وفدان أميركي وإيراني بحثا سرا في أوروبا دور طهران في الحرب المحتملة ضد العراق

واشنطن طلبت من الإيرانيين عدم التدخل في الشؤون العراقية أثناء الحرب ومنع عبور أعوان صدام الحدود وتقديم تسهيلات إنسانية

TT

أفاد مسؤولون اميركيون بأن ممثلين عن ادارة الرئيس الأميركي جورج بوش عقدوا اجتماعا نادرا مع وفد ايراني في اوروبا الشهر الماضي بغرض الحصول على وعود بمساعدات انسانية وعلى تأكيدات بان ايران لن تتدخل في مجرى العمليات العسكرية اذا قررت الولايات المتحدة اعلان الحرب على العراق. وقال هؤلاء المسؤولون ان الدبلوماسيين الاميركيين كانوا مزودين بتعليمات دقيقة، وانهم طلبوا من ايران المشاركة في عمليات البحث والانقاذ للطيارين الاميركيين الذين تسقط طائراتهم. كما طلبوا من الحكومة الايرانية عدم ايواء المسؤولين العراقيين الهاربين الذين قد يجتازون الحدود الايرانية ويحاولون التجمع لمحاربة الحكومة العراقية الجديدة التي ستقوم بدعم من الولايات المتحدة.

وقال مسؤول كبير في ادارة بوش ان البيت الابيض يأمل الا يقف الايرانيون حجر عثرة في حالة اسقاط القوات الاميركية نظام صدام حسين وتنصيبها حكومة موالية للغرب. ويقول المسؤولون التابعون للامم المتحدة، ويوافقهم المسؤولون الاميركيون على هذا، ان اشارات مشجعة صدرت عن طهران رغم اعلان الحكومة الايرانية أنها تعارض الحرب. وتدل هذه الانعطافة باتجاه ايران، بعد ان اضافها الرئيس بوش الى ما سماه «محور الشر»، على حجم الجهود التي تبذلها الادارة لحشد التأييد في منطقة الخليج لصالح حرب ضد العراق بات شنها امرا راجحا. ومع ان بوش ادان السياسات التي تتبعها حكومة طهران، الا انه يريد مع ذلك ان يضمن تعاونها بعد ان توصل مع جارتي العراق: تركيا والاردن، الى اتفاقات بالتعاون.

في زيارته الى لندن هذا الاسبوع، قال وزير الخارجية كمال خرازي، ان الحرب مع العراق ستكون لها آثار في ايران. ولكنه قال ايضا ان ايران مستعدة لاستقبال اللاجئين العراقيين والسماح لهم بالاقامة مؤقتا على الحدود مع العراق. وقد عرضت ايران، اثناء الحملة الاميركية على افغانستان، الجارة الشرقية لايران، المشاركة في عمليات البحث والانقاذ المتعلقة بالجنود الاميركيين. وقال خرازي: «ايران تقف ضد الحرب، ولن تنحاز الى أي من الطرفين».

وليس سرا ان ايران لا تكن أي ود لصدام حسين الذي شن حربا قاسية ضدها في الثمانينات وسط مزاعم انه استخدم الغازات السامة ضد مواطنيها. ولكن مع ذلك فان لايران شكوكا عميقة حول امكانية قيام حكومة مجاورة تدعمها الولايات المتحدة، خاصة انه قبل اقل من عام قامت حكومة في افغانستان تدعمها الولايات المتحدة بعد سقوط حكومة طالبان الاصولية.

ويقول المحللون ان ايران لديها مصالح حيوية في ما سيجري بالعراق بعد الحرب. فقد ظلت طهران تدعم المهاجرين الشيعة العراقيين الذين يطمعون في الاستيلاء على السلطة في حالة سقوط صدام حسين. ويقول المحللون ان ايران لن تقوم بدور نشط اثناء الصراع المسلح، ولكنها ستحاول تقوية نفوذها فيما بعد، خاصة في مناطق الشيعة العراقيين بالجنوب وفي اوساط الحكومة المركزية. وكما عبر عن الوضع مسؤول اميركي، فان الايرانيين «لا يريدون ان يحرموا انفسهم من الكعكة».

