«الشرق الأوسط» تستطلع سير الحياة على الحدود السعودية ـ الكويتية ـ العراقية قبل الحرب المتوقعة: أهالي حفر الباطن غير قلقين وخرجوا كعادتهم السنوية بخيامهم في رحلات البراري

TT

يسير رتم الحياة في شمال شرقي السعودية وهي المنطقة الاستراتيجية المهمة والغنية بالنفط، بصورة اعتيادية وبدون اي مستجدات خارجة عن المألوف على الرغم من وقوعها على مرمى حجر من النقطة الساخنة لموقع الاحداث والحرب المحتملة، نظرا لارتباطها حدوديا بدولتي الكويت والعراق.

«الشرق الأوسط» عايشت الاجواء هناك وسلطت الضوء عبر هذا التحقيق على سير الاوضاع ومشاعر الاهالي ومدى الجاهزية مع احتمالات اندلاع رحى حرب الخليج الثالثة.

استكمال جميع التجهيزات على الرغم من التحفظ في الحديث عن الاستعدادات من قبل المسؤولين العسكريين والمدنيين، الا ان الاجهزة الامنية في السعودية تؤكد جاهزيتها في حال نشوب الحرب وتوقعاتها لجميع الاحتمالات باجراءات عقلانية تتجنب بث الذعر في نفوس الاهالي والمقيمين على حد سواء. فعلى الرغم من تصاعد القلق في العالم من الحرب المحتملة على العراق وتداعياتها يسير رتم الحياة في شمال شرقي السعودية بصورة اعتيادية كما هو الحال في بقية البلاد.

وكان مجلس الدفاع المدني الاعلى الذي يترأسه الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية قد اقر اخيرا السماح للشركات بالبدء في استيراد كمامات وأقنعة واقية من الغازات الكمياوية حسب مواصفات قياسية وضعتها القوات المسلحة يتم بموجبها تأمين الأقنعة. وفي الوقت ذاته اكد فيه اللواء سعد بن عبد الله التويجري مدير عام الدفاع المدني السعودي وجود خمسة عشر الف رجل اطفاء على اهبة الاستعداد لمجابهة حرائق المنشآت البترولية والحقول النفطية في حال حدوثها، وقال ان الدفاع المدني يمتلك وسائل ومعدات حديثة وكميات كبيرة من مادة الرغوة الموجودة في المستودعات وفرق الاسناد لأعداد كبيرة من الافراد والاطفائيين في ما لو لزم نقلهم بالطائرات من موقع لآخر بعد تدريبهم للتعامل مع المواد البترولية وكيفية مواجهتها، وطائرات عمودية تساند القوة لاطفاء الحرائق، مشيراً الى صدور توجيه من الامير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام يتعلق بوضع طائرات نقل القوات المسلحة في حال الحاجة اليها لنقل افراد الدفاع المدني الى مواقع الحرائق، هذا الى جانب التجهيزات العالية التي تمتلكها شركة ارامكو السعودية لمواجهة اي طارئ.

من جانب آخر أكد الفريق طلال بن محسن العنقاوي مدير عام حرس الحدود في السعودية ان حرس الحدود بجميع منافذ السعودية على اهبة الاستعداد لأي حدث مفاجئ اياً كان نوعه وانهم قادرون على المواجهة في أي حدث. وتطرق الى عمليات القاء القبض على المتسللين العراقيين، وقال إنه يتم يومياً القاء القبض على متسللين، ويجري التأكد من هويتهم وعدم وجود أي تهم جنائية بحقهم ومن ثم اعادتهم الى وطنهم، مؤكداً انه تمت اعادة جميع المتسللين العراقيين الى وطنهم.

< توقعات بزيادة أسعار التأمين < وفي ما يتعلق بحركة الشحن البحري وحركة السفر والسياحة في المنطقة، فقد توقعت مصادر ان تعمد شركات اعادة التأمين العالمية لزيادة رسوم التأمين البحري على جسم السفينة والبضائع في الايام القليلة المقبلة، خصوصاً مع تزايد اجواء التوتر في المنطقة وارتفاع المخاوف من اندلاع حرب ضد العراق تقودها الولايات المتحدة. وقالت مصادر ذات علاقة بالمنطقة الشرقية ان زيادة اسعار بوليصة التأمين تأتي تمهيداً لاتخاذ قرار الغاء تأمين تغطية الحرب حيث ستكون الشرارة الاولى للحرب المحتملة بداية العمل الغاء هذه البوليصة، وتؤكد المصادر ان بوادر التوجه لزيادة الأسعار بدأت في التزايد حالياً، الامر الذي يعزز الكثير من المخاوف بوصول اسعار التأمين البحري لمستويات مرتفعة بحيث تتجاوز الارتفاع الذي وصلت اليه ابان الحرب الاخيرة على افغانستان التي قادتها الولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب، مما ساهم في الغاء بوليصة التأمين في خليج عمان آنذاك. واكدت المصادر أن شركات التأمين تترقب بشيء من الريبة قرار هيئة لويدز للتأمين في لندن. وحسب شركات التأمين البحري في الاسواق المحلية فان الاسعار ما زالت عند مستوياتها بالرغم من تزايد مؤشرات الحرب ضد العراق، وبالتالي فان الجميع يأمل ان تخرج المنطقة من اجواء الحرب القائمة من خلال الوصول الى حل سلمي ينزع برميل البارود القابل للاشتعال بين لحظة واخرى.

