تفاصيل جديدة عن الخطة الأميركية لإدارة العراق بعد صدام وواشنطن حذرت المعارضة العراقية من تشكيل حكومة مؤقتة

تعيين حاكم مدني قد يكون سفيرا متقاعدا أو حاكم ولاية سابقا بإشراف الجنرال فرانكس

TT

يمكن اعتبار خطاب الرئيس بوش الذي ألقاه اول من أمس في ضواحي أتلانتا توضيحا لرؤية شاملة عما سيجري في عراق ما بعد الحرب، فهو اعتبر ان اطاحة الرئيس العراقي صدام حسين ستكون درسا لخصوم أميركا الآخرين اضافة الى تحويل العراق الى نموذج للديمقراطية والرخاء في الشرق الأوسط.

ولم يشر بوش في خطابه الذي استغرق ساعة كاملة الى العمل الدبلوماسي الهادف لاصلاح الصدع الذي وقع بين الولايات المتحدة وأوروبا أو لمسودة القرار الجديد الذي ستقترحه واشنطن ولندن في مجلس الأمن الدولي الأسبوع المقبل. بدلا من ذلك ركز الخطاب على ما سيعقب العمل الدبلوماسي حيث تكون الحرب «آخر خيار». وقال بوش بعد تصفيق الحاضرين: «اذا أصبح العمل العسكري ضروريا لتجريد العراق من أسلحته فان هذا الوطن سيشارك الدول الأخرى ويعمل بشكل حاسم من أجل قضية عادلة ونحن سننتصر». وأضاف أن «الحرب هي آخر خيار لهذا الوطن. ودعوني أخبركم عما هو ليس خيارا: الثقة بسلامة عقل وانضباط صدام حسين هو ليس خيارا. وانكار وجود أسلحة الدمار الشامل والاستمرار في التأخير أمام الخطر المتنامي هو ليس خيارا. كما ان جعل حياة وأمن الشعب الأميركي تحت رحمة هذا الديكتاتور وأسلحته ذات الدمار الشامل ليس خيارا هو الآخر».

وتأتي ملاحظات الرئيس الأميركي لترفع من حدة المساعي التي بدأت في الأيام الأخيرة لمواجهة منتقدي السياسة الأميركية عن التزام الولايات المتحدة في اعادة بناء عراق ما بعد الحرب. وضمن هذا السياق قال بوش في خطابه: «بامكان عراق حر أن يكون مصدر أمل لكل منطقة الشرق الأوسط. فبدلا من أن يكون مصدر تهديد لجيرانه ومكانا لايواء الارهابيين يستطيع العراق أن يكون مثالا للديمقراطية والرفاهية في منطقة هي بحاجة الى كلا العنصرين».

من جانب آخر، كشف بعض المسؤولين الأميركيين الخطوط العريضة لبرنامج عمل الادارة الأميركية بما يتعلق بعراق ما بعد صدام حسين، ووفقه سيتم تعيين ادارة أميركية مؤقتة يرأسها مدني أميركي يكون مسؤولا عن توجيه عملية اعادة بناء العراق وخلق حكومة عراقية «ذات طابع تمثيلي».

لكن الجنرال تومي فرانكس قائد القيادة المركزية الأميركية سيقوم بابقاء العراق تحت السيطرة العسكرية الأميركية طيلة الفترة التي ستكون القوات الأميركية موجودة في هذا البلد. وحالما يتم تحقيق عامل الأمن فيه وازالة أسلحة الدمار الشامل منه بعد كشف كل مواقعها سيقوم حاكم أميركي بادارة حكومة مدنية وتوجيه عمليات اعادة التعمير والمساعدات الانسانية.

وفي الأيام الأولى من الحرب ستقوم بعض الوحدات العسكرية الأميركية المتحركة وراء القوات المتحاربة بتوزيع الأغذية والمواد الضرورية الأخرى على المدنيين والبدء باعادة التعمير. وقال المسؤولون ان الهدف من ذلك هو لضمان أن الشعب العراقي سيشعر «مباشرة» بوضع معيشي أفضل مما كان عليه قبل نشوب الحرب بأيام قليلة وأن ذلك يعود بشكل مباشر الى الولايات المتحدة.

سيكون المسؤول الاول عن النشاطات الانسانية الأولية الفريق المتقاعد جاي غارنر لكنه حال وصوله الى بغداد ستحل محله سلطة مدنية سامية يرأسها شخص أميركي «ذو مكانة عالية» كأن يكون حاكما سابقا لولاية أميركية أو أحد السفراء السابقين حسب ما قال المسؤولون.

