بونا ملوال وزير الإعلام السوداني السابق: العرب منحازون للشمال كأنما الجنوب بلا بشر

قال لـ«الشرق الأوسط»: كنا في عهد الاستعمار مواطنين «درجة ثانية» أما الآن فنحن «درجة رابعة»

TT

يعد بونا ملوال احد ابرز القياديين الجنوبيين ومن اكثرهم تقلدا لمناصب وزارية رفيعة في السودان، خاصة في عهد الرئيس الاسبق جعفر النميري، وعرف كوزير للاعلام لاطول مدة. ورغم انه من قبيلة الدينكا اكبر قبائل الجنوب (ينتمي اليها جون قرنق) الا انه لم يلتحق بالحركة الشعبية التي يقودها قرنق منذ تأسيسها في عام 1983، بل كانت له اراء حادة ضدها. وفي حواره مع «الشرق الأوسط»، اتهم ملوال الذي يقيم حاليا في لندن، الخرطوم وحركة قرنق بانهما غير جادتين في تحقيق السلام في السودان، كما انتقد الدول العربية قائلا انها تتحدث عن السودان العربي المسلم وكأنما الجنوب بلا بشر. وأبان ان «العرب منحازون للشمال، وينادون بوحدة التراب السوداني دون اعتبار للجنوبيين»، مشيرا الى ان «توقيت المساهمة العربية للتنمية في الجنوب يدفع للتشكيك في نياتهم»، واوضح ان الحديث عن المبادرة المشتركة (المصرية ـ الليبية) محاولة عربية لجعل حل قضية السودان عربياً وليس افريقياً. وعن وضع الجنوبيين في السودان قال «كنا في عهد الاستعمار مواطنين من الدرجة الثانية اما الان فنحن مواطنون درجة رابعة».

* كيف تنظر الى مفاوضات ماشاكوس وما توصلت اليه حتى الان؟

ـ المفاوضات في بداياتها، وقد استبشرنا خيرا لدى الوصول الى الاتفاق الطارئ في يوليو (تموز) الماضي والذي أمن من قبل الجانبين، الحكومة والحركة، على مبدأ تقرير المصير للجنوب. ولكن هذا الاتفاق احدث توترا في العالم العربي، ودفع الحكومة لمحاولة الخروج من المفاوضات، وبكل اسف فان الحركة بدورها اعطت لها الفرصة عندما هاجمت توريت في الاستوائية واحتلتها، فصعدت الحكومة العمليات العسكرية، ثم تطور الموقف الى عدائيات من الجانبين مما اعطى التفسير بأن الحكومة والحركة غير جادتين، وانهما لا تهتمان بعملية السلام.

* ألا يعني استئناف المفاوضات في ماشاكوس مرة اخرى الحرص على الوصول لاتفاق السلام؟

ـ ان استئناف المفاوضات امر مشجع، ولكن الحكومة اقرت اخيرا ميزانية حرب، والحركة الشعبية ترفع شعار السودان الحديد، والسودان الجديد لا يمكن بلوغه الا عن طرق احتلال السودان كله.

* كيف تنظر لموقف العرب من مفاوضات ماشاكوس؟

ـ العرب لا يعرفون السودان، انهم يتحدثون عن السودان العربي المسلم، وعن وحدة التراب السوداني، وكأن الجنوب بلا بشر. انهم يخشون مسألة مبدأ تقرير المصير، وخشيتهم ان يفضي الاستفتاء في حالة الوصول الى اتفاق سلام الى انفصال، ونحن في الجنوب كنا مع وحدة السودان، وقلنا انه بوجود الادارة البريطانية، كنا مواطنين درجة ثانية، ولكن بعد الاستقلال اصبحنا مواطنين درجة رابعة، فالعربي المسلم درجة اولى والمسلم غير العربي درجة ثانية، والجنسيات الاخرى درجة ثالثة والجنوبي درجة رابعة.

