جماعة «أنصار الإسلام» تفتح مقراتها أمام وسائل الإعلام: مسؤولو الحركة قلقون من هجوم أميركي وينفون صلتهم بابن لادن

TT

في محاولة غير متقنة ضمن نشاطات «العلاقات العامة» سمح مقاتلون يعلقون في أحزمتهم قنابل يدوية وعلى أكتافهم بنادق الكلاشنيكوف للصحافيين اول من امس بتفتيش مجمع واقع في شمال العراق كان كولن باول وزير الخارجية الأميركي قد حدده في خطابه الأسبوع الماضي في مجلس الأمن الدولي بأنه موقع لإنتاج اسلحة كيماوية وهؤلاء المقاتلون هم أعضاء في جماعة «أنصار الإسلام» وهم ينكرون اتهامات باول بأن لهذه المنظمة أواصر مع «القاعدة» وأن لديها معملا لإنتاج السموم ومعسكرا تدريبيا لمهاجمة أهداف غربية من قواعد منتشرة فوق الجبال المتربة ذات القمم المكللة بالثلوج. وقال أيوب خضر المتحدث باسم «أنصار الإسلام»: «يمكنكم أن تفتشوا كما يحلو لكم. ليس هناك أية كيماويات هنا».وتم نقل الصحافيين بشاحنة مثقبة بالرصاص إلى مرتفع جبلي حيث كان هناك قطيع من الخراف يرعى وحقول من الألغام. وفي ذلك الموقع كانت هناك مجموعة غير مكتملة من المباني، وهذا المجمع هو مكان إقامة «لواء النصر» الذي دخل في معارك كثيرة مع قوات كردية أخرى لإبقاء هذه المنطقة الواقعة على الحدود العراقية مع إيران تحت سيطرة «أنصار الإسلام وسُلطت الأضواء على هذا الموقع مع مقاتليه حينما تحدث كولن باول عن «أنصار الإسلام» لمجلس الأمن الدولي متهما هذه المنظمة بأن لها علاقة بتنظيم «القاعدة» وبصدام حسين. وقال باول إن هذه المنظمة بالتعاون مع بعض القادة الميدانيين في «القاعدة» تقوم بإنتاج سموم وإنها تقوم بتدريب الإرهابيين. وأثارت صورالتقطتها اقمار صناعية غضب جماعة «أنصار الإسلام» التي تعتقد أنها ستكون هدفا في حالة وقوع غزو أميركي للعراق. وأنكر مسؤولو «أنصار الإسلام» أية علاقة تجمعهم بتنظيم «القاعدة» أو أي بلد أجنبي بما فيه إيران. وعلى عكس المعلومات التي قدمتها أجهزة الاستخبارات الأميركية والكردية ينكر مسؤولو هذه المنظمة وجود أي عربي أو أفغاني بين قواتها التي يبلغ عددها بين 400 و700 مقاتل. مع ذلك كان بالإمكان سماع بعض مقاتلي «أنصار الإسلام» وهم يتحدثون بالعربية. وتجنب مسؤولو هذا التنظيم الأصولي المتشدد التحدث عن الفلسفة التي تلتزم بها منظمة «أنصار الإسلام» أو التحدث عن التمويل والتكتيكات التي تتبعها. وحينما سئلوا إن كانوا يحبون أسامة بن لادن قال أحد مقاتليهم: «نحن نحب كل المسلمين إنهم إخواننا وكان «أنصار الإسلام» قد نظموا سلسلة من الهجمات المروعة ومحاولات الاغتيال من معاقلها في شمال العراق المحمي من قوات صدام عبر سياسة فرض منطقة الحظر الجوي التي تشرف على تنفيذها الطائرات الأميركية والبريطانية. وهم في قتال مستمر مع قوات الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يحكم الجزء الشرقي من شمال العراق للسيطرة على ما يقرب من عشرة جبال. وعرضت منظمة «أنصار الإسلام» أفلام فيديو عن عمليات قتلها وتقطيعها للجنود الأكراد وأقسمت أنها ستخوض الجهاد ضد العالم العلمانيلكن هذه المنظمة قررت السبت الماضي أن تغير من تكتيكاتها. فبعد إجراء مداولات لبضع دقائق مع نقطة تفتيش لها دعا المقاتلون الصحافيين للدخول إلى المجمع ويمر الطريق الموصل إلى ذلك الموقع بعدة قمم جبلية حيث يجتاز مقبرة خاصة بمنظمة «أنصار الإسلام» وبوديان ذات سياجات مبنية من الصخر وخرائب قرى ومساجد دُمرت أثناء الحرب العراقية الإيرانية في فترة الثمانينات وبدا بعض المقاتلين الواقفين وراء الأسلاك الشائكة مندهشين جدا لرؤية الصحافيين أمامهم. وقدمت الزيارة للصحافيين لمسة سريعة لحياة المنظمة التي عُرف عنها بالسرية والقسوة الشديدة منذ إعلان تأسيسها سنة .2001 ولم يُسمح إلا لعدد قليل من المقاتلين بالتحدث إلى الصحافيين في الوقت الذي سُمح للآخيرين بالتجول بحرية في بعض المباني بينما كانت بعض المواقع مغلقة أمامهم.