وفي تطور آخر، بدأت ادارة بوش إخطار المنظمات الانسانية في الاراضي الاميركية، بأنها ستحصل على تصاريح تسمح لهذه المنظمات بممارسة نشاطاتها بايران وشمال العراق. وقال ممثلون لهذه المنظمات وناطقون باسم الحكومة الاميركية، ان هذه المجموعات ستجري مسحا وتقديرات لاحتياجات المواطنين المحتملة وتوفر المواد لتكون جاهزة عند الحاجة. وقد ظلت هذه المنظمات تمارس ضغوطا على الحكومة خلال الاشهر الماضية لتسهيل اصدار هذه التصاريح. وتنبع اهمية الحصول على التصاريح من حقيقة ان هناك مقاطعة اقتصادية ضد كل من العراق وايران. ومع ان المنظمات عبرت عن ارتياحها لهذه الاخبار، الا انها عبرت كذلك عن الضيق لان الوقت لم يعد يتسع لوضع خطة طوارئ في منطقة تقل نسبيا المنظمات الانسانية التي تعمل فيها.

ظلت علاقات اميركا بايران متوترة منذ 25 سنة، ولكنها ساءت بصورة حادة عندما ضم بوش ايران الى العراق وكوريا الشمالية في خطابه الشهير حول «محور الشر» في يناير (كانون الثاني) .2002 وفي اواخر العام الماضي اصدر بوش تصريحا وجه فيه انتقادات حادة لقيادة ايران المحافظة، بينما اشاد بحركة الاحتجاج المطالبة بالديمقراطية.

وفي خطابه عن حالة الاتحاد الشهر الماضي، قال بوش ان الحكومة الايرانية «تضطهد شعبها، وتحاول الحصول على اسلحة الدمار الشامل وتدعم الارهاب».

ومع ذلك فان المسؤولين الاميركيين قرروا عدم تجاهل ايران في التحضيرات للحرب المحتملة مع العراق، خاصة ان حدودهما المشتركة تبلغ 904 أميال. وعندما طلب المسؤولون الاميركيون درجة من درجات المساعدة، فانهم اكدوا للايرانيين ان الاعمال العسكرية الرامية للسيطرة على بغداد لن تستهدفهم ابدا. وقد صرح بذلك مسؤول اميركي على علم بما دار في اجتماع الشهر الماضي. وقد تزامن الاجتماع المذكور، والذي شارك فيه مسؤولان اميركيان على معرفة عميقة بسياسات المنطقة وتاريخها، مع تجمع اكبر حول مستقبل افغانستان وضم كذلك وفدين، اميركياً وايرانياً. ولم يكشف عن البلد الذي انعقد فيه هذا التجمع الكبير، كما ان اسماء اعضاء الوفد الاميركي لم يكشف عنها. وقال المسؤول الاميركي: «أردنا ان نوضح لهم أننا كما تعاونا معهم في افغانستان، فاننا سنتعاون معهم في العراق. واننا قادرون وراغبون على التعاون في العراق». واضاف المسؤول ان الادارة والايرانيين ظلوا يجرون اتصالات منتظمة، ببعضهم البعض من خلال وسطاء في اوروبا ومنطقة الخليج.

وسعيا منها لتعزيز تعهداتها باقامة حكومة منتخبة ديمقراطيا في العراق، ركزت الادارة الأميركية على قبولها بقادة المنظمات الشيعية المقيمين في ايران، ضمن المعارضة العراقية. وأشارت تحديدا الى ان اعضاء المجلس الاعلى للثورة الاسلامية، الذين تتلقى ميليشياتهم التدريب في ايران، قد استقبلوا في واشنطن، العام الماضي، مع ممثلي الفصائل العراقية المعارضة الاخرى.

ومن جهة اخرى كان المبعوث الاميركي زلماي خليل زاد، يبذل كل ما يستطيع من جهد لطمأنة الاكراد العراقيين بأن القوات التركية التي تعبر الى منطقتهم ستكون تحت القيادة الاميركية وانها لن تمثل أي خطر بالنسبة لهم. وتخشى المجموعات الكردية ان تحاول القوات التركية احتلال اقليمهم، كما تخشى الحكومة التركية ان يبادر الاكراد باحتلال المناطق الغنية بالنفط او اقامة دولة ذات حكم ذاتي.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»