وبالنسبة لحركة السفر والسياحية فانها من دون شك ستتأثر بالظروف التي تشهدها المنطقة، وقد اعلن عدد من شركات الطيران ومنها شركة طيران الخليج التي تمتلكها ثلاث حكومات خليجية عن خطة طوارئ تهدف الى استمرارية تقديم خدماتها بشكل طبيعي في حال اندلاع حرب في المنطقة، واكدت انها لن تقوم بتسيير رحلاتها فوق العراق او في المجال الجوي المحدد كمنطقة حرب او بالقرب من منطقة الصراع، ونظراً لأهمية مناطق المجال الجوي تلك فانه سيتم تعديلها واجراء التغييرات عليها من قبل المنظمة الدولية للطيران المدني من اجل التأكد من سلامتها وامنها.

< مخزون غذائي كاف < وفي ما يخص سوق المواد الغذائية في السعودية وامكانية تأثره بالحرب، طمأن متعاملون في سوق المواد الغذائية ان السوق السعودية لن تتأثر ويتوفر بها مخزون يكفي لفترة قادمة، وقالوا على سبيل المثال ان واردات السعودية من الارز، السلعة الاكثر رواجاً والتي تشكل نسبة 10% من اجمالي الواردات التي تقدر سنوياً بمليون طن وتصل قيمتها الاجمالية إلى ملياري ريال، لم تتأثر اطلاقاً، واشاروا الى انه في حال تأثرت واردات السعودية من الارز بالاحداث الجارية فان في السعودية من الارز ما يكفي لمدة عامين كاملين حيث يلجاء تجار الأرز عادة الى تخزين الارز لأن المستهلكين المحليين لا يفضلون شراء الارز الوارد حديثاً بل يفضلون محصول ما قبل عامين الى ثلاثة اعوام.

وقال احد كبار مستوردي الارز في سوق الدمام لـ«الشرق الأوسط» ان سوق الارز في السعودية لم يشهد اي نقص في كميات الارز سواء في كميات المخزون أو المعروض في الاسواق.

وفي مدينة الجبيل الصناعية التي تعد من اكبر المدن الصناعية في العالم وتتوفر بها مجمعات صناعية عملاقة لانتاج البتروكيماويات، اصدرت ادارة الامن الصناعي في الهيئة الملكية بالجبيل كتيباً ارشاديا بعنوان «ارشادات الطوارئ والاخلاء لقاطني مدينة الجبيل الصناعية»، يحتوي على ارشادات ومعلومات عن الاخلاء والدخول الى الاماكن المأمونة ومراكز التجمع ومنطقة الايواء وكيفية ارتداء القناع الواقي، وكذلك طرق الوقاية من غازات الحروب الكيماوية خارج المنزل وداخله وفي السيارة. واحتوى الكتيب ايضاً على خارطة مدينة الجبيل الصناعية التي توضح مراكز التجمع وطرق الاخلاء.

واوضح المهندس مازن خاشقجي مدير مطار الملك فهد الدولي بالدمام والذي يعد من احدث المطار الدولية التي شيدتها السعودية: ان هناك خطة طوارئ تشمل المطارات في حالة الازمات او عند وقوع الحروب بهدف تأمين سلامة الرحلات والمحافظة على العاملين في المطار، وقال: استفدنا كثيرا من ازمة الخليج في حرب تحرير الكويت، مستبعدا في الوقت نفسه ان يتم تسريح العاملين في المطار في حالة نشوب الحرب على العراق.

ويخيم الحذر والترقب على سوق العقار في المنطقة الشرقية للشهر الثاني على التوالي، مسجلا انخفاضا محدوا في حجم تعاملاته. وعزا عقاريون استمرار ضعف السوق العقاري الى نذر الحرب المحتملة على العراق وضعف السيولة، وقالوا ان اتضاح الرؤية امام المستثمرين حول الأحداث التي تمر بها المنطقة كفيل باعادة الانتعاش الى سوق العقار، واشاروا الى ان كبار المتعاملين بالشراء في مساهمات المنطقة الشرقية يتخوفون من الشراء في الظروف الحالية، متوقعين تحسناً مرتقباً في ظل ما قد يعلن من تأجيل أمد الحرب.

