حزب العمل الإسرائيلي يشكك في جدية شارون باستئناف المفاوضات

TT

«نحن لا نصدق أن رئيس الحكومة، ارييل شارون، صادق في تصريحاته بخصوص استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية من أجل تخفيف التوتر في المنطقة. فهو نفسه كان قد اجتمع مع شخصيات فلسطينية قبل سنتين بالضبط وقال يومها إن هدف اللقاءات هو تخفيف حدة التوتر والانتقال إلى مفاوضات رسمية. وكلنا شاهدون على أن ما جرى منذ ذلك الحين هو فقط المزيد من التوتر والعنف وسفك الدماء وإغلاق ليس فقط باب الحوار، بل القضاء على الأمل وعلى آفاق السلام».

هذه الكلمات لم تصدر عن قائد فلسطيني أو عربي، بل عن الوزيرة السابقة في الحكومة الإسرائيلية، البرفيسورة يولي تمير، رئيسة الطاقم الإعلامي للمعركة الانتخابية في حزب العمل المقربة من رئيس الحزب الجديد، عمرام متسناع.

وكانت تمير تتحدث إلى الصحافيين، أمس تعقيبا على الأنباء التي يبثها مساعدو شارون بأنه «ماض في المسيرة السلمية، مع حزب العمل أو من دونه» وأنه يلتقي العديد من الشخصيات الفلسطينية. وقالت تمير: صحيح أن شارون التقى هذه الشخصيات لكنها كانت لقاءات جوفاء مليئة بالتناقضات. فهو يرفض علنا أي حوار مع الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، ويؤكد أنه يريد الإطاحة به. بينما جميع القادة الفلسطينيين الذين التقاهم أعلنوا أنهم مبعوثون من عرفات ويدينون له بالولاء. وخرجوا بتصريحات تقول إن شارون ليس جادا. وإنه يحاول فقط الكسب الإعلامي والاستفادة من لقاءاته من أجل حسابات ائتلافية داخلية لتشكيل حكومته.

وفي تصريح آخر قال الأمين العام لحزب العمل، أوفير بنيس، إنه لا يفهم لماذا يصر شارون على التحالف مع حزبه «فالشعب يصدق أن اليمين هو الذي سيأتي بالسلام، ولذلك انتخبه ليفوز بالأكثرية. فما حاجته بنا إذن؟ ليجرب طريقه اليميني. فإذا جاء بالسلام، سيجدنا إلى جانبه مؤيدين متحمسين من صفوف المعارضة. وإذا لم يستطع، عليه أن يعترف للجمهور بفشله ويترك لنا مكانه. وكل محاولاته للضغط علينا حتى ننضم إلى حكومته هي بمثابة محاولة خداع للجمهور، هدفها ذر الرماد في العيون وستر عوراته بواسطتنا».

يذكر أن مصادر مقربة من شارون كانت قد سربت الأنباء عن إجراء عدة لقاءات قبل الانتخابات الإسرائيلية في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، وبعدها مع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن) ومع رئيس المجلس التشريعي، أحمد قريع (أبو العلاء) ووزير المالية، الدكتور سلام فياض، وزعمت أن المفاوضين من الطرفين اقتربوا خلالها من التوصل إلى اتفاق إطلاق نار. وقالت إن من الأمور المتفق عليها أن تبدأ إسرائيل بالانسحاب من المدن الفلسطينية الهادئة على أن تحل محلها قوات الأمن الفلسطينية الجديدة التي سيتم تشكيلها بموافقة إسرائيلية مسبقة على كل اسم. كما قالوا إن الفلسطينيين وافقوا على مطلب شارون بأن يتم تهميش الرئيس عرفات. وأنهم طلبوا من شارون أن لا يقدم على عملية حربية كبرى خلال الحرب الأميركية على العراق.

ونفى الفلسطينيون نفيا قاطعا وجود أي اتفاق أو وجود أية صيغة تمس بمكانة الرئيس عرفات. واعتبروا هذه الأنباء إشاعات يبثها شارون حتى يساعد الإدارة الأميركية على الموافقة على منحه مساعدة خاصة بقيمة 4 مليارات دولار وضمانات مالية بقيمة 8 مليارات أخرى وكذلك لكي يضغط على متسناع حتى ينضم إلى الحكومة الجديدة. وأكدوا أن ما دار في المحادثات كان حديثا سطحيا عن إمكانية وقف إطلاق النار والبدء بتخفيف التوتر ولكن من دون أية نتيجة تذكر. وقالوا إن المسؤولين الفلسطينيين تحدثوا فعلا عن قلقهم من ضربة عسكرية كبرى، قد يوجهها شارون مستغلا الانشغال العالمي بالحرب على العراق.

