منتدى دافوس 2003 يبحث أزمة الثقة في العالم وأجواء الحرب ضد العراق تنعكس على أعماله

TT

يلتقي في هذه البلدة السويسرية الشهيرة باستضافة هواة التزلج قرابة 2000 من أبرز السياسيين والأكاديميين والاعلاميين ورجال الدين الذين ينتمون لـ98 بلدا، خلال الأيام المقبلة، لبحث الطرق الكفيلة بطمأنة العالم الذي يبدو انه «فقد الثقة في قادته ومؤسساته».

وكما يقول خوسيه ماريا فيجويرس المدير المسؤول عن المنتدى العالمي الاقتصادي الذي سيبدأ اجتماعات دورته السنوية غدا، فإن «مقدار شعور الناس بفقدان الثقة يثير القلق». وهذ الطرح مدعوم باستطلاع واسع شمل قرابة 36 الفاً من أبرز الشخصيات التي تنتمي لـ100 دولة، أجرته مؤسسة غالوب. فهذا الاستطلاع يشير إلى أن ثقة 68 في المائة من سكان العالم محدودة، إذا لم تكن معدومة، في المؤسسات والزعامات القائمة، فيما أعرب 32 في المائة فقط عن شيء أو كثير من الثقة.

وتشير الدراسة إلى أن الافتقاد للثقة يشغل بال جميع فئات الناس. ويبدو ان القادة السياسيين والمؤسسات القائمة فقدوا الكثير من ثقة العامة في وقت مبكر، أما الآن، وكما أشارت الدراسة، فقد بات الناس يفقدون ثقتهم في الأكاديميين والعلماء ورجال الاعلام وخبراء الطب والمحامين.

ويبدو ان نشوة الفرح التي أثارها النجاح الأولي للعولمة قد تبخرت. حيث أدت سلسلة من الفضائح المتعلقة ببعض كبريات الشركات العالمية، إضافة إلى ما يجري الكشف عنه بشكل متواصل، بشأن كيفية استغلال كبار رجال الأعمال للسوق الدولية لمصلحتهم الشخصية، إلى تبديد الثقة في أسس الاقتصاد العالمي.

كما تعرض زعماء العالم الدينيون أيضا للضرر من موجة «عدم الثقة» الحالية. فقد اهتزت الكنيسة الكاثوليكية من الفضائح التي تسبب فيها قساوسة لهم علاقة بالاستغلال الجنسي للقاصرين وبمحاولات التستر على جرائم ما. وتعرض بعض زعماء اليهود لضربة موجعة نتيجة للفضائح المتعلقة بأنشطة تجارية سرية، بما فيها بناء مستعمرات غير قانونية في الأراضي المحتلة. وعانى المسلمون من اتهامهم بإقرار أعمال العنف بما فيها التفجيرات الانتحارية.

على أن أكثر ما قد يثير اهتمام تجمع دافوس هو فقدان ثقة الجمهور في رجال الاقتصاد. فخلال العقود الثلاثة الماضية تحدثت أعداد متوالية من الاقتصاديين البارزين، بما فيهم من حصلوا على جوائز نوبل، أمام اجتماعات المنتدى، وتوقعوا أن تنقشع سحابة أزمة أواخر التسعينات، وأن تعود أيام الازدهار التي سادت قبل عقد سابق، في القريب العاجل.

ويبدو ان مؤتمر هذا العام سيفتتح في ظل أجواء قاتمة. فاليابان، ثاني أكبر اقتصاديات العالم تعاني من أزمة من صنعها. والمانيا ثالث اقتصاد عالمي يبدو انها في طريقها لفترة كساد. وما يثير القلق بشكل أكبر ربما هو احتمال أن تواجه الولايات المتحدة، أكبر اقتصاديات العالم، فترة طويلة من النمو البطيء أو عدم النمو. فمعدلات البطالة في الولايات المتحدة باتت بالفعل تقف عند نسبة ستة في المائة، وهي ضعف ما كانت عليه قبل عامين من الزمن.

اقتصاديات أخرى ليست في حالة أفضل. فبريطانيا، الدولة الأوروبية الوحيدة التي يبدو ان اقتصادها مزدهر، باتت خلال الثمانية عشر شهرا الماضية تعاني من انخفاض مستويات النمو فيها. وفرنسا، رابع اقتصاديات العالم، ما زالت معرضة لتهديد المشاكل الاجتماعية المتنامية يوما بعد يوم.

وحال الدول المصدرة للنفط ليس أفضل. فبالرغم من الارتفاع النسبي الذي شهدته أسعار النفط، الا أن قوة الشراء الحقيقية التي تتمتع بها دول أوبك وروسيا والمكسيك والنرويج ودول خليج غوينيا، تراجعت نتيجة لانحسار قيمة صادراتها.

أجواء التوتر والغموض تزداد عمقا باحتمالات الحرب الوشيكة في العراق. فالقلة من المشاركين في مؤتمر دافوس يعتقدون انه يمكن تجنب الحرب، ما لم تحدث «معجزة» ويقرر صدام حسين ترك السلطة واختيار المنفى.

