهمين بناء على «بعض الأدلة المهمة»، مؤكدا تحقيق تقدم ملموس في التحقيقات.

وقال المصدر ان التحقيق جار مع شخصين هما «ابن كويتي قتل في افغانستان ورجل دين معروف»، بالاضافة الى ثلاثة شهود. وقال انه «تم استدعاء عدد كبير من الكويتيين الذين عادوا العام المنصرم من افغانستان او ممن عرفوا بالتشدد والمواقف العدائية المناهضة للقوات الاميركية للتحقيق معهم في القضية سواء من حيث احتمالات تورطهم او امتلاكهم معلومات تقود للكشف عن الجناة».

وقال المصدر ان أقوال الجريح الأميركي الذي يرقد حاليا في مستشفى الرازي المخصص لعلاج العظام واقوال الشهود «ساعدت كثيرا في الوصول الى خيوط هامة قد تقود الى التوصل للجناة في أقرب وقت»، مشيرا الى «أن (دائرة) الأدلة الجنائية على وشك الانتهاء من إعداد التقرير الخاص بالحادث الذي سيفيد كثيرا في تحديد هويتهم».

ورفض المصدر تحديد ما إذا كانت السلطات الكويتية أم الأميركية هي التي استمعت الى أقوال الجريح الأميركي، لكنه شدد على «أن عملية الاعتداء نفذت بدقة وبراعة».

وأكدت مصادر طبية في المستشفى لـ«الشرق الأوسط» أن محققين من الجانبين استمعوا كل على حدة الى شهادة الجريح صباح امس.

ووصفت المصادر حالة المصاب بأنها «مستقرة لكنه مازال تحت الملاحظة»، مشيرة الى أنه «محظوظ جدا لأن الرصاص الذي أصاب صدره كان سطحيا ولم ينفذ الى داخله والا لكان قد تعرض للموت». واشارت الى ان الاطباء الذين يشرفون على العلاج يعتقدون انه تعرض لـ7 رصاصات لم يبق منها الا 3 بعد إزالة 4 اول من امس، حيث اصابت اثنتان منها صدره وخرجتا لتصيبا يده اليمنى بكسر مضاعف، اما الثالثة فقد اصابت فخده الايمن، الى جانب تعرضه لكسر اخر في احدى ركبتيه.

الى ذلك، أكدت مصادر امنية ان الجهات المختصة اعتقلت اكثر من 60 شخصا في اطار التحقيقات، بينهم عدد من الذين سبق ان اعتقلوا اثر عملية فيلكا، وعدد من الشبان العائدين من أفغانستان، أو من الذين لهم أقرباء من الكويتيين المحتجزين في معتقل غوانتانامو، الا ان الشبهة الرئيسية تتركز حول شخصين حددت اوصافهما طبقا لافادات الشهود واثار البصمات التي رفعت من موقع الجريمة. وتقول المصادر ان هذين الشخصين يعتبران من الناشطين في الجماعات المرتبطة بفكر «القاعدة» و«الأفغان العرب»، وإن احدهما مراهق في السابعة عشرة من عمره.

وعلم ان النيابة العامة اصدرت اكثر من 20 اذنا بالتفتيش والمداهمة للقبض على عدد من المشبوهين. وتردد ان عدد المعتقلين في ازدياد مستمر، وان احتمال القبض على الجناة او تأكيد القبض عليهم اصبح واردا في اي لحظة.

وحسب هذه المصادر فان الطريقة التي نفذت بها العملية، تعتبر نسخة طبق الاصل من العمليات التي وقعت سابقا في فيلكا و«الدائري السابع» لجهة استخدام الكلاشنيكوف واسلوب رصد الهدف ومتابعته، وواضح ان منفذ العملية كان ينتظر اول اميركي يخرج من معسكر الدوحة ليطلق النار عليه ولم يكن يقصد شخصا محددا.

وتقول المصادر نفسها ان الشخصين اللذين تعرضا للهجوم كانا ينتقلان من معسكر الى آخر لاصلاح اجهزة الكومبيوتر، وأحدهما متخصص في تطوير البرامج التكنولوجية.

وكانت وزارة الداخلية قد اعلنت حجزا كليا في صفوفها في اعقاب العملية. وقالت «ان الهدف من ذلك زيادة الحرص والحزم في التعامل مع الاحداث».

وسادت حالة من الذعر والقلق في اوساط الجالية الاميركية في الكويت بعد الحادث، وفرضت السلطات المختصة تعزيزات امنية مشددة على المنشآت الحيوية واماكن اقامة الرعايا الغربيين.

ورفض الجيش الأميركي إعطاء أية معلومات حول الحادث رغم ان المسؤولين شددوا في بيان صدر عنهم بعد ساعات على الحادث على أنهم سيشاركون في التحريات الخاصة بالقبض على منفذي العملية التي وصفها سفير بلادهم لدى الكويت ريتشارد جونز بأنها «عملية ارهابية مباشرة».

