في العراق.. يحبون أميركا ويكرهون بوش.. والكل على قناعة بأن الحرب تقترب لا محالة

رغم توزيع السلاح على المواطنين .. دبلوماسيون يتوقعون أن تقاتل قلة منهم دفاعا عن صدام

TT

قال طالب طب الأسنان العراقي أحمد غسا0ن، المعجب بإلفيس بريسلي وتوم هانكس، بلكنة أميركية انه قد يضطر الى مقاتلة الأميركيين دفاعا عن حياته. أما السكرتير الصحافي كاظم تايه الذي درس في الجامعة الأميركية بواشنطن فانه يحب ان يرسل أبناءه يوما ما الى الولايات المتحدة للدراسة بعد انتهاء الحرب. من جانبه، قال المهندس المتقاعد هيثم قاسم ان الحكومة الأميركية مصممة على شن حرب على العراق للسيطرة على سوق النفط العالمية وصرف الانتباه عن المشاكل الاقتصادية داخل الولايات المتحدة. وبعد مرور 12 سنة على العقوبات الدولية التي دعمتها الولايات المتحدة ومع الوصول الى حافة حرب اخرى، عبّر الكثير من العراقيين العاديين عن غضبهم على ادارة الرئيس جورج بوش لكنهم عبّروا في الوقت نفسه عن حبهم للكثير من الاشياء الأميركية. وهذا التمييز بين الحكومة الأميركية وشعبها او منتجاتها هو شيء عام في كل العالم العربي. مع ذلك فانه يبدو اكثر وضوحا لدى العراقيين الذين ربطوا بين معاناتهم اليومية والسياسة الأميركية. والعراقيون لم يشاهدوا الا القليل من الأميركيين منذ سنة 1991، ونتيجة لذلك فالعراق هو واحد من الامكنة القليلة في العالم التي لا يمكن معرفة الأميركيين بسرعة عن طريق ملامحهم ولكنتهم. ولا يكتشف العراقيون العاديون انهم يتكلمون مع أميركي الا بعد التحدث معه طويلا. وقالت طالبة اللغة الانجليزية بلسم عباس «اشعر بالغضب واحيانا بالخوف من قدوم الدبابات الأميركية. علينا ان ننقذ انفسنا. العراق بلد غني جدا، والعراقيون يريدون كل شيء وعليهم ان يقوموا بالدفاع عن بلدهم». ثم تداركت لتصحح انجليزيتها: «ليس عليهم ان يقوموا بذلك بل انهم سيقومون بذلك». لكنها حالما علمت أنني أميركية ارتفعت على وجهها المبقع بحب الشباب ابتسامة عريضة: «مرحبا بك، مرحبا بك». واستمرت بلسم عباس في حديثها واصفة كيف تقوم عائلتها حاليا بخزن الطعام والماء والتهيؤ لايجاد ملاذ في البيت حينما تبدأ الطائرات الأميركية بقصف بغداد، فمثل الكثير من سكان العاصمة العراقية لن تتوجه عائلتها الى أي من الملاجئ الـ34 الموجودة في بغداد لأن مئات من المدنيين قتِلوا في ملجأ العامرية حينما قصِف بقنبلة أميركية خلال حرب الخليج الثانية.

وتجدر الاشارة الى ان السفر الى العراق اصبح صعبا منذ عام 1990 مع القيود المفروضة على اعطاء تأشيرات الدخول ومع فرض العقوبات الاقتصادية عليه، بل ان الاجراءات الأمنية جعلت الذهاب اليه شبه مستحيل عن طريق ركوب طائرة ما والتوجه اليه. وهنا ترتفع صور صدام حسين على واجهات كل المباني الرسمية حيث تعكسه كنبوخذ نصَّر العصر الحديث. فعلى جدار مبنى وزارة العدل يظهر صدام رافعا ميزان العدالة، وعلى جدار وزارة الاسكان يحمل «مُسطِّرة» الاسمنت. اما على واجهة جامعة بغداد فيظهر بملابس التخرج الجامعية، بينما على جدار موقع عسكري يظهر بملابس عسكرية هذا الحضور الطاغي والقوي له تم فرضه عن طريق شبكات من المسؤولين العاملين في حزب البعث الحاكم ويظهرون دائما بملابس موحدة ذات لون زيتوني، ويعمل معهم جنبا الى جنب رجال الأمن الذين يبدون أنهم يفضلون ارتداء الستر السوداء على الملابس الرسمية.

