معركة بين واشنطن وباريس على كسب 9 أصوات في مجلس الأمن

روسيا تبقى في خياراتها مفتوحة بتأكيد أن استخدام القوة «خيار أخير»

TT

هيأت فرنسا الساحة في مجلس الامن لمواجهة مع الولايات المتحدة وبريطانيا ازاء مقترحات مفصلة لتعزيز عمليات التفتيش كبديل للحرب مدعومة من المانيا وروسيا والصين. ففي تحد اخر لخطط الحرب الاميركية قال دبلوماسيون ان دومينيك دو فيلبان وايغور ايفانوف وزيري خارجية فرنسا وروسيا سيحضران على الارجح اجتماعا مهما في مجلس الامن الدولي غدا يعرض خلاله هانز بليكس كبير مفتشي الامم المتحدة عن السلاح تقريرا مهما. وبعد تقديم بليكس ومحمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المكلف بالتفتيش عن الاسلحة النووية تقريرهما ترغب الولايات المتحدة وبريطانيا في تمرير قرار يصرح باستخدام القوة او يستخدم لغة تعطي بعض الشرعية الدولية لاي غزو. وفي حين قالت الادارة الاميركية انها لا تحتاج لقرار ثان تضغط بريطانيا من اجل اصدار قرار لمواجهة المشاعر المناهضة للحرب حتى داخل حزب العمل الذي يتزعمه رئيس الوزراء توني بلير الذي قال امس انه يعتقد ان الامم المتحدة ما زال بامكانها اصدار قرار ثان يصرح باستخدام القوة ضد العراق رغم الانقسام داخل اوروبا. وابلغ بلير البرلمان «اعتقد ان هذا الامر سيحسم من خلال الامم المتحدة... فالتعليمات الاولى التي وجهت لـ (الرئيس العراقي) صدام حسين كانت تعليمات الامم المتحدة».

وحتى الان يؤيد اغلب اعضاء مجلس الامن الموقف الفرنسي. وقال مسؤول الماني في برلين اول من امس ان نحو 11 دولة من بين 15 دولة عضواً في المجلس تؤيد الموقف المناهض للحرب. لكنه اقر بان مبعوثي الدول الاعضاء قالوا ان العدد يقارب تسع دول اذ ما زالت اربع دول متأرجحة. ويتطلب اصدار قرار جديد في مجلس الامن تسعة اصوات مؤيدة من اعضاء مجلس الامن الـ 15 والا يستخدم احد من الاعضاء الدائمين وهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين حق النقض (الفيتو)». وحتى الان يعتقد ان هناك ست دول ستؤيد الموقف الاميركي المتشدد هي الولايات المتحدة وبريطانيا واسبانيا وبلغاريا وشيلي وانغولا. اما الدول المؤيدة لبقاء المفتشين لمدة اطول فهي فرنسا وروسيا والصين والمانيا وسورية. كما تؤيد المكسيك وباكستان والكاميرون وغينيا الموقف الفرنسي ـ الالماني لكنها اصوات متأرجحة.

الى ذلك، دافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن النداء المشترك الذي وجهته روسيا وفرنسا والمانيا للعمل على نزع اسلحة العراق سلميا. وقال بوتين انه يأمل في ان يحظى النداء الذي وجه الاثنين الماضي بالاهتمام. واضاف في مقابلة مع التلفزيون الفرنسي «لم نفعل ذلك لتشكيل محور او تكتل. لم نفعل ذلك لنقف ضد شيء ما بل من اجل شيء ما... لكي نحل ازمة عالمية خطيرة بطريقة سلمية.. نأمل بشدة ان يجد نداؤنا اذانا صاغية. سيكون خطأ فادحا اذا ما اتخذت تصرفات منفردة خارج اطار القانون الدولي». وتابع «يتعين على جميع افراد المجتمع الدولي التصرف وفق قواعد معينة. قواعد القانون الدولي. هذا هو ما يتعلق به جهدنا المشترك (مع فرنسا والمانيا). انه ليس لحماية او توفير الغطاء للرئيس العراقي لكنه لحل المشكلة آخذين في الاعتبار المصالح المشتركة واحترام القانون الدولي». وردا على سؤال بشأن ما اذا كانت بلاده سوف تستخدم حق النقض في مجلس الامن اذا ما اضطرت للوقوف في مواجهة اية مبادرة اميركية يمكن ان تؤدي الى عمل عسكري ضد العراق، قال بوتين «حتى هذه اللحظة لا نرى حاجة الى استخدام حق النقض. نأمل في ان نتمكن من الاتفاق مع جميع اعضاء مجلس الامن كما فعلنا من قبل».

من جهته، صرح وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف في حديث لصحيفة «الفيغارو» الفرنسية امس ان امكانية استخدام القوة ضد العراق امر «مطروح من قبل الامم المتحدة» لكنه «خيار اخير». وردا على سؤال عن موقف روسيا من محاولة الاميركيين استصدار قرار في الامم المتحدة يسمح باستخدام القوة ضد العراق، قال ايفانوف ان «سؤالنا لهانس بليكس ومحمد البرادعي سيكون التالي: ما هو الامر الذي لا بد منه ليتمكن المفتشون من انجاز مهتمهم». واضاف «اذا كان الرد انهم لا يستطيعون انجازها فاننا سنفكر بطريقة لتسوية المشكلة». وردا على سؤال حول ما اذا كان ذلك يعني ان روسيا لن تعارض عملا عسكريا ضد العراق في هذه الحالة، قال «لا لم اقل ذلك بل قلت ان مجلس الامن الدولي يجب ان يناقش المشكلة ويجد الحل. استخدام القوة امر مطروح في الامم المتحدة لكنه خيار اخير».

