ليبي رافق بن لادن لسنوات: تنظيم «القاعدة» أخطأ في حساب رد الفعل الأميركي على هجمات سبتمبر

نعمان بن عثمان ذكر لـ«الشرق الأوسط» أن بن لادن كان يقول: سأضرب أميركا ضربة تمكن الصين من احتلال تايوان

TT

أعرب اسلامي ليبي رافق أسامة بن لادن خلال سنوات الجهاد ضد القوات الروسية في افغانستان، عن اعتقاده بان التعاون الوحيد الذي قد يكون موجودا بين العراق وتنظيم «القاعدة» هو تمرير اسلحة تدميرية من الاول للثاني. ووصف نعمان بن عثمان «القاعدة» بأنها «تنظيم استشهادي انتحاري جميع عناصره مستعدون للانتقال الى الحياة الآخرة ومصرون على أخذ أكبر عدد ممكن من الاميركيين معهم». وكان الاسلامي الليبي الذي زار أفغانستان عدة مرات وتعرف عن قرب على بن لادن وايمن الظواهري ومحمد عاطف (أبو حفص الكومندان) وأبو عبيدة البنشيري. وأفاد الاسلامي الليبي الذي تعتبره المصادر البريطانية خبيرا في تاريخ الحركات الاصولية ان بن لادن كان يتميز بـ«كاريزما» خاصة». ووصف البنشيري (اسمه علي أمين الرشيدي وغرق منتصف التسعينات في بحيرة فيكتوريا قبالة السواحل الصومالية) بـ«المغناطيس» الذي كان يدور في فلكه ابناء الحركة الاصولية. جاء الحوار مع الاسلامي الليبي بن عثمان على النحو التالي:

* باعتبارك من المتابعين للشأن الأصولي، هل توافق على وجهة النظر القائلة بان «القاعدة» قد انتهت؟

ـ لا يمكن الاجابة على هذا التساؤل الا من خلال صورتين احداهما تقول نعم والاخرى تقول لا، ولا يعني هذا اننا نحاول الجمع بين المتناقضات.

* كيف تكون الاجابة بنعم ولا، ونحن نتحدث عن حرب ضد الارهاب ما زالت دائرة. السؤال المطروح هو الى اين وصل تنظيم «القاعدة» في هذا الصراع؟

ـ سأقول لك كيف تكون الاجابة بنعم ولا في نفس الوقت، ان تنظيم «القاعدة» تعرض لضربة غاية في القوة والخطورة بفعل المواجهة مع القوات الاميركية، ومن اهم الخسائر التي تعرض لها تنظيم «القاعدة» هي فقدان أفغانستان، وسقوط طالبان، وبذلك فقدت «القاعدة» أهم حليف كان يوفر لها المحيط الجغرافي لادارة نشاطها وبرامجها، حيث كانت افغانستان تمثل بالمفهوم العسكري مركز القيادة والتحكم بالنسبة لـ«القاعدة»، وهذا حاليا مفقود بشكل شبه تام. وما ترتب على ذلك من فقدان لعملية الاتصالات في مجالها الحيوي بين القيادة والافراد.

* لكن كيف تتأثر «القاعدة» بفقدان مجال الاتصالات، وهي اصلا تعتمد اسلوب اللامركزية المفرطة مع كل خلاياها وعناصرها؟

اللا مركزية تكون باعطاء أوامر مستديمة لمهاجمة عدد من الاهداف، في ظروف طبيعبة وبيئة ملائمة، كأن تكون الأوامر بقتل مواطن أميركي، أو مهاجمة اهداف غربية، ولكن عندما تكون المسألة متعلقة بادارة الصراع بشكل متكامل، فانه من الضروري ان تصل الرؤى والافكار، والاستراتيجيات التي ابتكرتها القيادة، الى باقي الافراد والخلايا حتى يتم انزال الخطط الى الميدان. والافراد كذلك في حاجة لأن يرفعوا تقاريرهم الى القيادة، ليوضحوا امكانياتهم وجاهزيتهم لتنفيذ الاوامر، وكذلك اقتراحاتهم، وهذا في تقديري ما تفتقده «القاعدة» حاليا.