من جانب آخر يتعين على الصحافيين الاجانب ان يكونوا برفقة «المشرفين» الذين يسميهم المسؤولون هنا بـ«الادلاء» حينما يريدون التكلم مع العراقيين، لذلك ليس ممكنا اجراء حديث سياسي مع أي منهم بغياب هؤلاء «المشرفين». ويعبّر السكان عن تأييد شامل للرئيس صدام حسين تحت ظروف كهذه، على الرغم من الاختلاف بدرجة الحماس من واحد الى آخر. ويبدو انهم يخافون من سلطته الحديدية القاسية لكنهم معجبون في الوقت نفسه بها فهم يعتبرون صدام الشخص الوحيد القادر على توحيد العراق تجاه الانقسامات الاثنية والقبلية والجيو سياسية، لكن العراقيين غير مقيدين في التعبير عن آرائهم تجاه الحكومة الأميركية، فمثلما هي الحال مع العراق الرسمي يعتبر العراقيون العاديون ادارة بوش مجموعة من مثيري الحروب. ولم يقم الاعلام الرسمي بنقل تفاصيل خطاب وزير الخارجية كولن باول الذي اقام فيه الحجة على ان العراق يخفي اسلحة الدمار الشامل. ومع ذلك فان العراقيين يؤمنون في كل الاحوال بأن وطنهم والولايات المتحدة سيدخلان في حرب ليس بسبب وجود أسلحة محظورة دوليا في العراق او بسبب اواصره مع تنظيم «القاعدة» بل بسبب الجشع الأميركي. ففي نظر العراقيين، تشكل الولايات المتحدة آخر البلدان الاستعمارية التي تشمل بريطانيا والامبراطورية العثمانية التي حكمت الشرق الأوسط لعدة قرون. وفي هذا الخصوص قال عدنان حسن، 32 سنة ، الذي يدير وكالة سفريات «اذا كان للعراق أسلحة دمار شامل مثلما يزعمون فان أميركا لن تقوم بمهاجمته. أميركا تريد قصف العراق لا بسبب الاسلحة بل بسبب النفط».

مع ذلك وبالرغم من تأكيدات من هذا النوع ـ ومن حقيقة كون اغلب العراقيين مسلحين ـ فإن الدبلوماسيين الغربيين يقولون انهم مقتنعون بعدم مشاركة المدنيين العراقيين في القتال دفاعا عن صدام حسين. بل يعتقد هؤلاء المبعوثون ان العراقيين سيجدون مخبأ لهم وسيحاولون الدفاع عن بيوتهم بانتظار وصول أخبار من سيكون منتصرا.

وحتى الآن يواصل العراقيون الذهاب الى أعمالهم بشكل طبيعي، وما زالت الشوارع تعيش ثقل حركة مرور السيارات في بغداد. وبالإمكان متابعة عمليات البيع والشراء في محلات التوابل حيث يظل الزبائن والباعة يتبادلون الأوراق النقدية الرخيصة الثمن على الرغم من طبع صور صدام حسين فوقها. وما زال الموظفون الحكوميون يخرجون من مكاتبهم ظهرا لتناول الغداء. وتستمر عمليات تبليط الشوارع والمشاريع العامة مثلما كانت في السابق بشكل طبيعي. لكن هناك حسا جماعيا بأن دقات الساعة تشير الى اقتراب بدء الحرب. وهناك توقعات بأن الجسور الرابطة بين ضفتي دجلة ومقرات الوزارات سيتم تفجيرها مرة اخرى مثلما جرى في حرب الخليج الثانية سنة 1991. كذلك يتوقع الكثير من الناس ظهور دبابات أميركية وهي تزحف فوق شوارع عريضة مثل شارعي السعدون وحيفا، وان الجنود سيخوضون معارك في الأزقة وبساتين النخيل المغبرَّة. كذلك هناك مخاوف من مسح أحياء كثيرة في بغداد ومقتل عدد كبير من المدنيين. ويرى تايه، السكرتير الصحافي، ان القوات الأميركية لن تكون قادرة على انتزاع بغداد من أيدي الجنود والميليشيا، وان الولايات المتحدة نسيت كيف تقاتل بعربات مصفحة ودبابات وليس لديها الاستعداد لتحمل وقوع خسائر بين صفوف جنودها لاحتلال بغداد.

=