وتعتبر هذه الحادثة الأولى من نوعها الموجهة ضد مدنيين أميركيين الا أنها تعتبر الثالثة منذ بدأت القوات الأميركية بالوصول الى الكويت في شهر سبتمبر (ايلول) الماضي حيث قتل جندي أميركي وجرح آخر في عملية إطلاق نار نفذها مواطنان كويتيان في جزيرة فيلكا أثناء التدريبات المشتركة بين الجيشين الكويتي والأميركي.

وكان النائب خلف دميثير قد طالب الحكومة بتطبيق الاحكام العرفية «لردع كل من تسول له نفسه العبث بأمن الكويت». وقال انه سيقدم اقتراحا بهذا الصدد لمجلس الامة في اول جلسة يعقدها، مشيرا الى «اننا في حالة حرب وهناك عملاء داخل بلدنا يخلقون الفتن في مجتمعنا ويجب اتخاذ الحيطة والحذر لأمن الكويت».

وأدان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الامة النائب محمد الصقر بشدة «الحادث الارهابي الشنيع». وعبر عن تعازيه «الى اسرة الفقيد وللشعب الاميركي الصديق وتمنياته بالشفاء للمصاب».

واكد الصقر ان «تلك الجرائم وان تكررت خلال الفترة السابقة الا انها لا تعبر عن الشعب الكويتي الذي صدم بها واستقبلها ببالغ الاسف والتأثر او استنكرها بجميع فئاته وقطاعاته فيما عدا فئة محدودة جدا وضالة ضيعت حقوق المواطنة مقابل افكار هدامة لا يقرها دين ولا اية مبادئ انسانية او اخلاقية».

واشار الى ان «اصدقاءنا الاميركيين موجودون بيننا بموجب مواثيق ومعاهدات اقرتها الكويت حكومة وشعبا لحماية البلاد وتحقيق القيم والمبادئ المشتركة بين البلدين الصديقين المتمثلة في العدالة والحرية والديمقراطية».

ورأى الصقر ان الظروف الحالية «تمثل تحديا امنيا يجب التصدي والاحتياط لها وفقا للصلاحيات التي منحتها القوانين للاجهزة الامنية التي نثق بقدرتها على ضبط الجناة وتقديمهم للعدالة لتأمين الامن الداخلي في هذه المرحلة التي قد يستغلها المنحرفون او المندسون للنيل من استقرار البلاد».

واستنكر رئيس واعضاء لجنة الدفاع والداخلية في مجلس الامة (البرلمان) «الاعتداء الاثيم الذي لم تعتده الكويت ضد ضيوفها سواء كانوا اميركيين او من غيرهم، لاسيما ان القوات الاجنبية جاءت برغبة كويتية، استنادا الى المعاهدات الامنية لحماية امن وسلامة الكويت».

واعتبرت اللجنة في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه ان الحادث «ليس سوى تصرف فردي، لا يمثل المجتمع الكويتي، وما حدث جريمة لا تقل في خطورتها عن عمليات التجسس والعمل لصالح النظام المعادي في العراق».

وقال مقرر لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الامة عبد المحسن جمال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» امس «ان هذه الحوادث مرفوضة ومستنكرة بشدة لاننا نرفض اي ممارسات عنيفة، حيث انه بامكان اي احد التعبير عن رأيه عبر القنوات الشرعية والدستورية دون الحاجة الى اللجوء الى العنف». ووجه جمال الاتهام الى «اطراف لها صلة بالنظام العراقي بالوقوف وراء هذا الحادث لتخريب العلاقات الكويتية ـ الاميركية».

ووصف الدكتور علي الطراح عميد كلية العلوم الاجتماعية الحادث بانه «امتداد لسلسلة الاعمال الارهابية التي يشهدها العالم منذ 11 سبتمبر (ايلول) 2001». وقال «ان الهدف منه زعزعة وضع الكويت الداخلي»، وشدد على «ان مثل هذه الاعمال ليس بالضرورة ان تأتي من قبل متشددين اسلاميين بل بفعل اختراق عراقي للساحة الكويتية». وطالب الطراح المسؤولين الكويتيين «بالحسم في موضوع انتشار السلاح بين المواطنين»، وانتقد «حالة التسيب الكبيرة»، داعيا المسؤولين «الى المزيد من الحيطة والحذر لتجنب وقوع مزيد من اعمال العنف».

واستنكر عضو لجنة الصداقة الكويتية ـ الاميركية ووزير التربية السابق انور النوري الحادث وطالب «بوقفة حازمة امام تلك الاعمال سواء كانت فردية او جماعية». واكد «ان مثل هذا الحادث لن يؤثر على العلاقات الكويتية ـ الاميركية فمجلس الامة والحكومة الكويتية والشعب الكويتي يرفضون هذا العمل وهو لا يمثل سوى الاشخاص الذين ارتكبوه».

على صعيد اخر، قالت مصادر امنية ان الولايات المتحدة طلبت من قيادتها العسكرية في الكويت عدم الاتفاق مع اي شركات محلية لشراء مواد غذائية، بعد المعلومات التي وردت على لسان المتهم بالتخابر مع العراق محمد الجويعد حول وجود مخطط لتسميم الجنود الاميركيين.