رحيل فتحي الديب أحد مؤسسي المخابرات المصرية ومهندس علاقات مصر العربية بعد ثورة يوليو

TT

في هدوء وبلا صخب إعلامي، وعن عمر يناهز الثمانين عاما، توفى في القاهرة أول من أمس فتحي الديب أحد ابرز مؤسسي جهاز المخابرات العامة المصرية، ومهندس علاقات ثورة 23 يوليو (تموز) مع العالم العربي، وأغفلت الصحف القاهرية نشر نبأ رحيل الديب، ولم تنشر صحيفة «الأهرام» في صفحة وفياتها الشهيرة أي تنويه إلى وفاة الرجل الذي كان مسؤولا لعقدين كاملين من الزمن عن الاتصالات والعلاقات بين مصر والعالم العربي في مجال الأمن والاستخبارات.

لكن الرئيس المصري حسنى مبارك أوفد مبعوثا رئاسيا نيابة عنه للتعزية في وفاة الرجل الذي دفن في مقابر أسرته بمنطقة القاهرة القديمة، بينما تلقى أفراد عائلته العزاء فيه في المسجد الملحق بالكلية الحربية بضاحية مصر الجديدة.

وكان لافتا للانتباه أن عددا من الدبلوماسيين العرب يتقدمهم سليمان الشيخ سفير الجزائر في القاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية قد حرصوا على المشاركة في تقديم واجب العزاء لأسرة الفقيد.

وبدأت علاقة محمد فتحي إبراهيم الديب بثورة يوليو عندما جنده محركها الرئيسي جمال عبد الناصر ضمن تنظيم الضباط الأحرار، الذي قضى فجر الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 على نظام حكم الملك فاروق آخر سلالة الضابط الالباني محمد على.

واشتهر الديب كضابط في سلاح المظلات بالانضباط والدقة، وهى مقومات دفعت عبد الناصر بعد بضعة أشهر فقط على قيام الثورة إلى اختياره ضمن مجموعة مكونة من عشرة ضباط برئاسة زكريا محيى الدين مكلفة بإنشاء أول جهاز مخابرات حقيقي وحديث لمصر بعد زوال أجهزة الأمن السرية التابعة للعهد الملكي البائد.

ووقع اختيار الديب على الشؤون العربية لكي يكرس لها حياته السياسية والأمنية الحافلة بالعديد من الإنجازات، حيث أنشأ قسم الشؤون العربية لأول مرة بجهاز المخابرات العامة المصرية،وكان صاحب اقتراح إنشاء إذاعة صوت العرب الشهيرة التي استخدمها عبد الناصر في مخاطبة الرأي العام العربي بشكل موسع.

وفى تمام الساعة السادسة من مساء الرابع من شهر يوليو عام 1953 كان الديب في انتظار أول بث إذاعي لصوت العرب، ويصف هذه اللحظة بأنها «كانت رهيبة، وانتابني القلق والاضطراب على غير عادتي في مواجهة الصعاب، ولا شك أن تعليل ذلك كما حاورت نفسي فيما بعد راجع إلى أنها تجربة لها خطورتها وأهميتها، وحان الوقت واستمعت إلي دقات قلبي في أذني، وبدأ صوت العرب يرى النور على الهواء».

وبدأ الديب نشاطه بإقامة علاقات مع اللاجئين العرب الذين كانوا يفدون بالعشرات إلى العاصمة المصرية، حيث كانت له اتصالات وطيدة مع اليمن والجزائر والجامعة العربية وهو أول من قدم الرئيس الجزائري الأسبق احمد بن بيلا إلي عبد الناصر في بداية الدعم المصري اللامحدود للثورة الجزائرية،ونضال الشعب الجزائري لنيل الاستقلال عن فرنسا.

وعندما قام الزعيم الليبي معمر القذافى ورفاقه في مجلس قيادة الثورة الليبية بثورتهم ضد نظام الملك السنوسى فى الأول من سبتمبر (أيلول) عام 1969 اختار عبد الناصر الديب على رأس فريق مصري تم إيفاده بشكل عاجل إلى طرابلس لحماية الثورة الليبية وترسيخ علاقاتها مع القاهرة.

وللراحل عدة كتب ضمنها تجربته السياسية والأمنية، أهمها «عبد الناصر وتحرير المشرق العربي»، الذي يتناول بالتفاصيل دور عبد الناصر في دعم حركات التحرر الوطني في شرق الوطن العربي، بالإضافة إلى كتاب بعنوان «عبد الناصر وثورة ليـبيا»، ونشر عام 1986 يروي فيه قصة الثورة الليبية من وجهة نظر المخابرات المصرية آنذاك، ودوره هو شخصيا ودور القيادة المصرية.

واختاره عبد الناصر ليكون حلقة الوصل مع طرابلس لمعرفته بليبيا والليبيين، علما بأنه اكتسب تلك المعرفة أثناء تكليفه بتولي الإشراف على علاقات الثوار الجزائريين بمصر، مما جعله يتصل بالحكومات الليبية المتعاقبة إبان العهد الملكي، وبالهيئات الشعبية التي كانت تعمل في مجال دعم الثورة الجزائرية.

وقبيل موت عبد الناصر في سبتمبر عام 1970 كلف الديب برئاسة الأمانة العامة للقيادة السياسية الموحدة بين مصر وسورية وليبيا والسودان. وهو مشروع كان قد بدأه عبد الناصر ولم يستكمله بسبب وفاته، والتي لم تكن نهاية المشروع فحسب بل ابتعاد الديب عن مراكز القرار بسبب خلافاته مع الرئيس الراحل أنور السادات، ولعب الديب أيضا دورا مؤثرا في فتح قنوات اتصال سرية بين عبد الناصر وآية الله الخمينى الذي سيقوم بقيادة الثورة على شاه إيران عام 1979.