بداية «باردة» لجلسة مناقشة الموازنة اللبنانية خرقها هجوم من «حزب الله» على جبهة الحكومة

وزير المالية: الإصلاحات مؤلمة لكنها الحل الوحيد

TT

بدأت الجلسة العامة التي عقدها مجلس النواب اللبناني امس لمناقشة واقرار الموازنة العامة للعام 2003، باردة عكس كل التوقعات التي تحدثت عن «موقعة ساخنة» بين وزير الاتصالات جان لوي قرداحي ونواب كتلة رئيس الحكومة رفيق الحريري الذين عمدوا خلال اليومين الماضيين الى توجيه الاتهامات الى قرداحي الذي لم يوفر في رده عليهم رئىس الحكومة، مؤكداً انه «ليس موظفاً عند احد».

وفيما عكست التسريبات التي سبقت الجلسة نية لدى نواب كتلة الحريري بعرض «وقائع فضائحية في الجلسة»، كان لغياب هؤلاء النواب عن معظم الجلسة الصباحية اثره في تبريد الاجواء، لكن ذلك لم يحل دون بروز اصوات معارضة، وإن بهدوء، كان بطلاها رئيس كتلة نواب «حزب الله» في البرلمان محمد رعد ورئيس حركة التجدد الديمقراطي النائب نسيب لحود اللذين وجها انتقادات للحكومة، من دون ان يغفلا الحرص على «ابراز الايجابيات» والاستعداد لـ«الحوار».

وفيما يتوقع ان تتخطى الجلسة المدة الزمنية المحددة لها (يومان)، ساهم التوافق على التعديلات التي طرأت على الموازنة في خفض سقف المعارضة التي اقتصرت على الوجوه المعروفة، واكتفى النواب الاخرون بتسجيل مواقف تجمع بين الحرص على المالية العامة والوضع الاجتماعي والمعيشي.

ولأن الوضع «ممسوك» غاب رئيس مجلس النواب نبيه بري عن معظم اوقات الجلسة تاركاً قيادتها لنائبه ايلي الفرزلي ولم يحضر الحريري سوى افتتاحية الجلسة وحذا الوزراء والنواب حذوهما حتى كادت القاعة العامة تخلو من الوزراء والنواب واقتصر الحضور في بعض الاوقات على وزيرين احدهما وزير المال فؤاد السنيورة ونحو 14 نائباً توزعوا على حلقات، فيما كان المتحدثون من النواب يتوجهون في كلماتهم الى كاميرات التلفزيون التي كانت تنقل وقائع الجلسة مباشرة والتي ساهمت بدورها في رفع عدد طالبي الكلام من النواب فبلغ نحو نصف عدد اعضاء المجلس (60 نائبا).

واستهلت الجلسة بكلمة للنائب نقولا فتوش الذي استغرب «الانتقائية» في تغطية جلسات الموازنة وبعد «تذكير» من الرئيس بري الحكومة بضرورة احترام تعهد اطلقته سابقاً بإرسال «فذلكة» الموازنة في الموعد المحدد، تلي تقرير لجنة المال والموازنة وفيه «تقدير اللجنة للجهد الذي بذلته الحكومة لتصحيح الوضع المالي»، لكنها اعلنت «انها لم توافق على بعض البنود في الموازنة كونه يفترض بالحكومة ان تتقدم بها الى المجلس بمشاريع قوانين منفصلة». وبررت رفضها السماح للحكومة الاستدانة بملياري دولار لتعارضه مع تعهد لرئيس الحكومة بالغاء هذه الاستدانة في الجلسة التشريعية السابقة التي اجازت للحكومة الاقتراض بـ 7 مليارات دولار بعد مؤتمر «باريس ـ 2».

وخلصت اللجنة الى القول ان الدافع الحقيقي وراء الغاء او تعديل او اضافة بعض المواد او الموارد المالية كان ولما يزل يهدف الى انجاح برنامج الحكومة للتصحيح المالي وتحصين انطلاقته .