ويمنح المجمع إحساسا بالعزلة مع اسطوانات الماء والفُرُش القابلة على الطي وحقائب الظهر المموِّهة ورماد القمامة المحترقة. وهناك علامات صغيرة على وجود حياة عائلية ما تتمثل بوجود حذاء أطفال من نوع الصندل وملابس نسائية موضوعة في ثلاجة مكسورة. وكانت بعض من الأرضيات مغطاة بكسر من أقراص مدمجة. وفي غرفة الفيديو كان هناك رف من الكاسيتات وكابلات وصندوق رابط لشبكة الكومبيوتر، وفي واحدة من أكبر غرف المجمع كان هناك استديو تلفزيوني مع مصابيح الهالوجين وكراس قابلة للانطباق.

وكانت قد مرت ثلاثة أيام منذ إلقاء باول لخطابه في مقر الأمم المتحدة فإذا كانت المنظمة متورطة في إنتاج العوامل الكيماوية مثل البيوتوكسين السام فإنه يكون بإمكانهم نقلها من هذا الموقع. مع ذلك لم يكن هناك أي آثار تشير إلى وجود أسلحة كيماوية أو أي آثار تشير إلى وجود أجهزة مختبرات أو أية إمكانيات تصنيعية. وقال ساريش إبراهيم المقاتل الذي تغطي ذقنه لحية أنيقة ويرتدي بنطلونا نظيفا: «نحن نرفض خطاب باول. هل تظنون أننا نستطيع إنتاج أسلحة كيماوية هنا؟ نحن هوجمنا بأسلحة صدام الكيماوية سنة 1988 هل تظنون أننا نريد تكرار ذلك ثانية؟ اهتمام الولايات المتحدة ينصب على احتلال العراق والحصول على نفطه». وأضاف ساريش إبراهيم: «نحن نتبع الرسول والقرآن». ثم حدث همس وراءه وبعد أن دعي إلى مصدر تلك الهمسات طُلب منه التوقف عن الحديث».

وفي استوديو التلفزيون ووسط قرقعة البنادق ووهج الأضواء بدا محمد حسن بثيابه الكردية التقليدية متهربا من الإجابة عن الكثير من الأسئلة. وحينما سئل عن معركة «أنصار الإسلام» مع سلطات الحكم الذاتي الكردية أجاب: «نحن نؤمن بأن الناس الخيِّرين يتغلبون دائما على السيئين». وقال حول ما تردد من مجمعه هو معمل لإنتاج السموم إنها «أكاذيب متداولة» ترددها الولايات المتحدة والزعماء الأكراد، بضمنهم جلال الطالباني رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني. وسأل احد الصحافيين عن سبب نشر صور للمقاتلين الأكراد بعد تشويه أجسادهم عبر الانترنت، ويبدو أن حسن شعر بالخوف على جهوده الهادفة لتحسين صورة منظمته وهذا ما دفعه إلى إيقاف المقابلة مع الصحافيين بعد 20 دقيقة فقط.

وظلت أجهزة الاستخبارات الأميركية تراقب مواقع «أنصار الإسلام» وتتنصت على اتصالات أعضائها لفترة طويلة. وقال علي بابير رئيس «حزب كوملي إسلامي» المقيم في قرية مجاورة لذلك المجمع إن جاسوسا كرديا قد أعطى المعلومات للولايات المتحدة في ما يتعلق بـ«أنصار الإسلام». وكانت إدارة بوش قد صرحت بأن «مركز إنتاج السموم والمتفجرات في سركت يشرف عليه أبو مصعب الزرقاوي أحد خبراء القاعدة» في ميدان الكيماويات. وقال كاتب إسلامي حول «أنصار الإسلام»: «إذا قامت الولايات المتحدة بقصفهم فإنها ستحولهم إلى أبطال في نظر المسلمين. وهذا سيزيد من عدد أعداء الولايات المتحدة».

وبعد قضاء ساعة في أبنية «أنصار الإسلام» تبدل المزاج العام. إذ راح المقاتلون يوبخون المصورين لذهابهم إلى الأمكنة التي لم يكن مسموحا لهم بالوصول إليها. وقام أيوب خضر صاحب الجسم الضخم والعمامة ذات اللونين الأزرق والأسود واللحية الكبيرة بدعوة الصحافيين للاقتراب منه ومن مقاتليه المدججين بالسلاح. ثم قال للزوار إنهم تمكنوا من زيارة المجمع وإنهم فهموا الآن أن ملاحظات باول لم تكن سوى أكاذيب. بعد ذلك ومع مقاتلين كانا يتحركان مع جهاز فيديو بالقرب من الصحافيين راح خضر يسألهم واحدا بعد واحد عما شاهدوه في ذلك الموقع. كانت الإجابات قصيرة ليبدأ الهبوط السريع لسفح الجبل الذي تقف فوقه قاعدة «أنصار الإسلام».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»