نشاط عربي مكثف في فرنسا بشأن الأزمة العراقية والقمة العربية

العاهل المغربي والرئيس الجزائري يحضران قمة القاهرة وشيراك يعارض توجه واشنطن نحو الحرب

TT

شهدت العاصمة الفرنسية باريس امس انشطة دبلوماسية عربية تمحورت حول الملف العراقي والقمة العربية العادية المزمع التئامها في اول مارس (آذار) المقبل. فقد استقبل الرئيس المصري حسني مبارك وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل في فندق «كريون» صباحا، الذي نقل اليه تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز و«رسالة» من الامير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني السعودي. وأعلن الوزير السعودي في تصريح مقتضب للصحافة، انه جاء الى باريس للقاء الرئيس مبارك، كما اعلن انه سيجتمع مع الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، مؤكدا في الوقت ذاته ان القمة العربية ستعقد في التاريخ الذي اقترحته القاهرة.

ومساء امس، استقبل الرئيس شيراك في قصر الاليزيه الرئيس مبارك. وقد استغل الرئيس مبارك وجوده في العاصمة الفرنسية الى جانب عاهل المغرب الملك محمد السادس والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والرئيس السوداني عمر حسن البشير من اجل التداول حول القمة وحول ما يمكن ان تخرج به من قرارات حول العراق.

وأفادت مصادر مصرية رفيعة المستوى ان ملك المغرب والرئيس الجزائري أبلغا الرئيس مبارك انهما سيحضران القمة القادمة في القاهرة. كما اعلن وزير خارجية مصر، احمد ماهر، انه سيدعو أنان لحضور القمة.

الى ذلك، الغي اجتماع كان مقررا امس بين الرئيس المصري والعاهل المغربي «بسبب ارتباطات الجانبين» وفق ما قاله مصدر مصري.

وتساءلت الاوساط الدبلوماسية في باريس امس حول معنى ما قاله الرئيس مبارك للقناة الفرنسية الثالثة، الليلة قبل الماضية حين اعلن عن اعتقاده ان فرنسا والولايات المتحدة «سيتوصلان في النهاية الى تفاهم بحيث لا يستخدم حق النقض (الفيتو)» من قبل فرنسا في مجلس الامن.

وفي الأيام الاخيرة، اكدت فرنسا على لسان رئيسها الا حاجة لقرار جديد «في مجلس الامن وان فرنسا ستعارض ذلك، مما يعني، تلميحا، الاشارة الى امكانية استخدام حق النقض».

وفيما تتهيأ الولايات المتحدة لطرح مشروع قرار جديد في مجلس الامن الدولي، مطلع الاسبوع المقبل، يعطيها الضوء الاخضر للقيام بعمل عسكري ضد العراق، جدد الرئيس شيراك معارضته لهذا التوجه.

وأعلن في مؤتمر صحافي عقده امس، عقب انتهاء اعمال القمة الثانية والعشرين الافريقية ـ الفرنسية، بحضور الامين العام للأمم المتحدة، ان «كل الامور تبرر ان يتم التوصل الى هذا الهدف (نزع اسلحة الدمار العراقية) بالوسائل السلمية، اي عن طريق عمليات التفتيش وليس عن طريق الحرب». واضاف شيراك: «اعتقد انني استطيع القول ان وجهة النظر هذه تم تأكيدها باجماع الحاضرين في القمة»، اي باجماع رؤساء الدول والحكومات الثلاث والاربعين من اصل 52 دولة افريقية كانت ممثلة في القمة.

غير ان الرئيس الفرنسي قال جملة يمكن ان تفسر على اكثر من وجه. فقد واصل شيراك كلامه بالقول: «وفق ما هي عليه الامور اليوم»، مما يعني ان الامور يمكن ان تتغير غدا، مما قد يبرر تغير المواقف بما في ذلك الموقف الفرنسي.

وقد استفادت باريس من هذه القمة لحشد الدعم لموقفها من الملف العراقي، الامر الذي تمثل في اصدارها بيانا، مساء اول من امس، «باجماع الحاضرين»، كما قال شيراك ينص على ان هناك «بديلا للحرب». ويعتبر ان اللجوء الى القوة «يتضمن مخاطر كبيرة تزعزع امن المنطقة وافريقيا والعالم ولا يمكن ان يكون سوى الملاذ الاخير».

ويتسعيد البيان الموقف الفرنسي الذي يعتبر مجلس الامن «الاطار الشرعي الوحيد» للبت في الملف العراقي ويدعو الى استمرار اعمال التفتيش «في اطار القرار 1441 الذي لم تنفذ بعد كل امكانياته».

وتكمن أهمية هذا البيان، اضافة الى الدعم السياسي لباريس من قبل الدول الافريقية، في وجود ثلاث دول افريقية في مجلس الامن، هي الكاميرون وانغولا وغينيا، وان هذه الاخيرة سوف ترأس مجلس الامن ابتداء من اول مارس المقبل.

واعرب شيراك عن ثقته في صلابة الامم المتحدة وعدم خوفه على مصيرها حتى وان قامت واشنطن بعمل عسكري خارج مظلتها. وقال شيراك: «لست قلقا على مصير الامم المتحدة التي اظهرت تماما أن لا غنى عنها. يمكن ان نتصور حربا من غير موافقتها ولكن لا يمكن ان نتصور سلاما من غير الأمم المتحدة».

وأفادت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» ان باريس «مطمئنة» لموقف بلدين هما الكاميرون وغينيا. واذا تحقق ذلك، فان باريس يمكن ان تضمن ألا تنجح واشنطن في جمع الاصوات التسعة التي تحتاجها من اجل اصدار قرار جديد في مجلس الامن. وتتألف «النواة الصلبة» للموقف المناهض لواشنطن (ولندن) من فرنسا وروسيا والصين وألمانيا وسورية. واذا اضيفت اليها الكاميرون وغينيا، فهذا يعني منع صدور القرار الجديد وتفادي لجوء باريس الى استخدام حق النقض (الفيتو)، بما له من انعكاسات سلبية على علاقاتها مع واشنطن وعلى مجلس الامن نفسه.

وقالت المصادر ذاتها ان باريس «لا تؤخذ بالتهويل الاميركي» وبالضغوط القوية التي تمارسها واشنطن وما زالت «مطمئنة وهادئة» لصلابة موقفها.