* ولكن الا تعتقد ان الدول العربية والجامعة العربية تحركت بشكل ايجابي للمساهمة ودعم التنمية في الجنوب لدى تحقيق السلام؟

ـ هذه الدعوة غير جادة ومشكوك في مصداقيتها لانها مرتبطة بالدعوة للوحدة. دعنا نكون صريحين: اين كان العرب خلال الثلاثين سنة الماضية؟ لماذا لم يقدموا دعمهم المالي والاقتصادي لتعمير وتنمية الجنوب؟ لو انهم فعلوا ذلك لما آلت اوضاع الخراب والسوء في الجنوب الى هذا الحال المتردي، لو انهم جاءوا في وقتها للتنمية والتعمير في الجنوب وخاصة في التنمية الزراعية لتغيرت الاوضاع كلها ولحدثت الطفرة وتطور الجنوب والشمال معا، ولكن ذلك لم يحدث، مما دفع الى بروز مسألة مبدأ تقرير المصير في ظل اوضاع صعبة ومعقدة.

ومع ذلك يجب الاعتراف لدولة الكويت انها سارعت بعد اتفاقية السلام عام 1972 الى معاونة الجنوب بتنفيذ مشروعات تنموية وتعميرية.

* ولكن ألا يدل تحرك الجامعة العربية ودعوتها وانشاؤها لصندوق تنمية الجنوب على الجدية؟

ـ دعوة الجامعة ليست جادة. أليس امينها العام هو عمرو موسى الذي كان قبل عام وزير خارجية مصر. ان التدخل العربي عبر التنمية مشكوك في نياته لانه مرتبط بالدعوة للوحدة، وعلى اي حال يمكن القول اننا نرحب بالمساهمة العربية لتنمية الجنوب، والشيء الذي يأتي متأخرا افضل من لا شيء.

* ألم تقم مصر في اعقاب اتفاقية السلام 1972 بتقديم مساعدات واسعة بما فيها المشاركة في تنفيذ مشروع قناة جونقلي؟

ـ ان مصر اسهمت بحق في تعليم ابناء الجنوب، وهو موضع التقدير لان التعليم يشكل العنصر الحيوي في تطور الجنوب، فعندما وقعت اتفاقية السلام عام 1972، كنا بحاجة ماسة الى ادخال 500 طالب الى الجامعة ليصبحوا مؤهلين للعمل في الجنوب، ولكن جامعة الخرطوم اشترطت المؤهل العلمي لدخولهم، وطلب مني الرئيس جعفر نميري، وكنت وقتها وزيرا في الحكومة المركزية ان اتوجه الى مصر للقاء الرئيس انور السادات للمعاونة في تعليم الطلاب الجنوبيين في جامعات مصر، وقد قابلته بالفعل وقد امن السادات على اهمية التعليم لانه اذا لم تتوافر الكوادر الجنوبية المتعلمة فان اتفاقية السلام تصبح غير ذات جدوى، ووجه في الحال وزير التعليم في مصر بقبول 1500 طالب جنوبي في جامعات ومعاهد مصر الى جانب استيعاب 500 كل عام، فهذا موقف مشهود يصعب اغفاله.

اما بالنسبة لمياه النيل، فنحن مختلفون مع مصر، لاننا بدورنا نريد الانتفاع من مياه النيل، ومشروع جونقلي فكرة قديمة جاء بها الانجليز، ثم حكم الفريق ابراهيم عبود ثم طوى ملفه، ولكن حكومة الاقليم الجنوبي برئاسة ابيل الير وافقت على مشروع جونقلي الذي يشق قناة طولها 230 كيلومترا، والمياه في هذه المنطقة لا تأتي من انهار وانما من امطار الجنوب، والاهالي يعيشون في هذه المنطقة على رعي الابقار وصيد السمك، وتنفيذ المشروع يؤدي الى تجفيف المنطقة، ويفضي الى حرمان الجنوبيين من السمك والرعي، ولذلك خرجت مظاهرات الطلاب ضد تنفيذ مشروع قناة جونقلي، وضد حكومة الجنوب وقد قتل 4 طلاب في هذه المظاهرات عام 1974، ثم بعد ذلك تبنته الحكومة المركزية مع مصر باعتباره يزيد حصة المياه لمصر بعد ان قال الخبراء ان الجفاف لن يحدث وانه يمكن تطوير المنطقة لصالح السكان، وعندما بدأت الحرب عام 1983 اوقفت الحركة الشعبية العمل في المشروع.

* كيف تنظر الى ما اثير في مسألة تقاسم السلطة والثروة ووضع العاصمة من مفاوضات ماشاكوس؟

ـ ان الطريقة التي تتبعها الحكومة والحركة الشعبية في المفاوضات تتسم بالتشدد، وتغيب عنها النية الحسنة. ان الجانبين غير جادين لان طرح كل منهما غير معقول، فلماذا اثير وضع العاصمة اصلا بين الطرفين؟ ان عدم المعقولية في التفاوض سيؤدي الى الحل الخارجي، لان الحرب لن تستمر الى ما لا نهاية.