الى ذلك، اكد المستشار الالماني غيرهارد شرودر في حديث تنشره صحيفة «شترن» الالمانية اليوم ان فرنسا والمانيا ستتخذان «موقفا موحدا» في مجلس الامن الدولي حول الملف العراقي. وقال ان «فرنسا والمانيا تتخذان موقفا مشتركا في مجلس الامن، وسيكون الامر على هذه الحال». وتتولى المانيا الشهر الحالي رئاسة مجلس الامن الدولي وهي تعارض تدخلا عسكريا في العراق بدون موافقة الامم المتحدة. وقال شرودر «آمل ان يتم حل الخلاف القائم حول اعمال التفتيش ونزع اسلحة الدمار الشامل بدون حرب». واضاف «علينا ان نعطي المفتشين الوقت اللازم، وكذلك كافة الوسائل التي يطلبونها من مجلس الامن».

لكن شرودر قال ان مسألة نشر قوات تابعة للامم المتحدة قالت الصحف انها واردة في «الخطة الالمانية ـ الفرنسية» البديلة عن الحرب، «سابقة لاوانها». من ناحية اخرى، اعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الالمانية امس ان وزير الخارجية يوشكا فيشر غادر القمة الاسبانية ـ الالمانية في جزيرة لانساروت الاسبانية قبل الوقت المحدد متوجها الى باريس لاجراء محادثات مع القادة الفرنسيين. واوضح ان فيشر كان سيلتقي بعد ظهر امس نظيره الفرنسي دومينيك دو فيلبان قبل ان يعود الى برلين.

وتدعو المقترحات الفرنسية التي نشرت «الشرق الأوسط» نصها امس زيادة عدد المفتشين الى مثلين او ثلاثة امثال، وزيادة عمليات التفتيش الجوية لضمان تجميد اي موقع او ان يقوم حرس الامم المتحدة بهذه المهمة، وتشكيل فرق من مسؤولي الجمارك لفحص السلع التي تدخل العراق وتفتيش الشحنات، وتشكيل وحدة استخبارات جديدة في نيويورك لتنسيق المعلومات التي تعرض على لجنة المراقبة والتحقق والتفتيش التي تدعو المقترحات ايضا الى تكليفها اعداد قائمة كاملة بمهام نزع السلاح التي لم تستكمل بترتيب اهميتها في محاولة «لمحاصرة العراقيين وعدم ترك فرصة امامهم للمراوغة». كما تدعو المقترحات الى ايجاد «منسق في العراق يكون بمثابة ضابط اتصال مع السلطات العراقية بشكل يومي».

وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط» ان «النواة الصلبة» لجبهة رفض الحرب داخل مجلس الامن تتشكل من فرنسا وروسيا والصين وألمانيا وسورية. ويضاف الى هذه الدول التي بينها ثلاث من دائمي العضوية في المجلس ست دول اخرى، اعربت بشكل او بآخر، في الايام الاخيرة، عن ميلها الى خيار استمرار عمليات التفتيش وتوفير وقت اضافي للمفتشين، في ظل غياب دليل دافع على انتهاك العراق للقرار الدولي الاخير. وهذه الدول هي المكسيك والكاميرون وباكستان وأنغولا وغينيا وتشيلي.

وتؤكد المصادر الفرنسية ان الصين التي اعربت عن تأييدها لمضمون البيان الثلاثي (الفرنسي ـ الالماني ـ الروسي) ستبقى داخل جبهة الرفض «طالما بقي التماسك الروسي ـ الفرنسي قائما». اما في حالة انهيار هذا المحور، الذي يضم كذلك ألمانيا، فان بكين ربما غيرت توجهها.

وتقوم الاستراتيجية الدبلوماسية الفرنسية على الابقاء على تماسك هذه الجبهة. لكن باريس تعرف ان ثمة دولا بينها من قد تغير موقفها وعلى رأسها تشيلي وغينيا وانغولا وربما باكستان. ولكل من هذه الدول مصالح كبيرة مع واشنطن، ومن الصعب عليها، في حال زادت الادارة الاميركية من ضغوطها، ان تبقى داخل جبهة الرفض.

وما يهم باريس، كما تقول مصادرها، هو حرمان واشنطن ولندن من توفير الاصوات التسعة الضرورية لاصدار القرار الجديد.

ولهذا الغرض، فان الدبلوماسية الفرنسية التي نجحت في استمالة روسيا والصين، بعد ان وطدت المحور الفرنسي ـ الالماني، تريد استخدام القمة الفرنسية ـ الافريقية التي ستعقد الاسبوع المقبل في باريس للضغط على الدول الافريقية الثلاث الموجودة في مجلس الامن وهي الكاميرون وانغولا وغينيا. واذا نجحت باريس في الاحتفاظ باحداها، واذا بقيت المكسيك (وهو الامر المرجح) على موقفها، ستحرم واشنطن ولندن من الاصوات التسعة، ولن تكون باريس عندها مضطرة للجوء الى حق «الفيتو». وتقول المصادر الفرنسية ان واشنطن ولندن «لن تقدما على طرح مشروع قرارهما على التصويت ما لم تضمنا سلفا الاصوات التسعة».