«الشروط» وانعدام التوافق السياسي والعراق تطوي ملف تغيير الحكومة اللبنانية أشهراً

TT

لن يكون في استطاعة الرئيس اللبناني اميل لحود ورئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري العودة الى سياسة «غسيل القلوب» التي كانت قائمة بينهما مجدداً، الا اذا حصل توافق مسبق على العناوين الكبرى، وحتى الصغرى، للحكومة الجديدة التي سيمتد عمرها حتى نهاية الثلث الثالث من ولاية رئيس الجمهورية المفتوحة على احتمال قوي جداً لتمديدها.

والواقع ان المحاولات التي جرت لتحقيق هذا التوافق منذ ما قبل القمة العربية التي انعقدت في مارس (آذار) الماضي وحتى يوم انهيار مرحلة «غسيل القلوب» بين لحود والحريري في الاول من الشهر الحالي، قد باءت كلها بالفشل، نظراً الى السقوف العالية التي يرفعها المعنيون والمتصلة بما يريدون من حصص وزارية، اشخاصاً وحقائب، وتصطدم بوجود ذهنية جديدة ستعتمد في عملية تشكيل الحكومة الجديدة مختلفة عن ذهنية تشكيل الحكومة الحالية وحكومات سابقة. وهذه الذهنية ساهمت دمشق بالنصح في ارسائها في ضوء قراءة جديدة اجرتها حول الواقع السياسي الداخلي اللبناني آخذة في الاعتبار تجربة الحكومة الحالية والحكومات السابقة، وهي تقوم على ان لا تكون لاي مسؤول او فريق لبناني اكثرية وزارية يمكن ان تتحكم بعمل الحكومة او مجلس الوزراء مستقوية بدعم الاكثرية النيابية او الكتل النيابية التي تشكل الاكثريات في المجلس النيابي وهذا ما يرى المعنيون انه يحقق التوازن والفصل العملي بين السلطات وتحديداً بين السلطة التنفيذية المتمثلة دستورياً بمجلس الوزراء والسلطة التشريعية المتمثلة بالمجلس النيابي. وفي اعتقاد اوساط لبنانية معنية بالتغيير الحكومي ان تكريس هذه الذهنية بات امراً واقعاً واجه وما زال يواجه كثيراً من الصعوبات، الامر الذي حال ويحول دون التغيير الحكومي المطروح منذ مارس (آذار) الماضي وحتى اليوم لأن لكل طرف معني بهذه العملية حساباته السياسية التي تتصل بالواقع القائم وبالسنتين المتبقيتين من ولاية الرئيس لحود وما يمكن ان تشهداه او يعقبهما في ضوء رجحان خيار التمديد له بقوة.

على ان تعاطي رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري مع القضايا المطروحة وفي مقدمها الوضع الحكومي، يوحي وكأنهما مقتنعان بأن تمديد ولاية الرئيس لحود بات من المسلمات ولم يعد قابلاً للنقاش.

واذا كان بري الذي يلعب في هذه المرحلة دور الوسيط لاعادة وصل ما انقطع بين لحود والحريري يحاول تمييز موقفه ازاء ما يدور بين الرجلين من خلاف، فانه لا يخفي شروطه ومطالبه في اطار اي تغيير حكومي خصوصاً انه لم يتردد في الآونة الاخيرة عن الجهر برغبة جامحة بحصول هذا التغيير تحت شعار انه لم يعد مرتاحاً الى اداء وزيري حركة «امل» التي يرأس في الحكومة ويريد ان يغيرهما اليوم قبل الغد حتى ولو اضطر الامر ان يجتمع مجلس الوزراء ويصوّت على اقالتهما وهما وزير الطاقة محمد عبد الحميد بيضون ووزير الزراعة علي عبد الله.

ولكن ما لم يقله بري جهراً ابلغه الى المعنيين بالتغيير الحكومي سراً، وكان لائحة من الاسماء «الاملية» (نسبة الى حركة «امل») وغيرها.

وذكر في هذا المجال ان المعنيين فاتحوا قيادة «حزب الله» في امر المشاركة في الحكومة العتيدة، لكن الحزب لم يحبذ ذلك مؤثراً البقاء مشاركاً في النظام من خلال المجلس النيابي، ولا يرغب المشاركة في السلطة التنفيذية التي لديه ملاحظات كثيرة على ادائها وخططها. وفي ضوء ذلك يؤكد معنيون بالوضع الحكومي ان استنكاف الحزب عن المشاركة في الحكومة سيؤدي الى اعتماد توزيعة جديدة للمقاعد الوزارية الشيعية سياسياً ومناطقياً.

اما الحريري الذي تؤكد كل المعطيات انه باق في رئاسة الحكومة بلا منازع، فلديه ايضاً مطالبه وشروطه سواء على مستوى ممارسة صلاحياته كرئيس للحكومة ولمجلس الوزراء او على مستوى اختيار عناصر التشكيلة الوزارية الجديدة. وكان قد اكد في ندوته التلفزيونية الاخيرة انه اذا حصل تغيير حكومي فإن الفريق الاقتصادي والمالي باق كما هو في الحكومة الجديدة اي وزير المال فؤاد السنيورة ووزير الاقتصاد باسل فليحان.

اما الرئيس لحود، فإن زواره يخرجون هذه الايام بانطباع مفاده ان موضوع التغيير الحكومي ليس مطروحاً لديه، ويلفتون الى انه لا يثير هذا الموضوع معهم على رغم اقتناعه بأن تغيير الحكومة الحالية سيكون له جدواه. ويقول زوار لحود انه يعطي الاولوية في اهتماماته للوضع الاقليمي ويعتبره فوق كل الاعتبارات لادراكه ما ينتظر لبنان والمنطقة من جرائه.

ويعتقد زوار لحود ان ملف التغيير الحكومي لن يطرح قبل بضعة اشهر، وان الانتهاء من اقرار الموازنة التي سيناقشها مجلس النواب اليوم وغداً، لن يكون ايذاناً للانطلاق الى معالجة هذا الملف، اولاً لأن التوافق السياسي الذي من شأنه ان يؤدي الى تأليف حكومة جديدة سريعاً غير متوافر بين المعنيين، وثانياً لأن التطورات الاقليمية المتصلة بالوضع العراقي تتسارع بما يجعلها تتصدر واجهة الاهتمامات.