ويتوقع معظم الخبراء أن تبدأ مرحلة القصف الجوي من الحرب خلال الاسبوع الثالث من شهر فبراير (شباط) المقبل، تليها مرحلة الهجوم البري خلال أوائل شهر مارس (أذار). وتشير التوقعات إلى أن حكومة العراق الجديدة ستتشكل بحيث تشارك في اجتماعات القمة العربية المقرر عقدها في البحرين.

على ان الشيء المؤكد هنا هو ان معظم كبار رجال المال والأعمال البالغ عددهم 1300 ممن سيشاركون في مؤتمر دافوس، يشعرون بحالة من القلق لم يسبق لها مثيل. وهذا قد يكون مؤشرا سيئا للاقتصاد العالمي حتى لو تم حسم حرب العراق في أسرع وقت.

حالة الغموض هذه دفعت العديد من قادة الحكومات إلى عدم المشاركة في ملتقى هذا العام. ويبدو ان أميركا اللاتينية، البعيدة عن مراكز اهتزاز الأزمة الحالية، ستكون حاضرة بشكل متميز. إذ سيوجد رئيس المكسيك فيسينتي فوكس لتعزيز زعمه بأنه لا بد من اعتبار المكسيك الآن دولة ديمقراطية حقيقية لديها حكومة نظيفة. وسيوجد رئيس كولومبيا الجديد الفارتو أوريبي ليستعرض قدرة حكومته على «سحق الارهابيين» على أمل وضع حد لهروب الاستثمارات الأجنبية من بلاده التي أنهكتها الحرب.

وسيكون نجم مؤتمر هذا العام، بكل المقاييس، هو رئيس البرازيل الجديد لويس إيناكيو لولا دي سيلفا، الذي يطلق عليه أنصاره لولا، وهو أول زعيم يساري يفوز في انتخابات رئاسة أكبر دول أميركا اللاتينية.

وستكون مشاركة العالم الاسلامي، التي ستكون محل تدقيق، في مؤتمر هذا العام أضعف مما كانت عليه قبل عامين أو ثلاثة أعوام. إذ سيشارك فقط عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، بالاضافة إلى رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد ووزير البترول السعودي علي النعيمي الذي يشارك في مؤتمر دافوس للمرة الثالثة.

وسيغيب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي لم يفته مؤتمر دافوس منذ عام 1992، للمرة الثانية، على الرغم من جهود اللحظة الأخيرة التي بذلها صديقه شيمعون بيريس من أجل رفع الحظر الذي فرضه رئيس وزراء إسرائيل أرييل شارون على أسفار عرفات.

ويبدو ان مشاركة الولايات المتحدة هي الأخرى لن تكون بتلك الضخامة. فوزير الخارجية كولن باول سيظهر لوقت قصير أمام المشاركين في دافوس ليؤكد لهم ان بلاده لا تنوي استخدام القوة كأسلوب مألوف لحل المشاكل الدولية.

ويبدو ان مساعي منظمي المؤتمر الرامية لاقناع وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بالمشاركة، فشلت. وطبقا لمصدر مطلع فإن رامسفيلد رد على دعوته إلى المشاركة بعبارة جافة تقول «ليتعامل كولن مع هذه المسألة». وقد تم التواصل مع نائب الرئيس ديك تشيني، لكنه هو الآخر امتنع عن قبول الدعوة، كما أفادت مصادرنا المطلعة.

ويبدو ان المدعي العام جون أشكروفت، الذي يواجه انتقادات بسبب تبنيه لاسلوب استعراض العضلات، سيمثل ما يفترض انه التيار المتشدد في إدارة بوش. وستشارك في مؤتمر هذا العام شخصية أميركية بارزة هي الرئيس السابق بيل كلينتون، مدلل المشاركين في منتدى دافوس.

وبالتأكيد فإن الرئيس السابق، الذي يصر الآن على استخدام اسمه الرسمي ويليام جيفرسون كلينتون، لن يوجد في مؤتمر هذا العام للمساهمة في استعادة الثقة. بل يتوقع أن يجلب معه نقدا قويا لاسلوب الرئيس بوش في التعامل مع أزمتين تتعلقان بالعراق وكوريا الشمالية.

كان مؤتمر العام الماضي قد انعقد في نيويورك، تضامنا مع ضحايا مأساة الحادي عشر من سبتمبر. ويبدو ان دورة هذا العام تمثل نوعا من العودة إلى الأصل. وبعدما كان البعض يأملون في أن يكون انعقاد مؤتمر هذا العام تعبيرا عن عودة الأوضاع إلى طبيعتها، يبدو، وكما يشير جدول ألأعمال، إن لا شيء سيعود إلى طبيعته. لقد تبدل العالم يوم 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، وها هو يواصل تحولاته مع انعقاد ملتقى دافوس وتأمله في أوضاع العالم.