تعزيز القيود على الطائرات حول واشنطن مع تصاعد التحذيرات من هجمات انتقامية في حال اندلاع الحرب

TT

أعلنت السلطات الاميركية، انها ستبدأ اليوم تعزيز القيود على الطائرات الخاصة المحلقة حول العاصمة واشنطن، في الوقت الذي حذر فيه خبراء في مجال مكافحة الارهاب من قيام متعاطفين مع تنظيم «القاعدة»، مدفوعين بالحماس الديني، لشن هجمات مفاجئة انتقامية في حال وقوع حرب ضد العراق.

وكان وزير العدل الاميركي جون آشكروفت اصدر يوم الجمعة الماضي تحذيرا للاميركيين من ان تنظيم «القاعدة» ربما يشن تهديدات جديدة، واكد الوزير علناً ان تصاعد موجة نشاطات خلايا «القاعدة» في انحاء العالم لا علاقة له بتزايد احتمال المواجهة العسكرية مع العراق.

لكن سلطات مكافحة الارهاب الاميركية ونظيراتها الاجنبية اعربت، بشكل غير معلن، عن اعتقادها بوجود علاقة بين المسألتين، وان خلايا «القاعدة» تفكر في شن هجمات تستهدف الاميركيين وغيرهم من الغربيين، لاظهار تأييدها للعراق.

وتخشى هذه السلطات، استنادا الى تقارير استخباراتية حديثة، من تشكل جبهة مواجهة محتملة ثانية في الحرب ضد الارهاب، اذ قد يؤدي تنامي مشاعر الغضب تجاه الولايات المتحدة، حسب ما تطرحه هذه السلطات، الى قيام العديد من المسلمين، الذين قد لا تجمعهم روابط رسمية بمنظمات ارهابية، بشن هجمات متوقعة ردا على ما قد يعتبرونه اعتداءا على الاسلام.

وقال ماغنوس رانستروب، وهو مستشار في مجال مكافحة الارهاب لدى العديد من الحكومات الاوروبية «هناك هواة تحركهم الخطابات، وقد يقررون بانفسهم تنفيذ مهام ما والحاق الاذى باهداف غير محمية ترمز لكراهيتهم. والحظ وحده قد يساعد على وضع حد لهؤلاء البشر، كأن يلقى القبض عليهم في منطقة تخضع للمراقبة، لكن هناك من قد يتصرف تلقائيا متى ما اندلعت الحرب».

وعلق مصدر دبلوماسي رفيع المستوى ينتمي لاحدى اقرب الدول الحليفة للولايات المتحدة قائلاً «اننا نستعد بهذا الخصوص في اسرائيل والهند وتركيا والمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وماليزيا والفلبين. نحن نشعر بحتمية وقوع مثل هذه الهجمات، ونتصرف وفقا لمقتضياتها. سيستهدفون الاماكن غير المحمية، وعلى وجه الخصوص ذات العلاقة بالاميركيين».

وكان مسؤولون من الولايات المتحدة ودول اخرى قد تتبعوا في الآونة الاخيرة مؤشرات تدل على تصاعد حدة مشاعر االغضب في اوساط اصوليين اسلاميين. لكن هؤلاء المسؤولين اكدوا ان الغالبية العظمى من المسلمين، ورغم معارضتها للحشود العسكرية الاميركية المحيطة بالعراق، محبة للسلام وملتزمة بالقوانين.

لكن بعض الجهات قالت ان العديد من رجال الدين المسلمين باتوا يهاجمون الولايات المتحدة في العشرات من المساجد والمراكز الثقافية ومواقع التعليم، ويتوقعون ان هذه الحرب ستقضي على الابرياء من النساء والاطفال. وحسب هذه الجهات، فإن عددا كبيرا من رجال الدين دعوا الى ما يقترب من «حمل السلاح» معتبرين ان التدخل العسكري في العراق يعد الخطوة الاولى ضمن حملة اوسع تستهدف الاسلام.

واوضحت المصادر نفسها ان المعلومات الاستخباراتية تشير الى ان بعض اولئك يصفون الحرب المحتملة ضد العراق بالصراع ذي الابعاد الصليبية، مضيفة ان «اولئك قد يشعرون بان صراع الحضارات قد اندلع، بين اتباع المسيحية واليهودية من جهة واتباع الاسلام من جهة اخرى. وحينئذ قد تندلع موجة من اعمال الانتقام حيث يرغبون في استعراض قدرتهم على فعل شيء ما، اينما تسنى لهم ذلك».

