قيادات عراقية معارضة تبدي قلقها من الخطة الأميركية لمرحلة ما بعد صدام

أميركا تتوقع مشاكل في المستقبل من القوات المسلحة الكردية والشيعية والمعارضة تشك في نية بوش إقامة نظام ديمقراطي بسبب «المخاوف» الإقليمية

TT

اشتكى بعض قادة المعارضة العراقية أول من أمس من أن الخطة الأميركية التي قدمها زالماي خليل زاد، مبعوث الرئيس الاميركي جورج بوش الى المعارضة، والداعية لتنصيب حاكم عسكري في العراق ستؤدي إلى إبقاء التركيبة الإدارية الموجودة حاليا والتي تتميز بهيمنة السنة والوجوه القيادية في حزب البعث عليها. وقال بعض المسؤولين في «المؤتمر الوطني العراقي» إن خطة الإدارة الأميركية التي تحدث عنها خليل زاد الأسبوع الماضي في العاصمة التركية أنقرة تعكس المخاوف الاقليمية من أن تحقق ديمقراطية مباشرة في العراق وضعا قد يزعزع استقرار المنطقة. وتعكس هذه الشكاوى أيضا مخاوف قادة المعارضة من أن دورهم السياسي سيكون أقل مما كانوا يتوقعون خلال الأشهر التي قضوها في كسب تأييد المسؤولين الأميركيين للوقوف ضد نظام صدام حسين. وقال كنعان مكية من «المؤتمر الوطني العراقي»: «أعتقد أنها سياسة سيئة. وأظن أنه ستكون لها نتائج سلبية معاكسة للنتائج التي يتوقعونها الآن».

أما أحمد الجلبي رئيس «المؤتمر» الموجود حاليا في شمال العراق فقد حذر من أن الخطة الأميركية ستترك أتباع صدام حسين يحكمون حتى لو تم إسقاط صدام نفسه عبر هجوم أميركي أصبح وقوعه أكثر احتمالا الآن. واضاف الجلبي، الذي لم يحضر اجتماعات أنقرة التي نظمها مبعوث الرئيس الأميركي لكنه أبلِغ بما دار فيها، إن الخطة الأميركية تتنبأ بإقصاء المسؤولين في قمة كل وزارة عراقية ويتم تعويضهم بضباط أميركيين. أما مكية فقال إن «السلطة ستقدَّم على طبق من ذهب للصف الثاني من حزب البعث وللضباط العسكريين الكبار». واضاف مكية «إن الخطة الأميركية تقدم مساعدة للأقلية السنية التي ظلت تحكم العراق لعدة عقود في أي انتخابات لاحقة على الرغم من أن أغلبية المسلمين في العراق هم ينتمون للمذهب الشيعي».

وقال الجلبي من جانبه انه مقتنع بأن دول المنطقة تفضل هذا الخيار على أي خيار آخر «لكن ما يقلقنا كثيرا هو التصور الذي تشترك فيه الحكومات العربية وأصدقاؤها في واشنطن والذي يتخوف من أن يكون النموذج العراقي له تأثير على مستقبل العالم العربي». ووافق قيادي معارض آخر على هذا الرأي، وقال معلقا بدون أن يكشف عن اسمه: «الشيعة لن يحبوا ذلك».

لكن مسؤولا كرديا معارضا آخر هو برهم صالح، رئيس الحكومة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، خفف من مقترحات خليل زاد على الرغم من شعوره بالخيبة لذلك. وقال «أريد أن أبقي ذهني منفتحا على هذه الأخبار. الشيء المهم هو التخلص من هذا الديكتاتور».

وكان خليل زاد في مناقشاته التي أجراها بأنقرة قد قدم تفاصيل جديدة لقادة المعارضة المنفيين حول ما تفكر فيه إدارة بوش للعراق بعد إسقاط صدام حسين. إذ سيحكم ضابط عسكري أميركي كبير العراق لمدة عام واحد بمساعدة مجلس استشاري يتم تعيينه بينما سيتم تشكيل لجنة قانونية تقوم بإعداد مسودة الدستور وقانون انتخابات المجلس التشريعي، وهذه المسودة ستتم مناقشتها وتعديلها ثم تبنيها.

