الخبراء يبحثون 3 أسباب محتملة لكارثة كولومبيا: عطل في الاستشعار أو الدرع الحراري أو حريق داخلي

أجهزة الاستشعار في الجناح الأيسر توقفت عن العمل قبل 7 دقائق من الانفجار

TT

* واشنطن: ريكاردو الونسو ـ الديفار ورالف بارتافيديان وآرون زتنر*

* ما ان ظهرت صور المكوك الفضائي كولومبيا وهو يسقط متفجرا من الفضاء نحو الارض، حتى عمت الصدمة، تلتها الدموع وكلمات العزاء في رواده، لكن الغضب بدا واضحا ايضا في اميركا. يقول المحللون ان على وكالة الطيران والفضاء الاميركية «ناسا» ان تتوقع سيلا من الانتقادات من الجمهور لم يسبق ان وجهت مثلها الى اي مؤسسة حكومية اخرى، وذلك بسبب غرام اميركا بالاستكشافات وبالعلم والتكنولوجيا من جهة، وعدم استفادة الوكالة من اخطائها من جهة اخرى.

وقد اهتزت «ناسا» بشدة مرتين في الماضي بسبب كوارث لمركبات فضائية، الا انها تمكنت من اعادة تقويم الاندفاع الاميركي نحو الفضاء. وسوف يجد مسؤولو الوكالة ومهندسو الشركات الفضائية المتعاقدة معها انفسهم في الاشهر المقبلة امام «محكمة الجمهور» بعد ان تبدأ لجان التحقيق والكونغرس محاولاتها لفهم الاسباب الهندسية البشرية التي أدت الى وقوع الكارثة الجديدة. وحدثت الكارثة الاولى عام 1967 لدى اطلاق مركبة «ابولو-1» التي تعرضت لحريق، ثم انفجار مكوك «تشالنجر» عام 1986 بعد اطلاقه.

ويقول المحللون ان كل منجزات «ناسا» قد تأثرت بسبب حالة اللامبالاة والاهمال التي رافقتها سلسلة من العمليات البيروقراطية التي جاهدت للحفاظ على خفض التكاليف المالية من دون الاخلال باجراءات السلامة. وتبلغ ميزانية «ناسا» حاليا حوالي نصف ميزانيتها قبل 35 عاما. وسيقود انفجار المكوك كولومبيا، اول مركبة فضائية متكررة الاستخدام، فورا الى اعادة تقييم اهداف الرحلات الفضائية المأهولة. وكان المكوك يمثل رمز الهيمنة القومية الاميركية على طرقات الفضاء السريعة.

* نقص التمويل

* ويقول محللون مستقلون ان البرنامج الفضائي الذي وضع لتنفيذ المرحلة الاولى من استكشاف الكواكب، ضل طريقه، اذ ان الاعوام الاخيرة شهدت اتخاذ «ناسا» لاجراءات هندسية متشددة للتكيف مع خفض التخصيصات المالية، من دون التأثير على سلامة التحليق. ويقول أليكس رولاند الباحث بجامعة ديوك، والمؤرخ الأسبق لـ«ناسا» «لقد خططوا برنامجا يضع المسؤولين في الوكالة تحت ضغوط لا تحتمل، بهدف الحفاظ على الأداء مقابل موارد غير مناسبة».

وقبل حادثة «كولومبيا» حذرت هيئة السلامة الاستشارية في «ناسا» من مخاطر الضغوط المالية ونصحت بتأجيل التحسينات اللازمة لسلامة افضل. ولا يمكن، كمياً، معرفة الحدود الفاصلة بين العمليات الآمنة وغير الآمنة. وقالت الهيئة في تقرير الى مسؤولي الوكالة: «حتى افضل المسؤولين لا يعرفون انهم اخترقوا هذه الحدود، وقد أدت الاستجابة للضغوط المالية الى عدم تنفيذ التحسينات الهندسية المطلوبة،الموجهة لتقليل مخاطر التحليق، او تأجيلها». وكخطوة اولى شكلت الحكومة الاميركية هيئة مستقلة اول من امس للتحقيق في حادثة كولومبيا. وقال شون اوكيفي مسؤول «ناسا» ان ممثلين عن سلاح الجو والبحرية سيشاركون في الهيئة اضافة الى ممثلين عن وزارة النقل والوكالات الحكومية الاخرى. ويقول جون لوجسدن مدير معهد سياسات الفضاء بجامعة جورج واشنطن ان «هذا الاسبوع سيشهد بداية تحليلات تكنولوجية للحادث». واضاف انه من المؤكد ان يعقد الكونغرس جلسة خاصة بهذا الشأن. وصرح وليام باروز مؤرخ الفضاء بجامعة نيويورك «لقد اصبحت «ناسا» يتيمة منذ زمن طويل جدا». واضاف ان «النفاق هنا محزن، لاننا نقول ان لدينا برنامجا فضائيا من الدرجة الاولى، الا ان مؤثرات التآكل الداخلي لكل ما هو متميز، يدفع في اتجاه مضاد لذلك. لقد اجبروا «ناسا» على محاولة الحفاظ على برنامج من الصنف الاول عالميا بميزانية متقلصة».

* اسباب الكارثة

* قبل تفجره بلحظات فوق سماء تكساس، دخل مكوك «كولومبيا» اصعب جزء من رحلة العودة نحو الارض، اذ استدار بسرعة 12500 ميل في الساعة، وازدادت درجة حرارته بسبب الاحتكاك بطبقات الهواء، الى 3000 درجة. لكن، لا يبدو ان سبب الكارثة يعود الى هذه العوامل.

