كاريكاتير في «الإندبندنت» البريطانية عن شارون يستفز اللوبي الصهيوني والسفارة الإسرائيلية ويثير ضجة في لندن

رسام الكاريكاتير: إن ما جاء بالفكرة هي الصواريخ التي أطلقتها طائرات الهليكوبتر على مدينة غزة مع اقتراب موعد الانتخابات في إسرائيل

TT

استفز رسم كاريكاتيري، نشرته صحيفة «الاندبندنت» البريطانية اليومية في عددها الصادر في 27 يناير (كانون الثاني) الماضي، اللوبي الاسرائيلي وانصاره في بريطانيا، واثاروا عبر وسائل اعلامهم زوبعة لم تتجاوز الفنجان كما يقولون، عادوا فيها الى سلاحهم التقليدي، تهمة معاداة السامية، الذي يلجأون اليه كلما تقطعت بهم السبل في التغطية على وحشية وعدوانية الحكومة الاسرائيلية، وهي التهمة التي يهابها معظم منتقدي اسرائيل.

لكن هذه المرة وجد اللوبي الاسرائيلي من يتصدى له ويصد عن الصحيفة ورسامها هذه التهمة التي كانت كالسيف المسلط، دوما على الرقاب، لإسكات، بالضربة القاضية، كل من تسول لهم انفسهم توجيه اي انتقاد للاعمال الهمجية التي تمارسها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ضد الشعب الفلسطيني من قتل وتنكيل وتدمير وحصار. وثمة ما يشير الى ان مثل هذه التهمة وامام وحشية سلطات الاحتلال الاسرائيلي بعد مجازر جنين ونابلس وغزة واستمرار عدوانها، بدأت تفقد مفعولها السحري الذي طالما اسكت في الماضي العديد من منتقدي اسرائيل. وقاد حملة التصدي شخصيات من وسط الجالية اليهودية في بريطانيا.

والرسم الكاريكاتير مثار الجدل وهو بريشة رسام الكاريكاتير الشهير في الصحيفة ديف براون، يصور رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون العملاق يمسك وهو عار بطفل فلسطيني وهو يقضم رأسه ويتساءل بتحد «اين الخطأ؟. ألم تروا سياسيا يقبل طفلا؟». وفي خلفية الكاريكاتير تظهر طائرات هليكوبتر ودبابات تطلق الصواريخ والقذائف التي تلحق الدمار بالفلسطينيين مع رسالة تقول «انتخبوا شارون» واخرى «انتخبوا الليكود».

وقاد الحملة المعارضة للكاريكاتير السفارة الاسرائيلية لا سيما الملحق الصحافي شولي دوفيدوفيتش التي كتبت رسالة لـ «الاندبندنت» تتهم فيها براون بمعاداة السامية ووجهت ضده وضد الصحيفة شكوى الى لجنة الرقابة الاعلامية عبرت فيها عن «صدمتها من نشر الصحيفة مثل هذا الكاريكاتير» وحاولت طبعا استدرار العواطف بالتشديد على ان مثل هذا الكاريكاتير نشر في نفس اليوم الذي كانت فيه بريطانيا تحيي ذكرى مجازر النازية «الهولوكوست».

وقالت ديفيدوفيتش في رسالتها التي نشرتها «الاندبندنت» ونشرت مقتطفات منها صحيفة «جويش كرونيكل» اليهودية الاسبوعية في لندن، انها «صدمت من قيام الصحيفة في وقت تحيي فيه بريطانيا ذكرى مذابح اليهود، نشر كاريكاتير بهذا الشكل، لا يجد مكانا له الا في «دير ستومر» (الصحيفة الناطقة باسم النازيين) التي لا تزال للأسف تجد لها مكانا في العديد من الصحف العربية».

واضافت ديفيدوفيتش في رسالتها «ان صورة (شارون) المتعطش للدم تسيء فهم سبب العمليات الاسرائيلية في الاراضي (المحتلة) وتغذي روح العداء ازاء اسرائيل والشعب اليهودي». وتابعت انه «في الوقت الذي نقبل فيه توجيه الانتقاد لاسرائيل، الا ان الانسان لا بد ان يكون حذرا في رسم الحدود الفاصلة ما بين الانتقاد المشروع ومعاداة السامية، وللأسف فان «الاندبندنت» فشلت في رسم هذه الحدود».

ونقلت صحيفة «جويش كرونيكل» عن مصادر في السفارة الاسرائيلية في لندن قولها ان ما يضاعف الغضب اليهودي على حد تعبيرها من هذا الكاريكاتير المعادي للسامية، هو انه نشر في يوم ذكرى ضحايا النازية.

وحسب «جويش كرونيكل» فان مجلس نواب اليهود في بريطانيا احتجوا على الرسم الكاريكاتيري. وقال نفيل نايجل المدير العام للمجلس انه يفكر هو الاخر في رفع شكوى الى مجلس رقابة النشر. واضاف «ان هذا الكاريكاتير استفزازي للغاية ويحيي النمط السابق لمعاداة السامية، وتكمن خطورته في انه يظهر في وقت تتصاعد فيه مشاعر العداء للسامية».

ورفض رئيس تحرير «الاندبندنت» سايمون كيلنر، وهو نفسه يهودي، هذه الاتهامات. وقال كلينكر لـ «جويش كرونيكل» «انا نفسي يهودي لذا فانني سأكون حساسا الى ما هو معاد للسامية.. لقد كان الكاريكاتير قويا جدا وهو بلا شك معاد لشارون وهذا مختلف عن معاداة السامية». واعترف كلينكر بان الكاريكاتير قد يثير الجدل من حيث الذوق العام، لكنه اصر على عدم وجود نية لمعاداة السامية». واشار الى ان «ديف براون صور (الرئيس الفلسطيني ياسر) عرفات كماعز».