وأضاف هؤلاء المسؤولون أنه سيتم جذب الحكومات الأخرى للمشاركة في عمليات الاغاثة واعادة التعمير تحت اشراف الولايات المتحدة وهذا سيتم تنفيذه في وقت يقرره فرانكس والمسؤولون في واشنطن. وعلى الرغم من أن تجهيزات الأغذية الأولية ستقدمها الولايات المتحدة لكن مفاوضات تجري حاليا مع «منظمة الغذاء الدولية» كي تشرف على شبكة ايصال الأغذية للمدنيين. من جانب آخر ابلغت واشنطن زعماء في المعارضة العراقية الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة لن تعترف بأي حكومة مؤقتة كان البعض منهم قد بدأ بالدعوة لها في الخارج، لكنها ستقبل بتشكيل «مجلس استشاري» يضم من 20 الى 25 شخصية عراقية ويقوم هذا المجلس بمساعدة السلطات الأميركية بدون أن تكون له أي صلاحيات في الحكم. وحسب قرار صيغ في الأسبوع الماضي ستجري عملية ازالة «التبعيث» من المؤسسات الحكومية العراقية وهذه اشارة الى حزب البعث الحاكم حاليا. وهذا البرنامج تمت استعارته من برنامج «ازالة النازية» الذي طُبِّق بعد الحرب العالمية الثانية في ألمانيا.

وما زال العمل جاريا على تحديد الشروط التي تقرر في ما اذا كان هذا المسؤول العراقي أو ذاك مناسبا للمحافظة على وظيفته الحكومية من حيث درجة تورطه بأعمال شائنة في فترة الحكم البعثي. ويقول المسؤولون الأميركيون ان هذه الشروط ستكون متوافقة مع مبادئ حقوق الانسان وهم يتوقعون أن معظم المسؤولين العاملين حاليا ضمن مؤسسات الدولة سيحافظون على مناصبهم وفق هذه الشروط.

وعلى الرغم من أن قدرا كبيرا من مخططات الولايات المتحدة لعراق ما بعد صدام حسين قد كشف في السابق لكن العناصر الجديدة التي تمت صياغتها بشكل نهائي تكشف عن مدى السيطرة الأميركية وتكشف عن خطة لتعيين حاكم مدني أميركي للعراق بشكل مؤقت. وحذر المسؤولون من أن التطورات اللاحقة في العراق قد تدفعهم لتغيير الخطة المطبَّقة لكن ما زال لم يتقرر بعد «متى ولأي غرض» سيتم التفكير بتعيين ادارة متعددة الجنسيات للعراق وربما تحت اشراف الأمم المتحدة للحلول محل الادارة المدنية الأميركية.

وقال مسؤول أميركي كبير: «لدينا الكثير من الخطط التي يمكن تنفيذها على أساس تنظيم دولي أو تنظيم ائتلافي أو بواسطتنا مع الآخرين». وقال هذا المسؤول ان الرئيس بوش لا يريد أن يغلق باب الخيارات الأخرى حتى تتم معرفة الأطراف الأخرى التي ستشارك في الحرب الى جانب الولايات المتحدة وحتى يصبح الوضع في عراق ما بعد الحرب واضحا.

وظلت الادارة الأميركية تتعرض لضغط قوي كي تكشف أن لديها برنامجاً تفصيلياً يتعامل مع ما هو متوقع من وضع فوضوي وخطير في حالة ازالة صدام حسين. وينوي البيت الأبيض اعلام الكونغرس والصحافيين قريبا عن تفاصيل أكثر حول خطته الأسبوع المقبل.

وتجدر الاشارة الى أن الخطة لم تتضمن تكاليف الحرب واعادة التعمير أو عن الوقت الذي ستستغرقه، وشدد المسؤولون على أن الكثير من التفاصيل تظل مجهولة حول مدة الحرب المحتملة أو كم سيترتب عليها من تدمير وكم هو «عمق» فساد الحكومة العراقية الحالية. لكن الادارة الأميركية تجنبت الخوض في فترة بقاء القوات الأميركية في العراق. وقال مارك غروسمان مساعد وزير الخارجية للكونغرس في الأسبوع الماضي ان الفترة قد تستغرق عامين قبل أن تتمكن اي ادارة عراقية من فرض السيطرة على بلدها. لكن الادارة الأميركية شعرت «بالرعب من فكرة قسرها على اطار زمني محدد» حسبما قال الجنرال باري ماكفاري أحد العسكريين الكبار والخبراء المدنيين الذين أخبِروا بالخطة من قبل البنتاغون. وأضاف ماكفاري: «برأيي، سيستغرق ذلك خمس سنوات مع وجود قوات عسكرية كبيرة لتحقيق السلام واستثماره بشكل ايجابي في العراق».

