كويتي معتقل يكشف تفاصيل رحلته مع «القاعدة» منذ التجنيد والبيعة إلى التخطيط للتفجير في آسيا والاعتقال في سلطنة عمان

محمد جبارة اختاره بن لادن لجوازه الكندي وأرسله لتنفيذ اعتداءات في الفلبين وسنغافورة ثم لاستقبال خلية يمنية في عمان

TT

كان الشاب الكندي الكويتي الاصل بذرة صالحة لعضوية تنظيم «القاعدة». فمحمد منصور جبارة لم يبلغ العشرين من العمر بعد، ويتحدث الانجليزية بطلاقة، ويحمل جواز سفر كندياً يسمح له بالتنقل باقل قدر من الشكوك، وحصل على تدريبات في اربعة معسكرات تابعة لـ «القاعدة» في افغانستان.

وفي يوليو (تموز) 2001 التقى اسامة بن لادن بالشاب المتحمس وقبل عضويته في «القاعدة» وطلب منه اداء البيعة، ثم قال له: يجب ان تستعد لقتال اعداء الله في اي مكان. وحدد له الولايات المتحدة واليهود، طبقا لما ذكره جبارة فيما بعد.

وكان الانضمام لـ «القاعدة» بداية مرحلة من مؤامرات التفجير واللقاءات السرية ودفع الاموال النقدية التي جعلت جبارة يتنقل من افغانستان الى سنغافورة والفلبين وينتهي الامر بالقبض عليه في سلطنة عمان في مارس (اذار) الماضي. واعترف جبارة الذي سلم الى كندا ثم للولايات المتحدة للتحقيق معه بدوره في مخطط، لم ينفذ، لشن اعتداءات ضد اهداف غربية في سنغافورة بسبع شاحنات ملغمة، في ديسمبر (كانون الاول) 2001، طبقا لوثيقة استخباراتية سرية تلخص اعترافاته، اطلعت «لوس انجليس تايمز» على نسخة منها.

قصة جبارة كعضو ناشط في «القاعدة» لمدة 8 اشهر تطرح صورة نادرة عن الممارسة اليومية لحملة ارهابية، وتظهر الدرجة العالية من الاهتمام التي يمنحها كبار قادة «القاعدة» الطليقين للتفاصيل، ورغبتهم في تقديم مسؤوليات هامة الى مجند لم يختبر. كما تقدم رواية جبارة للسلطات دليلا ماديا على العلاقة الوثيقة بين «القاعدة» و»الجماعة الاسلامية» الآسيوية المشتبه في وقوفها وراء عشرات الاعتداءات في منطقة جنوب شرقي آسيا. وكانت مهمة جبارة هي الوساطة بين «القاعدة» و»الجماعة الاسلامية»، التي قدمت الرجال والمال والمتفجرات الى مخطط تفجيرات سنغافورة.

وقد احبطت سلطات سنغافورة تلك المؤامرة اثر علمها بوجود عناصر من «الجماعة الاسلامية» قبل عدة اشهر من الموعد المحدد للهجمات. والقت الشرطة القبض على اكثر من عشرة من المشتبه فيهم، واصدرت مذكرة توقيف دولية بحق جبارة، مما ادى في الاخير للقبض عليه.

تعتبر قصة جبارة نتاج طفولة مقسمة بين عالمين، حياة ورعة في الكويت واخرى خاصة بالطبقة الوسطى في سانت كاثرينز بالقرب من مدينة اونتاريو الكندية. وقد ولد جبارة في الكويت عام 1982 وانتقل مع اسرته الى سانت كاثرينز عندما كان في الثانية عشرة من عمره. وعاش في شارع هادئ في المدينة التي لا يزيد عدد سكانها عن 130 الف نسمة، والقريبة من شلالات نياغرا والحدود الاميركية.وكان جبارة يصلي بانتظام في المسجد المحلي مع والده، الرجل البارز وسط الجالية المسلمة في سانت كاثرينز.

