هافل غادر الرئاسة التشيكية بعد ضمانه طي صفحة الشيوعية وفتح أوروبا أبوابها أمام شعبه

التشيكيون بدون رئيس للجمهورية وصعوبة اختيار بديل للمثقف ورجل المسرح الذي ساهم في إسقاط المعسكر الشرقي

TT

غادر الرئيس التشيكي فاتسلاف هافل منصبه أمس منهيا فترة مهمة في حياته وحاسمة في تاريخ بلاده. إذ لعب هافل الكاتب المسرحي والمنشق السابق دورا نشيطا في إسقاط الشيوعية بتشيكوسلافكيا واستطاع ان يحقق لبلاده الكثير من الاحلام والامنيات في اعقاب المرحلة الحرجة التي جاءت بعد انفصال القسمين (التشيك وسلوفاكيا) من الجمهورية السابقة تشيكوسلوفاكيا، احدى اكبر دول المعسكر الشيوعي سابقا.

ولعل ابرز الخطوات التي نجح هافل في تحقيقها نجاحه في تحقيق الشروط المطلوبة للانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي، الامل الذي يراود كل دول شرق اوروبا وبعد مفاوضات وخطوات جادة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، اذ نجح هافل في اقناع الاتحاد الاوروبي بجديته ورغبته الحقيقية في وجود بلاده ضمن دول الاتحاد، ولكن المفاوضات شهدت موقفا متشددا بعض الشيء من جانب التشيك.

ومن اكثر الاشياء التي نجح هافل في تحقيقها تقربه الى الولايات المتحدة وكسب ود واشنطن وثقتها في نفس الوقت الى درجة جعلت اميركا ودول حلف شمال الاطلسي «الناتو» يوافقون على انعقاد قمة الحلف الاخيرة لاول مرة داخل احدى دول المعسكر الشيوعي السابق (العدو السابق للحلف) وكان ذلك بمثابة اختبار صعب للتشيك ورئيسهم هافل، وحققا النجاح في ان مؤتمر القمة بسلام. ولعبت براغ دورا اساسيا خلال المناقشات للوصول الى صيغة قرارات ترضى عنها واشنطن وفي نفس الوقت يرضى عنها زملاؤها من دول حلف شمال الاطلسي.

وشارك ما يقرب من 100 شخص يمثلون أبرز المغنين والممثلين في تشيكوسلوفاكيا باحتفال الوداع الذي نُظم على شرف هافل يوم الخميس الماضي في المسرح الوطني ببراغ. وفي واحدة من المسرحيات الهزيلة القصيرة حاول الممثلون أن ينتخبوا هافل ملكا.

وبين الموسيقيين كانت هناك فرقة «بلاستك بيبل أوف ذا يونفيرس» التي وقف هافل ضد محاكمتها في فترة السبعينات التي تعد من أكثر الفترات تصادما بين المنشقين والسلطات الشيوعية آنذاك. ومع تأدية أغانيهم بدا الرئيس هافل في حالة شعورية منفعلة.

ويعد هافل آخر من يترك المكتب الرسمي من بين المنشقين البارزين في فترة الثمانينات والذين شاركوا في إسقاط الأنظمة الشيوعية، ثم تمكنوا من الوصول إلى السلطة في دول أوروبا الشرقية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي. فهناك ليخ فاليسا عامل بناء السفن الذي رأس اتحاد «التضامن» البولندية ثم انتخب لاحقا رئيسا للجمهورية. ولعب هافل دورا فعالا أولا كمثقف رومانسي يقدم دعما معنويا وأخلاقيا أكثر من أن يكون منظما أو قائدا لحركة سياسية ما.

وقالت يرينا سيكلوفا عالمة الاجتماع في جامعة تشارلز ببراغ: «لم يكن أبدا سياسيا مثل فاليسا». بدلا من ذلك كان هافل «المثقف الفعال» مع موقف انشقاقي وعلاقات دولية واسعة.

وفي محاولة لإيجاد رئيس بديل عن هافل فشل البرلمان التشيكي مرتين في اختيار بديل عنه ليحتل الموقع الرئاسي الذي أصبح يمتلك طابعا عاطفيا قويا. إذ بفضل هافل الذي يحتل موقعا عالميا مهما امتلك هذا المنصب قدرة استثنائية على التأثير من خلال قوة الكلمات وقوة المثل الأعلى الذي كان هافل يجسده في حياته. وللكاتب المسرحي هافل دور في إخراج بلاده من حلف وارسو وإدخاله إلى الناتو. كذلك نجح هافل في الحصول على دعوة بلاده للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في السنة المقبلة.

وسيستمر البلد بدون رئيس جمهورية لفترة معينة حتى يتم اختيار بديل له بواسطة البرلمان التشيكي أو إذا كان ذلك متعذرا فقد يتم بواسطة الشعب مباشرة. وفي حال غياب رئيس تكون المسؤوليات موزعة بين رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب.

وقالت سيكلوفا: «الآن تبحث أحزابنا السياسية عن شخصية مقبولة من الجميع. وهذا يعني أن الرئيس الجديد سيكون شخصا متوسطا، لذلك سيكون صعبا على الرئيس الجديد أن يؤدي مهامه عندما تتم المقارنة بينه وبين هافل.

بعد قيادته لـ«ثورة الحرير» التي جرت سنة 1989 والتي تم التحول بفضلها نحو الديمقراطية بطريق سلمي، عمل هافل كرئيس لتشيكوسلوفاكيا من ديسمبر (كانون الاول) عام 1989 إلى يوليو (تموز) عام 1992 ثم رئيسا لجمهورية التشيك منذ عام 1993، وحسب القانون التشيكي يستطيع أن يبقى في منصبه لفترتين فقط كل منها تبلغ خمسة أعوام.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»