من جانبه نفى براون في مقال نشرته «الاندبندنت» في ملحقها الصادر في 31 يناير (كانون الثاني) الماضي، ان يكون معاديا للسامية. واوضح الظروف التي اوجدت اليه هذه الفكرة. فقال «في يوم الاحد 26 يناير الماضي وبينما كنت استمع الى الاذاعة واشاهد اخبار التلفزيون واتصفح صفحات الجرائد الاسبوعية، برزت امامي قصة تصلح لان تكون مادة لرسم كاريكاتيري.. انها انباء هجوم ارييل شارون على مدينة غزة وهو الهجوم الذي اسفر عن مقتل 12 فلسطينيا».

واضاف انها «ليست المرة الاولى التي انتقد فيها شارون في رسوماتي». وهذا صحيح فان براون كثيرا ما انتقد شارون في رسوماته ويظهره دوما بمظهر العسكري الدموي. ومن رسوماته، واحد يجمع بين شارون والرئيس الاميركي جورج بوش ينسحبان بهدوء وايديهما ملطخة بالدماء من قاعة محكمة جرائم الحرب التي يمثل امامها الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش وغيرها الكثير.

وتابع براون القول «كما قلت ليست المرة الاولى التي اجد فيها مادة لانتقاد شارون، لكن اللافت للنظر في هذه المرة هو التوقيت الذي له علاقة باقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية، وكانت المهمة خلق صورة توضح ذلك. واعتقد انه رغم ان الصواريخ كانت موجهة الى غزة لكن المستهدف فيها هو الناخب الاسرائيلي».

واوضح «بداية جاء في مخيلتي صور الطائرات فوق انقاض المدينة الفلسطينية والشيء الذي ارتبط بهذه الصورة هو ذاك الصوت المدوي الذي يحمل رسالة واضحة تقول .. صوتوا لشارون. وتوالت افكار بقية الكاريكاتير، وجاءت الى ذاكرتي رسم (لأحد عباقرة الفن التشكيلي في العالم الفنان الاسباني) غويا (الذي عاش في القرن الثامن عشر) تلك الصورة التي تحمل عنوان «ساتيرن يلتهم احد اولاده». فهذا الرسم قادر على اثارة الصدمة لدى المطلعين عليه».

وتفاعل رد الفعل الاسرائيلي وانعكس على عديد من القراء، فمنهم من أيد الشكوى واغلبهم لم ير في هذا الرسم معاداة للسامية او ما يسيء لليهود. وقاد حملة الدفاع عن الكاريكاتير جيرالد كوفمان وزير الخارجية في حكومة الظل العمالية في الثمانينات ورئيس لجنة الثقافة والميديا في مجلس العموم البريطاني. وقال كوفمان في مقال نشرته «الاندبندنت» في عدد 31 يناير الماضي «ان وصف كاريكاتير ديف بروان، بمعاداة السامية كان مبالغاً فيه ولا اساس له من الصحة، لكنه كان متوقعا جدا». واضاف كوفمان «كما انه لم يكن مفاجئا ان يقود هذه المجموعة الغوغائية، السفارة الاسرائيلية في لندن التي كانت يوما بعثة دبلوماسية محترمة، لكنها الان اصبحت اداة طيعة في يد اسوأ وزير خارجية تشهده اسرائيل... بنيامين نتنياهو».

وأوضح «ان تصوير شارون بهذه الصورة كان مقصودا وهذا هو غرض رسوم الكاريكاتير. فزعماء غربيون امثال الرئيس الاميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير كثيرا ما يصورون بأبشع الصور لكن لا احد منهم يصف رسامي الكاريكاتير بمعادة المسيحية. ولا أعتقد ان التزام شارون باليهودية أقوى من التزامهما بالمسيحية». وتابع القول «ان محاولة اعتبار براون كاستمرار للهولوكوست هي آخر ما تمخضت عنه حملة الليكود التي ترمي الى مواجهة منتقديه بتهم معادة السامية». واختتم كوفمان مقاله بالقول ان «هذه الاتهامات بمعاداة السامية الرخيصة، ليست الا محاولة لاسكات الانتقادات المبررة لسياسات هذه الحكومة الاسرائيلية. لذا فلا بد من رفضها بالاسلوب الذي تستحقه».

ومن ردود فعل القراء على هذا الكاريكاتير:

* بول غروس من ساسكس في بريطانيا: شعرت بالغثيان عندما شاهدت هذا الكاريكاتير الذي يصور شارون كوحش يأكل طفلا.

* وليام فروست من دوركينغ: كاريكاتير ديف براون لم يكن مشروعا فحسب بل ذكيا ورائعا.

* مايكل وايت من هل ـ شمال بريطانيا: عندما استخدم هذا الرسم ليظهر رومانو برودي (رئيس المفوضية الاوروبية) وهو يلتهم رأس بريطانيا، لم يرف جفن احد. هل ما يقال عن الاتحاد الاوروبي مقبول وما يقال عن اسرائيل فلا؟

* الحاخام ارييل ابيل من لندن: سيكون من الافضل بالنسبة للمراسلين ان يدركوا ان هناك طرفين لأي قصة.

* مايكل هالبيرن.. من ميدل سيكس: الانتقاد موجه الى السياسات القمعية وليس الدين اليهودي الذي انتمي اليه بكل فخر.