واشنطن تعتبر شريط بن لادن دليلا آخر على العلاقة بين العراق و«القاعدة».. وبغداد تتهم إدارة بوش بالبحث عن مسوغات

TT

اعتبر مسؤولون اميركيون ان رسالة اسامة بن لادن التي بثت الليلة قبل الماضية ودعا فيها الى نصرة العراق، تعتبر دليلاً آخر على وجود علاقة بين تنظيم «القاعدة» ونظام الرئيس العراقي صدام حسين.

وقال ريتشارد باوتشر المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية ان الشريط دليل على وجود علاقة بين شبكة بن لادن والعراق. واضاف باوتشر، بعد دقائق على بث الشريط الصوتي، ان بن لادن «يهدد كل واحد في العالم العربي عدا صدام حسين. اننا نقول ان العراق يعطي ملاذا لهذه المجموعة». وقال مسؤول استخباراتي اميركي كبير «ان هذه النوع (من الحديث) يطرح التساؤل حول العلاقة بين العراق والقاعدة».

لكن هناك مسؤولين ومحللين آخرين يشككون في وجود هذه العلاقة، مشيرين الى ان بن لادن شدد في رسالته المفترضة على التضامن مع الشعب العراقي، وهو ما كان يفعله في الماضي، وليس مع نظام صدام حسين.

وقال براين جينكينز «إنني لا ارى تعبيراً عن دعم للنظام». واضاف جينكينز الخبير في شؤون الارهاب بمؤسسة «راند» للابحاث «أرى الامر استغلالاً ذكياً للمشاعر الحالية» من اجل ان يرفع بن لادن معنويات اتباعه وتجنيد آخرين وتذكير الناس بانه لا يزال قادراً على المبادرة.

وتدعو الرسالة المسجلة لنصرة الشعب العراقي، وتقول «ننصح بأهمية استدراج قوات العدو إلى قتال طويل متلاحم منهك مستغلين المواقع الدفاعية المموهة في السهول والمزارع والجبال والمدن. وأخوف ما يخافه العدو هو حرب المدن والشوارع، تلك الحرب التي يتوقع العدو فيها خسائر فادحة باهظة في أرواحه». لكن الرسالة تشير الى ان الحكومة العلمانية «الاشتراكية» للرئيس صدام حسين فقدت مصداقيتها. وتضيف ان «الاشتراكيين وهؤلاء الحكام قد سقطت ولايتهم منذ زمن بعيد، والاشتراكيون كفار حيثما كانوا سواء كانوا في بغداد أو عدن». وتواصل «القتال لا يكون الا في سبيل الله وليس تحت رايات الايديولوجيات القومية». لكنها تعتبر انه «في مثل هذه الظروف لا يضر ان تتقاطع مصالح المسلمين مع مصالح الاشتراكيين في القتال ضد الصليبيين».

ولاول مرة يقدم بن لادن تفاصيل عن نجاته و300 من مقاتلي «القاعدة» في معركة تورا بورا بشرق افغانستان في ديسمبر (كانون الاول) .2001 وقال «إن خلاصة المعركة في تورا بورا كانت الفشل الهائل الذريع لتحالف الشر العالمي بجميع قواه في القضاء على مجموعة صغيرة من المجاهدين، على 300 مجاهد في خنادقهم داخل ميل مربع في درجة حرارة بلغت عشر درجات تحت الصفر. وكانت نتيجة المعركة إصابتنا في الأفراد 6 % تقريبا، نرجو الله أن يتقبلهم في الشهداء، وأما إصابتنا في الخنادق فكانت بنسبة 2 % والحمد لله».

من جانبهم، حذر مسؤولون استخباراتيون اميركيون من ان بن لادن ربما استخدم الشريط من اجل ايصال رسالة الى اتباعه. وعلى الرغم من عدم تحديد عبارة مشبوهة ما في الشريط الاخير، فان مسؤولين استخباراتيين اشاروا الى ان اعتداءات كثيرة وقعت في السابق مباشرة بعد بث بيانات لزعيم «القاعدة».

وتباينت ردود فعل بعض الدول الاوروبية حول الرسالة ومضمونها. فقد اعتبرت الحكومة البريطانية الرسالة انها ان تظهر ان زعيم «القاعدة» مستعد «لتبني قضية العراق». وقال الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير خلال مؤتمر صحافي «ليس لدينا اي سبب يدفع الى الاعتقاد بان التسجيل ليس لابن لادن». وتابع الناطق «اعتقد انه (الشريط) يظهر ان بن لادن مستعد لتبني قضية العراق، انطلاقا من مبدأ: عدو عدوي هو صديقي». لكنه ذكر بان الروابط بين تنظيم «القاعدة» والنظام العراقي ليست «في قلب موقفنا من العراق»، مشيرا الى ان الموقف البريطاني «يقوم على حيازة (النظام العراقي) اسلحة دمار شامل».