وطبقا لروايته، فقد انجذب جبارة الى الاصولية الراديكالية اثناء مراهقته، وخاصة عندما عاد الى الكويت خلال عطلة صيف. وبعد انتهاء الدراسة الثانوية انتقل الى باكستان، حيث تم تجنيده للتوجه الى معسكرات «القاعدة» في افغانستان. وهناك تلقى دورات حول كيفية التعامل مع الاسلحة، وحروب العصابات والحروب في المناطق الجبلية والتدرب على القناصة. واثناء تلقيه لتلك الدورات، كان يتلقى دروساً دينية في كابل وتوجه الى البقاع المقدسة لاداء مناسك الحج.

وفي الوقت الذي كان فيه يتدرب ليصبح عضوا في «القاعدة» كانت الشبكة، بدون معرفته كما يتضح، في المراحل الاخيرة من التخطيط لهجمات 11 سبتمبر (ايلول) في الولايات المتحدة. وفي قندهار ابلغ جبارة المحققين، انه التقى في بيت ضيافة باربعة من المشاركين في هجمات سبتمبر، واحد منهم هو احمد الحزناوي، الذي كان في الطائرة التي سقطت فوق ريف بنسلفانيا.

كذلك، قال جبارة انه التقى بن لادن 4 مرات. ففي يونيو (حزيران) 2000 حضر بن لادن لالقاء محاضرة امام خريجين من دورة لحرب الجبال، ولمح الى ان هجمات ستقع قريبا وتكون «قوية الى درجة انها تجعل الولايات المتحدة تنسى فيتنام».

غير ان قادة من «القاعدة» كانوا يخططون لهجمات اخرى وفي اماكن اخرى من العالم، ويبدو ان جبارة وجد كشخصية مناسبة لذلك. فقد ارسله بن لادن الى كراتشي للاتصال بمحمد الباكستاني، اي بخالد شيخ محمد القيادي الكبير في «القاعدة» والذي يعتقد انه مخطط هجمات 11 سبتمبر. وكان خالد شيخ قد شارك في منتصف التسعينات في التخطيط لنسف 11 طائرة ركاب اميركية فوق المحيط الهادئ وقتل بابا الفاتيكان خلال زيارة له الى الفلبين.

وامر خالد شيخ المجند الجديد بالتوجه الى الفلبين للبدء في التخطيط لشن هجمات انتحارية. وكان مقرراً ان يكون منفذو تلك الهجمات من العرب. ونجح خالد شيخ في ادخال جبارة الى عالم التآمر ودربه على كيفية تجنب كشف السلطات له بعد ان اعطاه اسما حركيا هو «سامي».

قابل جبارة في كراتشي قبل مغادرته الى الفلبين رضوان عصام الدين المعروف باسم «حنبلي» والذي يعتبر من اخطر المطلوبين حالياً. وحنبلي اندونيسي ويعتقد انه قيادي في كل من «القاعدة» والجماعة الاسلامية الآسيوية.

وتقول السلطات ان حنبلي، الذي لا يزال هاربا، متورط في كل الهجمات الرئيسية التي وقعت في منطقة جنوب شرقي آسيا منذ مطلع عقد التسعينات، بما في ذلك التفجيرات التي استهدفت في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي جزيرة بالي الاندونيسية واسفرت عن مقتل نحو 200 شخص. وارتبط اسم حنبلي بخالد شيخ في مخطط محاولة اغتيال البابا وباثنين من منفذي هجمات سبتمبر كانوا في منطقة جنوب شرقي آسيا.

وابلغ حنبلي، الذي كان يستخدم «ازمان» كاسم حركي، جبارة بتفاصيل الخطة. وتقضي الخطة بمهاجمة سفارتي الولايات المتحدة واسرائيل في الفلبين، وبان يعمل جبارة مع فايز بن ابو بكر بافانا، زعيم «الجماعة الاسلامية» في ماليزيا وسنغافورة، ومع فتح الرحمن الغوزي، المعروف ايضا باسم «مايك صانع القنابل».