* ما هي خسائر «القاعدة» الملموسة حتى الآن، من وجهة نظركم؟

ـ فقدت «القاعدة» أهم عناصرها البشرية عن طريق الاعتقال والقتل، وعلى رأسهم اهم شخصية عسكرية في التنظيم السري، وهو محمد عاطف (ابو حفص المصري) الذي قتل في الغارات الاميركية على قندهار في اكتوبر (تشرين الاول) 2001، خاصة ان حجم العناصر المنتمية رسمياً لتنظيم «القاعدة» لا يتجاوزون 300 أو 400 شخص، بغض النظر عن محاولات التضخيم الاعلامي من اجل تبرير نزول الولايات المتحدة في المعركة بكل ثقلها، وعلى مستوى التمويل تبدو هناك صعوبات حقيقية في ادارة المسائل المالية، وخاصة حركة الاموال من مكان الى آخر، بالاضافة الى خسائر معنوية ليست بالبسيطة وهي متمثلة في عدم القدرة على المحافظة على الدولة الافغانية، بالاضافة الى معركتي قندهار وتورا بورا، حيث لعب التخطيط العسكري المتواضع دورا كبيرا في الحاق خسائر فادحة بالمقاتلين العرب. ويمكن القول ان تنظيم «القاعدة» لم يكن مستعدا لهذه المعركة على الاطلاق، بل ان قيادات التنظيم حسب المصادر المقربة من بن لادن، كانوا حتى آخر لحظة بعد عمليات سبتمبر (ايلول) يعتقدون ان اميركا لن تدخل الى افغانستان، وإنما ستكتفي بعمليات قصف صاروخي وجوي على غرار القصف الذي حدث بعد تفجير سفارتي الولايات المتحدة في اغسطس (آب) .1998

* وما هي أهم انجازات «القاعدة» حتى الآن؟

ـ كسر هيمنة اميركا بشكل شامل، وليس على المستوى الامني والعسكري (فقط) من جراء الهجمات الارهابية على نيويورك وواشنطن. انها كسرت هيبة وصورة الشخصية الاميركية، في نفوس الملايين من البشر، فالكثير من القيم والمبادئ التي كانت تحرص الشخصية الاميركية على التمثل بها، مثل الحرية والعدل والسلام والمساواة تم اختراقها بشكل صارخ من قبل السلطات الاميركية نفسها، وهذه خسارة عظيمة وليست بالهينة، وستكون لها آثار سيئة للغاية في المستقبل، على السياسة الاميركية، وكذلك الثقافة والمجتمع الاميركي.

أما على مستوى الفكرة فقد نجح تنظيم «القاعدة» في التأسيس لمدرسة جديدة، في العمل الاصولي المسلح، واعتقد ان هذا المنهج او المدرسة لن تكون مرتبطة ببقاء «القاعدة»، او زوالها. أكاد أجزم بأن الجيل الثاني من الحركات الجهادية، والذي بدأ يتشكل خلال السنوات القليلة الماضية بدأ يسيطر على تفكيره واساليبه وتصوراته منهج «القاعدة» في العمل.

* هناك بعض المحللين السياسيين من يقول ان الحركات الجهادية في طريقها للانقراض والاختفاء من الساحة؟

ـ من الناحية الشرعية الاسلامية، هذا كلام مردود، فمنذ ان قامت الدولة الاسلامية في فجر الاسلام، والمسلمون لم يتخلوا عن سيوفهم، ولن يتخلوا عنها مستقبلا، اما من حيث الواقع ووفق قانون التداول، فقد تزول جماعة أصولية جهادية وينتهي امرها، ولكن بالمقابل سوف يظهر غيرها. ثم اذا نظرنا الى الواقع من حولنا، سنجد ان المشروع الاميركي لعالم ما بعد الحرب الباردة، وكذلك بعد هجمات سبتمبر، والمشبع في نفس الوقت بمنطق صراع الحضارات، والمؤمن بنهاية التاريخ، سيساهم بشكل كبير في ظهور الجيل الثاني من الحركات الجهادية.

* تعتقد ان اتصالات ما وقعت بين «القاعدة» والعراق؟

ـ مبدئيا استبعد ذلك، ولكن عندما نتحدث عن تعاون فيجب ان تكون هناك حقائق وادلة مادية ملموسة، وليس كما تحاول الادارة الاميركية ان تقوم به من محاولة استغلال الموضوع لتبرير اسقاط نظام (الرئيس العراقي) صدام حسين. ما قصدته تحديدا قد تكون هناك اتصالات، وهذه تحدث لسبب او آخر وليس بالضرورة ان تثمر عن اي شيء، اما الحديث عن تعاون، فيعني ان هناك اهدافاً وبالتالي خطط واساليب. اما حالة حدوث اتصالات، فانني افترض العكس، اي ان النظام العراقي هو الذي قام بالاتصال بـ«القاعدة».

* على أي أساس بنيتم هذا الافتراض؟

ـ لعدة اسباب منها، ان «القاعدة» تملك فكرة عامة هي مقاومة الامبريالية الاميركية، لكنها لا تملك رؤية او برنامجاً سياسياً متكاملاً لضمان تحقيق الفكرة على ارض الواقع، لذلك فانهم لن يشعروا لمثل هذا النوع من العلاقات. وكذلك اعتماد «القاعدة» بشكل مطلق على الجانب العسكري والقتالي والسعي من اجل الحاق اكبر ضرر ممكن باميركا وحلفائها، يقلل من شأن اي مبادرة، ونشاط له طابع سياسي حتى وان ادى في نهاية الامر لتحقيق اهداف عسكرية.