ثم تلا وزير المال فؤاد السنيورة تقريره عن الموازنة استهله بمراجعة للتطورات المالية والاقتصادية والاجتماعية. مؤكداً ان الموازنة اتت اكمالاً لما اقرته الموازنة السابقة من اصلاحات، وان الحكومة وفت بتعهداتها فأتى العجز وفق ما ورد في الموازنة (2002). مشيراً الى تمكنها من خفض العجز الاجمالي وتحقيق وفر في الموازنة الاولية ورغم التحديات التي واجهها لبنان في العام الماضي على مختلف الصعد.

وشدد السنيورة على اهمية متابعة العمل الجاد لوضع البلاد على المسار الاقتصادي السليم، معترفا بأنه «موجع» لكنه اكد انه «السبيل الوحيد». وبدأت المناقشة العامة للموازنة بكلمة للنائب عباس هاشم الذي تساءل عن «النمو القائم على الضرائب» واصفاً اياه بـ«الخدعة». ورأى وجود «مبالغة في تصوير تأثير «باريس ـ 2» على الدين العام وخفض كلفته». ثم تحدث النائب نسيب لحود الذي رأى ان «السلبيات المعهودة تصطدم هذه السنة بالايجابيات المحدودة». ورأى ان هذه «الايجابيات تتمثل بالتراجع عن الضرائب المجحفة التي وردت في الموازنة والتفاوض مع المصارف لخفض الدين العام والسياسة الضريبية الجديدة بفرض ضريبة على الفوائد المصرفية».

وقال لحود ان «تقليص العجز وكسر طوق الاستدانة يتطلبان معالجة الجذور العميقة المولدة للانفاق السياسي والهدر». ودعا الى «اعادة هيكلة القطاع العام بحيث تعود مؤسساته المدنية والعسكرية الى وظائفها الاصلية كما في اي دولة ديمقراطية حديثة وبحيث يعود حجمها الى ما يتناسب مع الحاجات والوظائف الاصلية لهذه المؤسسات». مشدداً على ضرورة «اصلاح الادارة السياسية للبلاد لمواكبة رحلة العودة من نظام شبه الدولة السائد اليوم الى نظام الدولة الحقيقية».

واشار النائب جبران طوق الى «غيوم هددت مؤخراً الصفاء الظاهر حتى ظن البعض ان الوفاق السياسي الذي شهدته البلاد لم يكن الا مرحلة اقتضتها الظروف لانجاح مؤتمر باريس ـ 2».

من جهته دعا رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد الجميع الى «التزام مسؤولياته وازالة الوهم من ان لبنان بلد يمكن ان يحكمه طرف دون آخر». ورأى ان ما «انجزته الحكومة بصعوبة في باريس ـ 2 هو تأجيل لواقع صعب وليس حلاً، وان اتفاق الدولة مع المصارف امر ايجابي». ودعا الى «ضبط اللصوصية التي يتعرض لها القطاع العام واعادة هيكلة هذا القطاع وتحديث الادارة وترشيد الانفاق العام».

ووجه رعد انتقادات عنيفة للاداء الحكومي في ما خص قطاع الهاتف الجوال. وتحدث عن «مطامع البعض» في هذا القطاع الذي يفترض به ان يؤمن مداخيل في 20 عاماً تغطي كلفة الدين العام، واعلن ان كتلة الوفاء للمقاومة (التي تضم الحزب وحلفاءه) ستصوت ضد الموازنة.

وابدى النائب صلاح حنين اسفه «لابتعاد المجتمع اللبناني عن الحرية السياسية واقترابه من التطبيع السياسي». ووصف النائب جورج ديب نعمة (كتلة النائب وليد جنبلاط) الموازنة بأنها «مشروع رسوم وضرائب تفتقر الى الرؤية الاجتماعية والاقتصادية». فيما طالب النائب وجيه البعريني بـ«التمسك بالثوابت الوطنية واهمها الوحدة الوطنية والعلاقة مع سورية في ظل الاوضاع الاقليمية الحرجة التي تمر بها المنطقة». واعتبر النائب ابراهيم بيان (كتلة الوفاء للمقاومة) ان «لا رؤية واضحة ومستقبلية للحكومة في مختلف المجالات»، واصفاً السياستين المالية والنقدية بـ«التجريبية» والحكومة بـ«الطبيب الفاشل».