ويقول الخبراء انه اعتمادا على الدلائل القليلة المتوفرة، فان اسباب الكارثة تشمل: الاخفاق في نظام التحكم الكومبيوتري بالتحليق، وتحطم الدرع الحراري للمكوك الذي يحميه من الحرارة الزائدة، وخلل او حريق داخل الجناح. الا ان الخبراء يؤكدون انهم لا يعرفون الا القليل الذي يمكنهم من التأكد من سبب الكارثة الحقيقي.

وكانت اولى التحليلات أشارت الى احتمال حصول اضرار بالدرع الحراري للمكوك اثناء اقلاعه، وذلك لدى اصطدام قطعة من العازل الرغوي خرجت من خزان الوقود الرئيسي الخاص بالمكوك، واحتكت بالجناح الايسر. ولم يكن المشرفون على التحليق قلقين من هذا الحدث في حينه. وتنفصل عدد من قطع الجليد والشظايا من المكوك من حين لآخر مسببة اضرارا طفيفة، ففي اكتوبر (تشرين الاول) الماضي سقطت قطعة من العازل الرغوي اثناء انطلاق المكوك «اتلانتس»، وفي عام 1998 سقط باب من الالمنيوم زنته حوالي 5 كيلوغرامات من مكوك «دسكوفري» وضرب محركه الرئيسي.

الا ان المحققين ينظرون من زاوية جديدة الى عملية اقلاع «كولومبيا»، ويتساءلون ما اذا كان العازل الرغوي قد احدث اضرارا جسيمة بقطع الدرع الحراري للجناح الايسر الذي يحميه من الحرارة الشديدة عند دخول اجواء الارض. وبينما يجري التدقيق في هذه المسألة، يبحث الخبراء احتمالات اخرى منها ظهور عيوب بنيوية في المكوك اثناء التحليق، او دخوله الاجواء بزاوية خاطئة مما ادى الى تعرضه لحرارة قصوى اعلى مما يتحمله تصميمه.

* الدقائق الاخيرة

* ويقول رون ديتيمور المسؤول في برنامج المكوك الفضائي في «ناسا» ان المكوك كان قد دخل تواً في مناورة «التدحرج العكسي» بهدف خفض سرعته. وتشير القياسات التي ارسلت من المكوك الى اخفاق سلسلة من اجهزة الاستشعار الحراري داخل الجناح الايسر في عملها خلال دقائق معدودات. وهذا الاخفاق يؤدي الى جملة من الاخفاقات.

وعلى ارتفاع 40 ميلا يصبح الغلاف الجوي سميكا بما فيه الكفاية كي يعمل المكوك كطائرة، وهنا يبدأ بادارة اجنحته بدلا من استخدام محركاته. ويبدأ نظام التغذية الاحتياطي بتجهيز الطاقة اللازمة للتحكم. ويحاول الخبراء الآن جمع كل شظايا حطام المكوك للتعرف على سبب تفجره.

وطلبت «ناسا» من خبرائها وخبراء شركة «لوكهيد مارتن»، التي صنعت خزان الوقود التعرف على دور قطع من العازل الرغوي في احداث الاضرار.وان حدث الضرر فعلا بالجناح الأيسر للمكوك فان المركبة تحولت الى موقع معرض بالفعل الى الخطر لدى دخولها اجواء الارض عندما تزداد الحرارة الى 3 آلاف درجة. ويظل الجناح الايسر موقع الاهتمام لان اجهزة الاستشعار الحراري عند حافته النهائية اخفقت في عملها قبل 7 دقائق من تفجر المكوك، ثم اخفقت اجهزة استشعار اخرى بعد فترة قصيرة في نفس الجناح وفي عربة مرتبطة به، وفي العجلة اليسرى للمكوك. وقد يكون السبب في ذلك سقوط قطع من الدرع الحراري في هذا الجناح.

* مستقبل الفضاء

* وقال مسؤولون روس واميركيون اول من امس ان فقدان «كولومبيا» سيهدد مستقبل المحطة الفضائية الدولية، خصوصا انه تم توقيف رحلات المكوك الفضائي. ولكن رغم ذلك، انطلقت مركبة «بروغريس» الروسية للشحن امس نحو المحطة للالتحام بها يوم غد.

واذ كان الروس اصبحوا الوحيدين المؤهلين للتحليق نحو المحطة، فانهم لن يتمكنوا لوحدهم من تأمين عمل المحطة والتواصل ناهيك عن اتمام عمليات بنائها. وقال بوريس تشرتكوف احد رواد الفضاء السوفيات ان « وضع المحطة الفضائية اضحى حرجا». الا ان المسؤولين الاميركيين يؤكدون ان سلامة الرواد الثلاثة على متن المحطة ليست موضع تساؤل اذ «ان لديهم مؤناً كافية للبقاء حتى يونيو (حزيران) المقبل كما يقول رون ديتمور المسؤؤل في «ناسا». ومع ذلك فان التأخيرات الكبيرة في بناء المحطة التي تصل كلفتها الى 100 مليار دولار قد تؤثر عليها في المدى القريب. وكانت «ناسا» والوكالات الفضائية للدول المشاركة في المحطة تتوقع انجازها بداية عام 2004، وكان من المؤمل ان تزداد قدرات توليد الطاقة الكهربائية في المحطة ثلاث مرات. كما خططت «ناسا» لتمديد هيكل المحطة من 134 قدما الى 310 أقدام نهاية هذا العام، وارسال 31 رائدا نحوها، وتنفيذ 30 تجربة علمية هذا العام. وتشارك في مشروع المحطة الولايات المتحدة وروسيا واليابان وكندا ووكالة الفضاء الاوروبية.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»