* من سيفرض الحل الخارجي اذا تعذر الوصول الى اتفاق بين الطرفين؟

ـ اميركا واوروبا ظلتا تدفعان على مدار الفترة الاخيرة 300 مليون دولار سنويا لاغاثة الذين تضرروا من الحرب، وكذلك فان دول الجوار تعتبر نفسها متضررة من الحرب، كما ان الولايات المتحدة بوجه خاص ترى في حرب الجنوب كارثة انسانية، وان الحرب قرين الارهاب او انها تخلق مناخ الارهاب وهي الان تحارب بكل قوتها الارهاب، كما ان الولايات المتحدة هي التي اكتشفت البترول وحفرت اباره ولا يمكن ان تقبل ان يستخرجه غيرها. وهذه العوامل القوية ستكون وراء فرض سلام مقبول.

* كيف ترى الوضع بالنسبة للجيش من مفاوضات ماشاكوس؟

ـ اثارة موضوع الجيش تعكس عدم الجدية، فلماذا يثار وضعه طالما السودان دولة واحدة؟ ولكن يمكن تناوله طبقا لما يحدث بعد ست سنوات، والمطلوب الان تقليص اعداد الجيش السوداني وجيش الحركة لتقليل النفقات.

* وماذا بالنسبة للمحافظة على الاوضاع الامنية في الفترة الانتقالية؟

ـ الجنوبيون في حالة الوصول الى اتفاق سلام لن يقبلوا بوجود امن شمالي في الجنوب، يجب ان يكون الامن الداخلي بأيدي الجنوبيين انفسهم 100 في المائة.

* هل تعتقد ان واشنطن مع وحدة السودان؟

ـ واشنطن تريد وحدة السودان وحكما ديمقراطيا ومشاركة بين الشماليين والجنوبيين، وكذلك المجموعة الاوروبية والافريقية تأخذان ذات الاتجاه.

* هل الخيار الغالب بالنسبة للجنوبيين الوحدة ام الانفصال؟

ـ اذا كان الجنوبيون يريدون الانفصال فلماذا قبلوا بفترة انتقالية تستمر 6 سنوات، ان حديث ابيل الير نائب رئيس الجمهورية السابق ورئيس اول حكومة للجنوب بان الفترة الانتقالية ستكون المحك لموقف الجنوبيين من الوحدة او الانفصال ينبغي ان يتمعن فيه الشماليون جيدا، وان ينظروا الى الامر مليا، ويجب ان يعترفوا بأن ما وصلت اليه الامور في الجنوب يشكل لوما لهم. الطريقة التي سيتعاملون بها مع الجنوبيين ستتحدد بعد الفترة الانتقالية، والتصويت للوحدة ام للانفصال.

* هل تعتقد بأهمية مشاركة كافة القوى السياسية في الحل الشامل والسلام العادل؟

ـ ان المشاركة في موضوع السلام مهمة وضرورية، ولكن لا بد ان تكون المفاوضات قاصرة على الجانبين، الحكومة والحركة، ويمكن خلال الـ 6 اشهر التي تسبق الحكم الانتقالي عقد مؤتمر سياسي شامل للتداول حول الاتفاقية لابداء رأيهم فيها. ان الحكومة لا تمثل كل الشمال، وكذلك الحركة الشعبية، وقد اظهرت دراسة لباحث جنوبي بوجود 19 فصيلا يحمل السلاح في الجنوب وليست لهم صلة بالحركة فاذا لم يشرك هؤلاء فانهم سيستمرون في الحرب.

* هل قانون السلام الاميركي سيكون عنصرا للضغط على الحكومة وحدها في مفاوضات السلام؟

ـ واشنطن حملت على الحكومة وحدها اكثر من الحركة لان الحكومة هي الجانب الذي يملك تقديم تنازلات، والحركة ليس لديها ما تقدمه وهي تقول انها مع الوحدة ولكن قانون السلام الاميركي لا يعترف بشعار الحركة الخاص بالسودان الجديد وانما يعترف بالحكومة القائمة.

قانون السلام الاميركي، حسب تقديري، المقصود من ورائه دفع عملية السلام الى الامام.