ثم ان الخطاب الاعلامي لـ«القاعدة» يعيش حالة تناقض صارخ مع الفكرة التي ينادي بها العراق، فايديولوجية «القاعدة» تدور في دوامة المضاربات الايديولويجة مع الامة ومع الاسلاميين انفسهم، وهذا التوجه يعزز من الانغلاق والجمود، ولا يوحي بنوع من المبادرات السياسية التي يدعو اليها (حزب) البعث العراقي.

* طبقا للادلة الاميركية التي اعلنها وزير الخارجية كول باول امام مجلس الامن الدولي يوم الاربعاء الماضي، كانت هناك اتصالات بين العراق وابو مصعب الزرقاوي القيادي في «القاعدة». ما تعليقكم على ذلك؟

ـ هذا من وجهة نظري دعاية كاذبة، وقد تردد من قبل ان محمد عطا قائد الانتحاريين في عملية سبتمبر كان على علاقة باحد ضباط المخابرات العراقية. عطا وكذلك الزرقاوي لا يحمل اي منهما صفة قيادية في «القاعدة»، فالاول هو قائد الخلية التي نفذت عملية سبتمبر، والثاني واسمه احمد فضيل نزال الخلايلة (الزرقاوي) فضلا عن كونه لا يحمل اي صفة قيادية، فانني أكاد اجزم انه غير منتم لـ«القاعدة» تنظيميا، وعادة عندما تكون هناك اتصالات بين أي تنظيم واي جهة اخرى على مستوى الدولة، فان مثل هذا الاتصال يتم عن طريق اعضاء في «القاعدة» أي اعضاء في مستوى مجلس «شورى القاعدة»، ومن غير المتوقع بل من المستحيل ترك هذه المسائل في ايدي عضو من اعضاء التنظيم.

* لكن على افتراض وجود مثل هذا الاتصال، كيف ستكون طبيعة هذا الاتصال من وجهة نظركم؟

ـ حسنا لنفترض ان هناك اتصالاً ما، وان هذا قد اثمر عن حدوث تعاون بين الطرفين. في تقديري ان «القاعدة» ليست في حاجة الى معسكرات تدريب تقليدية، مثل التي كانت موجودة في افغانستان، وبالرغم من الظروف الصعبة الحالية وما يتردد حاليا بين الاسلاميين من وجود هذا النوع من المعسكرات داخل أفغانستان في ولاية كونر القريبة من الحدود الباكستانية، فان العراق لا يمكن ان يقوم بمثل هذه المخاطرة اي انشاء معسكرات تدريب للمقاتلين الاصوليين، فهي مخاطرة كبيرة وبالطبع سينكشف أمرها، بالاضافة الى ان العراق لن يجني فائدة تذكر لمجرد تدريب عدة عشرات من المقاتلين العرب. بالتالي يمكن القول يقينا ان اي تعاون بين العراق و«القاعدة» سيكون في مجال الاسلحة غير التقليدية، ولن يكون على مستوى التدريب. سيكون على مستوى تزويد «القاعدة» بهذه الوسائط القادرة على احداث اكبر قدر من الخسائر البشرية في العدو الاميركي. خاصة ان بن لادن زعيم «القاعدة» سبق واعلن ان الحصول على مثل هذه الاسلحة يعتبر واجبا شرعيا، يجب العمل على تحقيقه.

وفي الوقت ذاته، فان النظام العراقي يشعر بكثير من القهر والظلم، نتيجة الطريقة الاميركية في التعامل مع الازمة الراهنة، ويكفي ان واشنطن اعلنت صراحة انها لن تقبل باقل من اسقاط نظام صدام حسين، فمن هذا المنطلق وعند لحظة الصفر، قد يجد النظام العراقي نفسه مضطرا للدفاع عن نفسه، ومن اكثر الامور ارباكا للمخطط الاميركي، عندما ينجح العراق في الدفاع عن نفسه، خارج حدوده، وان تكون وسائله الرادعه خارج العراق وفي ايدي تنظيم «القاعدة»، الذي ابدى مؤيدوه استعدادا واضحا في استعمال مثل هذه الاسلحة دون تردد.

* لكن هل تعتقد ان «القاعدة» جادة فعلا في استخدام اسلحة تدميرية في حال الحصول عليها؟

ـ بدون أدنى شك.