والمفاوضات الدائرة في الأمم المتحدة تهدف الى فرض قرار جديد يقول فيه ان صدام حسين قد خرق مطالب الأمم المتحدة بنزع أسلحة الدمار الشامل عن العراق ويسمح للولايات المتحدة والبلدان الأخرى بالقيام بهذه المهمة بالقوة.

وتستمر الادارة الأميركية أيضا في البحث مع الحكومات العربية امكانيات مغادرة صدام حسين الى المنفى مع عدة عشرات من أفراد عائلته والمسؤولين الكبار في نظامه. لكن المصادر قالت انه حتى في حال مغادرة صدام وعدد قليل من مساعديه العراق فان ذلك سيترك بعض التساؤلات عمن سيحكم العراق، وعن أسلحة الدمار الشامل، وعن تحقيق استقرار في العراق على المدى البعيد. وكل هذه القضايا ستدفع الولايات المتحدة في نهاية الأمر الى دفع قواتها الى داخل العراق في أي حال من الأحوال.

ومن بين العناصر الأخرى التي تضمنتها الخطة المتعلقة بعراق ما بعد صدام:

* تجميع القوات العسكرية العراقية في معسكرات خاصة بأسرى الحرب، فمع الكثير من أفراد المعارضة الذين يتلقون حاليا تدريبا أميركيا في قاعدة جوية في هنغاريا كي يكونوا لاحقا جزءا من قوة حراسة سيتم التثبت من كل عناصر الجيش العراقي من قبل القوات الأميركية، والذين سيحصلون على الثقة سيبدأون مع من انقلب على النظام في آخر لحظة تدريباً تنظمه القوات الأميركية للعمل ضمن ما سماه المسؤول الأميركي قوات «تحقيق الاستقرار اللاحق».

* ستقوم القوات الاميركية من جانبها بوضع اليد على اي مواقع تحوي اسلحة دمار شامل أينما وجدت، وهذا يشمل مخازن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. وقال مسؤول أميركي آخر انه «في وقت مناسب» قد يتم جلب لجنة التفتيش الدولية (أنموفيك) والوكالة الدولية للطاقة النووية للتثبت من الأسلحة والعلماء والوثائق.

* اضافة الى تعيين مجلس استشاري عراقي سيتم تشكيل لجنة عراقية للقيام بانشاء نظام قضائي وستشكَّل لجنة اخرى تقوم بكتابة الدستور الجديد. ولا يتوقع المسؤولون الأميركيون ان تتم «دمقرطة» العراق بشكل مواز مع وجود الحكم الأميركي المباشر، لكنهم بدلا من ذلك يتحدثون عن ظهور «حكومة عراقية ذات طابع تمثيلي».

* قال المسؤولون الأميركيون ان قرار انشاء ادارتين عسكرية ومدنية أميركيتين سيكون لفترة غير محددة مسبقا، وهذا القرار ناجم عن الدروس التي تعلموها من أفغانستان حيث أن السلطة وزِّعت القوات العسكرية الأميركية التي ما زالت تخوض حربا ضد طالبان و«القاعدة» وبين القوة الامنية المتعددة الجنسيات المتشكلة من عدة آلاف من الأشخاص وحيث لا تشارك الولايات المتحدة فيها والى جانب هاتين القوتين هناك الحكومة الأفغانية الانتقالية التي يرأسها حامد كرزاي.

* الحكومة الأميركية حريصة جدا على عدم وقوع تدخل من القوى الاقليمية، وأشارت الى توفر الامكانية «لدى الايرانيين وغيرهم لخلق زعماء حروب بواسطة المال» يتعاطفون مع مصالح هذه الدولة أو تلك حسبما قال مسؤول أميركي. وأضاف هذا المسؤول: «نحن لا نريد حكومة فيدرالية ضعيفة تحركها القوى الاقليمية وتسمح للعراق أن يقسَّم الى مناطق نفوذ... نحن لا نريد الايرانيين يبدأون بدفع الأموال للشيعة والأتراك للتركمان». ولنفس السبب جاء قرار الادارة الأميركية بمنع بعض أطراف المعارضة العراقية الموجودة خارج الوطن من تشكيل حكومة مؤقتة. والمؤيد الرئيسي لهذه الفكرة هو أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي. لذلك تم تحذيره هذا الأسبوع بأن أي اعلان عن حكومة مؤقتة عراقية «سيؤدي الى انهاء الأواصر التي تجمع الولايات المتحدة بالمؤتمر الوطني العراقي»، حسبما قال نفس المسؤول الأميركي.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»