* المفاوضات الائتلافية

* وكان حزب الليكود قد واصل، أمس أيضا، المحادثات مع الأحزاب الإسرائيلية اليهودية من أجل ضمها إلى الائتلاف الحكومي. فالتقى قادته مع ممثلي حزب شينوي (التغيير) العلماني.

وفاجأ هذا الحزب مساعدي شارون عندما قال لهم إنه يشترط لدخول الحكومة أن تقبل بحقه في «خريطة الطريق» (الورقة الأميركية لتسوية النزاع الإسرائيلي ـ العربي) كاملة وبلا تغيير، بما في ذلك إقامة الدولة الفلسطينية. وقال المقربون من قيادة الحزب إن هذا البند وضع حديثا جدا (فقط في يوم المفاوضات أمس) بضغط من أعضاء الكنيست الجدد، الذين يعتبرون بغالبيتهم من مؤيدي التعايش بين الشعبين على أساس سلمي.

كما فاجأ شينوي بإعلانه، أمس، وبشكل قاطع أنه لن يجلس في حكومة واحدة مع الأحزاب الدينية اليهودية المتزمتة. وقال النائب ابرهام فوراز، رئيس الكتلة، إن حزبه يرى أن فرصة تاريخية نشأت في إسرائيل للتخلص من فساد المتدينين وابتزازهم المالي، وذلك بواسطة استبعادهم عن الحكومة وإقامة حكومة علمانية طاهرة، لأول مرة في تاريخ إسرائيل.

ودعا فوراز حزب العمل إلى أن لا يفوت هذه الفرصة «ففيها يكمن سر نجاحكم في الانتخابات القادمة».

ورد حزب العمل على شينوي بأنه من غير الوارد أن ينضم إلى حكومة برئاسة شارون، لأن ذلك سيكون مضيعة للوقت. وقالت تمير إن حزب شينوي أيضا ليس جادا في ضغوطه، وفي النهاية سينصاع للضغوط وينضم لأية حكومة، شرط أن يجد لقادته بعض المراكز المهمة.

وعلم أن متسناع، سيلتقي في غضون الأيام القليلة المقبلة مع شارون، ومع رئيس شينوي، يوسف لبيد، لكي يفحص مدى جدية العرض لدخول الحكومة. وقال للتو إنه مقتنع تماما بأن شارون «لن يطرح عرضا جادا لضم العمل للحكومة، لأن مطالبنا كبيرة ومحددة. ولا نعتقد أنه ينوي التجاوب مع أي منها». وأضاف: «لكن، إذا جاءنا الليكود يقول إنه مستعد للانسحاب التام فورا من قطاع غزة ولإزالة مستوطنات وإقامة الجدار الفاصل بين إسرائيل والضفة الغربية فورا وتحويل الميزانيات الضخمة من بند الاستيطان إلى بند البطالة أو القرى الفقيرة، فإن هناك ما سيكون ممكنا الحديث عنه».

تجدر الإشارة إلى أن حزب المفدال الديني قرر أمس بأكثرية أصوات مجلسه المركزي أن لا يدخل حكومة شارون إذا ما قبلت خطة «خريطة الطريق» وإقامة الدولة الفلسطينية. كما أن الحزبين الدينيين الآخرين، «شاس» و«يهدوت هتوراه»، أعلنا هما أيضا عدم دخول الحكومة إذا دخلها حزب شينوي.

* الفساد

* من جهة ثانية استمرت تحقيقات الشرطة وبوتيرة عالية في موضوع الفساد المالي والرشاوى في الانتخابات. وبلغ عدد المعتقلين في فضائح حزب الليكود الحاكم خمسة معتقلين، هم من النشطاء المركزيين للحزب المعروفين بصداقاتهم مع نجل رئيس الحكومة، عضو الكنيست عومري ارييل شارون.

وتبين أن بين المتورطين في الفضيحة أيضا تسفي شالوم، شقيق وزير المالية سلفان شالوم (الليكود) الذي ينوي المنافسة على رئاسة الليكود ورئاسة الحكومة في الدورة المقبلة. والشقيق تسفي يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة في سلطة الموانئ والمطارات. ويشتبه في أنه كان شريكا في الصفقة التي تم بموجبها إرساء العطاء لمشروع حراسة المعابر البرية إلى شركة «طاقم الأمان» (40 مليون دولار في السنة) لقاء دعم شارون الأب والابن في المعركة الانتخابية.