اما الحكومة الالمانية فرأت ان الرسالة لا تشير الى وجود علاقة قوية بين «القاعدة» والعراق. وقال الناطق باسم الحكومة في مؤتمر صحافي «مما هو معروف حتى الآن، فاننا لا نعتقد اننا نستطيع القول بوجود دليل على وجود محور او ارتباط وثيق بين النظام في بغداد والقاعدة».

وقد كانت طريقة بث الشريط في حد ذاتها مثيرة، اذ كان وزير الخارجية الاميركي كولن باول اول من كشف عن الشريط، حين قال اول من امس امام لجنة الموازنة بمجلس الشيوخ الاميركي، ان هناك شريطاً يتحدث فيه شخص عرف عنه المسؤولون الاميركيون انه اسامة بن لادن، ويقول انه «في شراكة مع العراق»، مشيراً الى ان قناة «الجزيرة» ستبث الشريط في وقت لاحق من اليوم نفسه. لكن القناة القطرية انكرت في البداية وجود الشريط، الا انها عادت وبثته مساء.

وحتى الحكومة العراقية اعتبرت ان الطريقة التي اعلن بها عن الرسالة الصوتية مشبوهة جدا وفق ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. ورأت الحكومة العراقية ان اتهام واشنطن بوجود علاقة بين بغداد و«القاعدة» اثر بث الشريط، محاولة جديدة لعزل العراق وتصويره على انه يرتبط بشبكة بن لادن. وقال رئيس لجنة العلاقات العربية والدولية في المجلس الوطني العراقي (البرلمان) سالم الكبيسي امس ان «المحاولة اليائسة للادارة الاميركية ووكالاتها بشأن ربط العراق بما يسمى بتنظيم القاعدة جزء من السياسة الرامية الى ايجاد مسوغ لعدوانها المحتمل على العراق». واضاف ان «الادارة الاميركية عملت ووضعت كل وسائل مخابراتها واجهزتها الامنية من اجل ايجاد اية علاقة بين العراق وتنظيم «القاعدة» لكنها عجزت تماما».

واكد الكبيسي ان الاتهامات الاميركية بوجود علاقة بين بغداد و«القاعدة» هي «جزء من السياسة الرامية الى ايجاد مسوغ لعدوانها المحتمل على العراق من اجل ايهام الرأي العام الاميركي الرافض للعدوان وايهام الرأي العام العالمي الذي بدأ يتفهم ويدرك حقيقة النية الاميركية المبيتة ضد العراق».

ومن جهته، اكد سعد قاسم حمودي المسؤول البارز في حزب البعث الحاكم ان الاتهامات الاميركية «محاولة بائسة لاجهزة المخابرات الاميركية التي عجزت منذ احداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001 عن ايجاد اي رابط بين «القاعدة» والعراق وكذلك اي علاقة بين العراق واية تنظيمات اخرى». واضاف انه «مجرد تهويش جديد للتغطية على فشل الادارتين الاميركية والبريطانية في اثبات مزاعمها في ايجاد ما يسمى باسلحة الدمار الشامل في العراق بعد ان زار مفتشو الامم المتحدة اكثر من 600 موقع في مختلف انحاء العراق».

ولوحظ ان قضية صحة الشريط لم تطرح هذه المرة بنفس الدرجة مقارنة مع الاشرطة السابقة لزعيم «القاعدة»، اذ صار هناك شبه اجماع في اوساط الاستخبارات الغربية بان بن لادن لا يزال حياً ومختبئاً في مكان ما على الحدود الافغانية ـ الباكستانية.

ورجح مسؤولون اميركيون ان يكون شريط الليلة قبل الماضية حقيقياً ولاسامة بن لادن بالفعل. كما رجح مسؤولون امنيون المان، بعد فحص الشريط، ان يكون بالفعل لزعيم «القاعدة».

لكن مسؤولين استخباراتيين اميركيين لفتوا الى ان اسامة بن لادن لم يظهر في شريط فيديو منذ 27 ديسمبر .2001 وقال خبراء اميركيون ان زعيم «القاعدة» لم يعد يظهر في اشرطة الفيديو خشية ان تقدم الصور معلومات عن مكان وجوده. واوضحوا ايضاً ان ظهور بن لادن في شريط فيديو قد يكشف عن مرض محتمل يعاني منه او عن تغير في ملامحه.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» و«يو. إس. إيه. توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»