* لماذا هذا الجزم؟

ـ بن لادن ينطلق من كون اميركا تحتل العالم العربي والاسلامي، بصورة مباشرة وانه يجب اخراجها من هذه المنطقة وارجاعها، الى ما وراء المحيط الاطلسي، وبالمقابل فان الولايات المتحدة قوة عسكرية جبارة، لا يمكن بالمعطيات الراهنة هزيمتها عسكريا، اي تدمير آلتها العسكرية العملاقة. ولكن يمكن التأثير عليها نفسيا، بالانهاك والاستنزاف والضربات الصغيرة المتلاحقة هنا وهناك. هذا من حيث الفكرة اما من حيث السلوك، فان تنظيم «القاعدة» بأكمله ابتداء من بن لادن زعيم التنظيم الى اقل فرد فيه، هو تنظيم استشهادي انتحاري، فالجميع يستعدون للانتقال الى الحياة الآخرة الباقية، ولكنهم يصرون على اخذ اكبر عدد ممكن معهم من الاميركيين.

والمحصلة ان هذا التنظيم الانتحاري يرى ان اسلحة الدمار الشامل هي الوسيلة الفعالة، التي يمكن ان تواجه الآلة الحربية الاميركية العملاقة فتدفعها للرجوع من حيث اتت. وبالمناسبة كانت هناك مقولة يرددها بن لادن بين اتباعه قبل 11 سبتمبر، وهي: «سأضرب اميركا ضربة تمكن الصين من احتلال تايوان». لا أدري ان كانت (تلك العملية) هي احداث سبتمبر نفسها ام شيء آخر. المهم ان هذه المقولة توضح تماما الطريقة التي يواجه بها بن لادن الولايات المتحدة.

الهجوم على العراق فرصة سانحة لـ«القاعدة»

* اذا طبقنا هذا على الهجوم الاميركي المحتمل على العراق، وما يقال عن هدف الادارة الاميركية في اعادة تشكيل المنطقة بأسرها. كيف يخدم هذا اهداف وتطورات تنظيم «القاعدة»؟

ـ بعد الهجوم الاميركي على افغانستان وتمركز القوات الاميركية في منطقة جنوب آسيا، تغيرت استراتيجية «القاعدة» من مجرد القيام بعمليات عسكرية نوعية بين الحين والآخر، الى الحفاظ على استمرارية الاشتباك مع القوات الاميركية لاطول فترة زمنية ممكنة، والهدف من ذلك واضح وهو الانهاك وبالتالي الانسحاب، وأي هجوم اميركي على العراق، ستنظر اليه «القاعدة» على انه فرصة اخرى للاشتباك مع القوات الاميركية، بل بمواصفات أفضل بكثير مما هو موجود من عمليات حاليا في افغانستان.

* ماذا تعني بمواصفات أفضل؟

ـ الوجود الاميركي على هيئة قوات احتلال في العراق، سيعطي بن لادن فرصة تاريخية لنشر افكاره، حول المقاومة وفريضة الجهاد ضد القوات الاميركية، لان الوجود الاميركي المسلح للمنطقة، سيسهل عملية الحشد والتعبئة بين الاصوليين، حيث توجد ارضية جهادية سابقة.

وهناك نقطة اساسية يجب الاشارة اليها وهي ان بن لادن من الاحاديث التي كنت استمع اليه شخصيا فيها خلال سنوات الجهاد ضد الروس، غير حريص على الشكل أو الرابطة التنظيمية، التي قد تجمعه مع العناصر النشطة في المنطقة، بقدر ما يهمه العمل تحت المظلة الفكرية التي تدعو لها «القاعدة»، وهي نفس المظلة التي جمعته مع قيادات الجهاد المصري ممثلة في الدكتور ايمن الظواهري حليفه الاول، وحركات اصولية اخرى متطرفة في فبراير (شباط) .1988

* هل مات بن لادن أو الظواهري؟

ـ من المستحيل تصديق مثل هذه الاخبار، لانهم يعملون في بيئة لا يمكن اخفاء آثار خبر مثل ذلك. ثم ان الرجلين موجودان مع اتباع آخرين، وقيادات «القاعدة» سواء بن لادن او حليفه الاول الدكتور ايمن الظواهري، يتبعون استرايتيجية مضادة للتكنولوجيا.

* ماذا تعني بذلك؟

ـ أي انهم رجعوا الى عصر ما قبل التكنولوجيا في الاتصالات واعطاء الاوامر وتوجيه الافراد، لانهم صاروا يعلمون يقينا بان نقطة الضعف بالنسبة اليهم هي تعاملهم مع التكنولوجيا المتاحة، لأن ذلك يرفع نسبة تحديد أماكنهم والوصول اليهم قبل القوات الاميركية، التي تطاردهم على مدار الساعة، وقد ادت هفوات في التعليمات الى اعتقال ابو زبيدة مسؤول العمليات في «القاعدة» الذي اعتقل في باكستان في مارس (آذار) 2001، وبعده اعتقل بنفس الهفوات رمزي بن الشيبة منسق عمليات سبتمبر في كراتشي في سبتمبر الماضي.