لكن ايراهيم هوبر المتحدث باسم مجلس العلاقات الاسلامية الاميركية (كير)، وهو منظمة مركزها واشنطن وتعنى بالدفاع عن حقوق المسلمين في الولايات المتحدة، قال ان ردود الفعل قد تاتي من الطرف الآخر، مضيفا ان هذه المخاوف تنحصر بشكل غير عادل في المسلمين وتجعلهم عرضة للرقابة المشددة من الشرطة وربما لاعمال انتقامية يشنها ضدهم آخرون. واضاف هوبر «آمل ان تبدي السلطات المختصة نفس القلق بشان اثارة موجة غاضبة ضد المسلمين. فمع تركيزها على هذا النوع من المخاوف، يمكن ان تقع جرائم كراهية وتمييز. وهذا التركيز يقود الرأي العام لتقبل التمييز المقصود ضد المسلمين».

واعرب آخرون في اوساط الجالية المسلمة بالولايات المتحدة عن خشيتهم من ان يؤدي موقف ادارة الرئيس جورج بوش المتشدد ضد العراق الى تصعيد حدة التهديدات الارهابية. وقال شبلي تلحمي، المدرس بجامعة ميريلاند «يزدهر التطرف حيث ينعدم الاستقرار ويتسنى تجنيد من تتوفر لديهم القابلية. والحرب ضد العراق قد تؤدي الى مزيد من عدم الاستقرار ومزيد من اولئك الذين يمكن تجنيدهم».

ويبدو ان هناك بالفعل مؤشرات عامة على احتمال حدوث مشاكل بهذا الخصوص. فقد اصدر زعماء من تنظيم «القاعدة»، عبر وسائل اعلام عربية، رسائل مفادها انه من واجب جميع المسلمين مهاجمة الغربيين ردا على الحرب ضد العراق.

وكان وزير الداخلية الالماني اوتو شيلي بحث هذه القضية في واشنطن في الآونة الاخيرة عندما التقى بآشكروفت وبوزير الامن الداخلي توم ريدج وبغيرهما من المسؤولين الاميركيين. وخلال لقائه بالصحافيين، قال الوزير الالماني «اذا ما اندلعت الحرب، فقد تتصاعد حدة المشاعر» في اوساط ملايين المسلمين في اوروبا، و«بوضوح لا يمكن للمرء ان يستبعد التأكيد على الاجراءات الوقائية». وتابع الوزير «جزء كبير من الاجراءات يعتمد على ما اذا كانت الحرب المحتملة ستطول ام تكون قصيرة المدى، وايضاً على عدد ضحايا هذه الحرب من المدنيين. لكنها بطبيعة الحال مسألة تثير القلق».

وكانت السلطات الاميركية قالت اول من امس انها ستعزز القيود المفروضة على تحليق الطائرات الخاصة في نطاق 48 كيلومتراً حول العاصمة واشنطن. وحسب هذه القيوم، سيفرض، اعتباراً من اليوم الاثنين، على الطائرات الخاصة التي تحلق على ارتفاع يقل عن 18 الف قدم في نطاق منطقة تعزيز الامن تقديم مسار الرحلات للسلطات وابقاء اجهزة الاتصال اللاسلكي مفتوحة طول الوقت واستخدام اشارات تعريف خاصة. واعلنت هذه القيود الجديدة بعد يوم من اعلان السلطات رفع درجة حالة التأهب اثر تلقيها معلومات عن احتمال وقوع عمل ارهابي.

وكانت وزارة الخارجية الاميركية، قد نصحت جميع دبلوماسييها وافراد عائلتهم، باستثناء من يتوجب بقاؤهم، يوم الجمعة الماضي، بمغادرة اسرائيل والاردن وسورية ولبنان، مستندة في ذلك الى مشاعر العداء ضد اميركا على ما يبدو. وكانت الوزارة وجهت تحذيراً مشابهاً الشهر الماضي لمبعوثيها في الكويت والسعودية. وكانت الخارجية الاميركية وجهت ايضاً يوم الخميس الماضي توجيها الى الاميركيين في كل انحاء العالم تحذرهم فيه من احتمال تعرض الى اعتداءات ارهابية، ربما تستخدم فيها اسلحة كيماوية او بيولوجية.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»