وأثار احتمال ظهور حكومة عسكرية أميركية تحكم العراق قدرا كبيرا من القلق بين أوساط المنفيين والمنتقدين الآخرين. فهم أشاروا إلى إمكانية تقبل البعض لدعوى أسامة بن لادن القائلة بأن حرب بوش على الإرهاب هي حرب على الإسلام. إضافة إلى ذلك فإن بروز التفاصيل المتعلقة بالخطة الأميركية قد أثار التساؤلات حول مدى التزام واشنطن بتحقيق نظام ديمقراطي غربي في العراق حالما يتم التخلص من صدام.

ويبدو أن احترام الإدارة الأميركية لفئات المعارضة العراقية بدأ بالتضاؤل منذ أن بدأ المسؤولون الأميركيون بالتودد إلى هذه المنظمات المنقسمة على نفسها بحدة كبديل علني لسلطة صدام. واعترف مسؤولو المعارضة من جانبهم بهبوط الموقع الذي احتلوه سابقا في نظر إدارة بوش. لكن التنظيمات التي تدعي أنها تمثل قطاعات واسعة ـ الأكراد من جانب والشيعة من جانب آخر ـ راحت تعزي نفسها من أنها في الأخير ستفرض سلطتها عن طريق صناديق الاقتراع. وبين هذه التنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني اللذان يحكمان منذ سنة 1991 جزءا كبيرا من شمال العراق تحت حماية الطائرات الأميركية والبريطانية التي تقوم بفرض الحظر الجوي في تلك المنطقة لإبقاء قوات صدام خارجها. وأصبح المسؤولون الأميركيون ينظرون إلى ميليشيات هذين الحزبين، التي اعتُبرت لفترة ما قوة مساعدة في أي غزو أميركي للعراق، مشكلة مستقبلية محتملة. فتركيا التي تعدّ حليفا أساسيا للولايات المتحدة والتي يشكل الأكراد جزءا كبيرا من شعبها تخاف من أن تؤدي أي حرب ضد جارتها العراق إلى تصعيد المشاعر القومية داخل حدودها، فلكسب تأييد تركيا في السماح للمشاة والطائرات من استعمال قواعدها طلبت إدارة بوش من الأكراد عدم المشاركة في القتال حينما تبعث تركيا بآلاف الجنود من جيشها، ومن الناحية الرسمية سيكون دور هذه الوحدات هو إغلاق الحدود أمام سيل اللاجئين الذي قد ينجم في حال وقوع الحرب، إضافة إلى تزويد المدنيين بالمساعدات الإنسانية. وتم الكشف عن تفاصيل التدخل التركي في اجتماعات أنقرة الأخيرة حسبما قال قادة المعارضة في السليمانية.

من جانب آخر تشكل الميليشيا الشيعية في جنوب العراق تحديا آخر لواضعي الخطط الحربية في البنتاغون، إذ يبلغ عدد هذه القوات غير النظامية حوالي 10 آلاف شخص مدعومين من إيران وهم موالون لآية الله محمد باقر الحكيم رئيس «المجلس الأعلى» للثورة الإسلامية في العراق. وفي مقابلة أجريت مع الحكيم الأسبوع الماضي عبر عن شكواه من تقاعس الولايات المتحدة عن إشراكه في خططها الحربية وأن ذلك صعّد من درجة القلق بين الأغلبية الشيعية في العراق. وسبق للكثير من الشيعة أن استجابوا لنداء الولايات المتحدة بالانتفاض ضد صدام بعد انتهاء حرب الخليج الثانية. وقال الحكيم: «الناس يشكون بدور الأميركيين حاليا لأنهم في سنة 1991 دعموا النظام العراقي حينما قتل ما يقرب من نصف مليون منهم أمام أعينهم».

وفي الوقت الذي كان المسؤولون الأميركيون يشرحون خطتهم لمرحلة ما بعد الحرب في العاصمة التركية راح الجلبي يسعى للحصول على دعم جماعات معارضة أخرى تقيم في المنفى لتشكيل حكومة مؤقتة تستند إلى من هم في المنفى وإلى الديمقراطيين الذين سيظهرون من الداخل. وترك في الأسبوع الماضي نسخة من خطته مع الحكيم المقيم في طهران قبل سفره إلى السليمانية للاجتماع بالزعماء الأكراد استعدادا لعقد مؤتمر المعارضة في هذا الشهر.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»