تسلم جبارة 10 آلاف دولار وطلب منه التوجه الى جنوب شرقي آسيا قبل يوم الثلاثاء 11 سبتمبر. وبالفعل غادر الشاب الى هونغ كونغ يوم 10 سبتمبر. انتقل جبارة الى العاصمة الاندونيسية كوالالمبور، حيث اجرى اتصالا ببافانا، الذي قال ان المجموعة المحلية حصلت على 4 اطنان من نترات الامونيوم و600 رطل من مادة «تي. إن. تي» شديدة الانفجار. توجه جبارة الى مانيلا مطلع اكتوبر (تشرين الاول) للقاء الغوزي، وهو اندونيسي معروف في اوساط «الجماعة الاسلامية» بمهاراته في صنع القنابل وكان مسؤولا عن هجمات اسفرت عن مقتل ما يزيد على 20 شخصا. توجه الاثنان بسيارة اجرة لمراجعة الاهداف المراد مهاجمتها، بيد ان الغوزي توصل الى ان اختيار السفارتين كهدفين لم يكن مناسباً، اذ تعتبر السفارة الاميركية بعيدة عن الشارع، بينما لا يعمل في السفارة الاسرائيلية سوى موظفين اثنين.

واقترح بافانا بدلا من ذلك شن هجوم في سنغافورة حيث يعمل شقيقاه في خلية تابعة لـ «الجماعة الاسلامية». وتوصل المشاركون في المخطط الى سبعة اهداف لهجماتهم المرتقبة في حال حصولهم على متفجرات كافية. وكان من بين تلك الاهداف سفارتا اسرائيل والولايات المتحدة و«بانك اوف اميركا» وحوض ترميم سفن تابع للبحرية الاميركية وناد اميركي.

وبلغت احتياجات المجموعة من المتفجرات، طبقا لتقديرات الغوزي، 17 طنا اضافيا، اذ غادر بنفسه الى الفلبين لمحاولة شرائها ثم شحنها الى جزيرة اندونيسية تقع بالقرب من سنغافورة قبل تهريبها الى هناك. لكن في نهاية الامر بدأت الاشياء تتكشف بصورة سريعة، اذ علمت سلطات سنغافورة بوجود المجموعة بعد 11 سبتمبر عندما صرح مسؤول في «الجماعة الاسلامية» متباهيا بانه يعرف بن لادن شخصياً. وبدات السلطات متابعة العديد من المشتبه فيهم ومراقبة واحد منهم يدعى محمد الياس ومعه اجنبيان اتضح فيما بعد انهما جبارة والغوزي. وكان الغوزي تحت المراقبة عندما حول 3500 دولار الى ما يعادلها بالعملة المحلية كما حاول شراء نترات الامونيوم. وعندها بدأت سلطات سنغافورة بالقاء القبض على اعضاء «الجماعة الاسلامية».

وفي مواجهة كشف الشبكة التي استغرقت عملية تكوينها سنوات، حث حنبلي المشاركين في المخطط على تنفيذ الهجوم، اذ ابلغ جبارة بالعودة الى الخطة الاساسية لضرب سفارتي اسرائيل والولايات المتحدة في الفلبين، خاصة ان الغوزي كان قد تمكن من الحصول على طن من مادة «تي. إن. تي». لكن السلطات كانت قد سبقتهم، اذ بعد مرور اسبوع، تسلم جبارة رسالة بريد الكتروني ابلغ من خلالها بان بافانا قد اعتقل وان السلطات تتعقب اعضاء «الجماعة الاسلامية». فر جبارة الى بانكوك وحاول ان يدخل ميانمار (بورما) بدون تأشيرة دخول، لكنه فشل في ذلك ثم توجه بعد ذلك الى منطقة الخليج.

وفي سلطنة عمان كانت بانتظار جبارة مهمة مختلفة، اذ طلب منه الحصول على شقة لاسكان عدد يتراوح بين 15 الى 19 يمنيا جرى تهريبهم من افغانستان الى اليمن حيث تأمل «القاعدة» في انشاء قاعدة عمليات جديدة.ولم يتضح بعد السبب الذي قاد سلطات سلطنة عمان الى جبارة، لكنه اعتقل مع اليمنيين قبل ان يتمكنوا من المغادرة.

وسلمت السلطات العمانية جبارة الى كندا حيث بدأ يتعاون مع المحققين، ثم سلم في وقت لاحق الى الولايات المتحدة التي لا تزال سلطاتها تحتجزه في قاعدة عسكرية بالقرب من نيويورك.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»