نقاشات الديوانيات الكويتية: الحرب والانتخابات والبورصة

TT

قال المحامي الكويتي فارس الحشار للحاضرين الخمسة والثلاثين المجتمعين في صالة غاصة بالكنبات المخملية ويغطي الرخام أرضيتها: «نحن نسير تجاه حرب وهذا ليس سرا وعلى مجلس الأمة ان يقرر أي دور سيلعبه بعد انتهاء هذه الحرب. والاكثر من ذلك ان هناك مقالة نُشرت اليوم تقول ان سوق البورصة سيتوقف عن العمل اثناء الحرب لذلك انتبهوا الى اموالكم». واشتكى حاضرون آخرون من ان أعضاء مجلس الأمة يغضون النظر عن تورط بعض أعضاء الحكومة في الفساد، وان الحكومة لا تخطط لسياستها النفطية بشكل مناسب. واثار تحذير الحشار حول البورصة مخاوف لدى الحاضرين حيث راح كل منهم يهمس في أذن جاره بينما طفح الغضب والتجهم على وجود الكثير منهم.

هذه هي الديوانية في احسن حالاتها حيث تتم اللقاءات مساء وتدور فيها أحاديث «القيل والقال» والنقاشات السياسية الساخنة واحتساء الشاي. وكل هذه النشاطات هي خصائص من حياة الرجال في منطقة «هدية» الراقية التي تقع في ضواحي مدينة الكويت. ففي شتى انحاء الكويت هناك الديوانيات الموجودة في ما يقرب من 3 آلاف بيت وخيمة وحديقة منزلية.

ولعبت الديوانية اثناء فترة الاحتلال العراقي للكويت في سنتي 1990 و1991 دورا مهما، اذ كانت المكان التقليدي الذي يعمل الناس فيه معا لمقاومة الاحتلال، اما الآن فهي عامل مساعد على تحقيق التغيير الديمقراطي، اذ فيها يحاول الليبراليون والاسلاميون ان يكسبوا المؤيدين استعدادا للانتخابات البرلمانية المتوقع اجراؤها هذه السنة. وتتميز الديوانية بكونها مكانا شبيها جزئيا بالنادي وشبيها جزئيا ايضا بهيئة نقاش، كذلك يمكن اعتبار الديوانية مؤسسة تعكس التراتب الاجتماعي.

فالرجال الاكثر ثراء او سلطة تتم دعوتهم الى ديوانيات الأمير او ولي العهد في القصور التي بنيت خصيصا لهذه المناسبات، حيث تُطرح المقترحات الحكومية على الحاضرين قبل ان تصبح قوانين. وظلت الديوانيات الى فترة قريبة مكانا خاصا بالرجال لكن عددا صغيرا من ديوانيات النساء بدأ بالظهور في الفترة الأخيرة في شتى انحاء الكويت.

في أمسية سابقة حضر لهذه الديوانية عدد من الأساتذة المتخصصين في العلوم الاجتماعية من جامعة الكويت اضافة الى حضور زعيم عمالي ومحام لنقاش دار حول كيفية عمل مجلس الأمة بعد مرور عقد على اعادة أمير الكويت للديمقراطية لبلاده حيث جرى تجميدها قبل هذا التاريخ مدة ست سنوات. كذلك دعي العديد من الصحافيين لتسجيل ملاحظات وكتابة محاضر تلك الجلسة.

ولعب محمد المري مدير «الهيئة العامة للشباب والرياضة» دورا مهدئا، اذ ظل يقوم بتلطيف الحجج المطروحة ضمن الخطابات ومقدما تفسيرا معتدلا لمضمونها بطريقة مهذبة. وبدأ الامسية بخطاب خاص به حيث دعا فيه الى الوحدة في مجتمع يتميز بالتعدد الاثني مثل الكويت. وقال المري: «بعث صدام قبل فترة قصيرة برسالة اعتبرها اعتذارا. نحن نريد ان نؤكد اننا وراء حكومتنا ووراء العائلة المالكة. ونحن كشعب ندين هذه الرسالة ونطالب بأن يطلق النظام العراقي أسرانا، وهذا التجمع هو مؤشر على ديمقراطيتنا وعلى ضمان حقنا في التعبير الحر».

بعد ذلك الخطاب دار نقاش عاصف حقا بالنسبة لمجتمع مهذب كالمجتمع الكويتي. فعلي الزعبي البروفيسور في جامعة الكويت أدان بشدة مجلس الأمة قائلا انه ليس سوى جمعية مناقشات تُطرح فيها اسئلة عن فساد وعجز بعض الوزراء ثم يتم التغاضي عن الحلول المقترحة. وقال الزعبي ان «هناك فرقا بين الحياة البرلمانية والحياة الديمقراطية. فالمشرعون يعملون وفق منهاج سياسي لكنهم يهملون جوانب الديمقراطية الاخرى مثل التعليم والضمان الاجتماعي... نحن بحاجة إلى عقول جديدة وافكار جديدة. نحن ضحايا نمط حياة يتميز بالتبذير».

اما فهد المكرد ـ وهو أستاذ ايضا في جامعة الكويت فشكا من السلبية المزمنة للجان البرلمانية. وقال المكرد ان «اللجنة المشرفة على الصحة لم تقدم اقتراحا واحدا للحكومة منذ سنة 1991 اما اللجنة المسؤولة عن العلاقات الخارجية فأعطت الحكومة صلاحيات مطلقة». لكن المحامي الحشار لم يوافق على ذلك لأن «مجلس الأمة حقق اشياء ايجابية كثيرة للبلد مثل فصل الذكور عن الاناث في المدارس والجامعات».

ووافق الجميع على ان التصويت مهم جدا وانه بالامكان أن يصبح مجلس الأمة في الاخير تعبيرا حقيقيا عن الشعب. ثم كان هناك وقت لكل شخص كي يغتسلوا وينزعوا احذيتهم ويذهبوا الى غرفة اخرى تقع في القبو كي يشتركوا في مأدبة مفتوحة تضم المأكولات والحلويات المختلفة. ثم جاء وقت القيل والقال والصفقات التجارية وآنذاك كان بالامكان مشاهدة الصحافيين وهم يغادرون المكان بهدوء.

=