< لا قلق في حفر الباطن < وفي الوقت الذي تواصل فيه الشاحنات حمل المعدات العسكرية والجنود من داخل الكويت والاتجاه شمالا نحو العراق، كانت تحركات اهالي محافظة حفر الباطن الواقعة شمال شرق البلاد من السعودية والمحاذية للحدود الكويتية والعراقية، تسير في نفس الاتجاه، غير انها كانت محملة بالخيام وكل ما يتعلق بقضاء وقت ممتع في البراري، حيث تغطي الخضرة والمناخ الربيعي المناطق المحاذية للحدود العراقية على وجه الخصوص والتي غصت بالمتنزهين في الجانب السعودي من قبل سعوديين وكويتيين دفعهم تحول المساحات الشاسعه في بلادهم والتي تعادل نحو 50% من مساحة الكويت الى مناطق محظورة الى الانتقال الى صحراء السعودية، حيث تمتد حدود المناطق المحظورة في الكويت من مركز السالمي الحدودي مع السعودية غرباً والممتدة شرقا حتى تقاطع طريق العبدلي مع طريق الصبية، وتمتد شرقا الى المياه الاقليمية حتى جنوب جزيرة فيلكا وتمتد في اتجاه الشمال الشرقي حتى حدود المياه الاقليمية مرورا بخور عبد الله الذي يفصل بين العراق والكويت الى الحدود الشمالية لدولة الكويت.

ويعود اتجاه الاهالي في المنطقة الشرقية من السعودية الى الاقامة بصفة مؤقتة في الصحراء كتقليد ونهج يسير عليه غالبية ابناء الخليج الذي يعشقون البراري بحثاً عن اجواء مختلفة وهروباً من ازدحام المدن وصخبها. وخلال رصد ميداني اجرته «الشرق الأوسط» لانطباع الاهالي في محافظة حفر الباطن والمناطق المجاورة لها لا يشعر الجميع هناك بانزعاج حيال الاحداث الجارية بالقرب منهم وخطر وجودهم بمكان يقع قرب منطقة الحرب بمحاذاة دولة الكويت (200 كيلومتر) والتي يتوقع ان تكون قاعدة انطلاق الغزو وكذلك ارتباطها بشريط حدودي مع دولة العراق.

وعكست ردود الاهالي الذين استطلعت رأيهم الشرق الاوسط اتفاق الجميع على عدم شعورهم بالقلق حيال ما سيحدث وما قد تشهده المنطقة، وقالوا انهم استفادوا كثيراً من تجربة حرب الخليج الثانية، لكن ذلك لا يمنعهم من اتباع بعض الاحتياطات البسيطه التي لم يكن من بينها بالتأكيد التفكير والعزم على الرحيل من مناطقهم قبل الحرب الاميركية على العراق. يقول مخلد عواض المطيري: قضيت اغلب سنوات عمري هنا في حفر الباطن واشغل نفسي حاليا بمواصلة السير على اسلوبي المعتاد. وامام تطورات الاحداث في المنطقة لا يمكن التكهن بما سيحدث وليس امامنا ما نقوم به سوى ان نأمل ألا تقع الحرب.

ويؤكد فرحان وادي العنزي، ان عشقه للصحراء لم تقف امامه مخاوف الحرب، وقال: عاصرت احداث حرب الخليج الاخيرة ولم اغادر حفر الباطن وقضيت اجازة عيد الاضحى المبارك الأخيرة في التجول مع افراد اسرتي في الصحراء المجاورة للحدود العراقية حيث تتميز تلك المنطقة بتوافر مساحات خضراء شاسعة، ووجود اعداد كبيرة من الاهالي في تلك المنطقة يشعرك بعدم وجود مخاطرة بالبقاء في مكان يقع قرب منطقة الحرب. وأتوقع في حال حدوث حرب، لا قدر الله، ألا يكون هناك استهداف عشوائي للمدنيين والمدن، ففي الغالب سيكون العسكريين والمناطق العسكرية هي الهدف.

ويرى سلمان سعود الشمري ان الحياة في حفر الباطن تسير بصورة اعتيادية ولا يوجد ما يدعو للتهويل، واستبعد اندلاع الحرب حسب رؤيته الشخصية للأحداث، اما في اسواق حفر الباطن فقد كانت حركة البيع والشراء تسير كما هو معتاد، ولم يلاحظ وجود اي نقص في حركة الشراء او زيادة والكميات التي يستهلكها الزبائن كانت كما هي خلال الفترات السابقة، ولم تتأثر في الظروف الحالية.

وتقول ام ناصر (سعودية) انها تتسوق بصحبة ابنائها ولا تخفي قلقها وحيرتها مما قد تشهده المنطقة من احداث، غير انها تؤكد ان الحركة في الاسواق عادية ولا يوجد بها ما يلفت الانتباه.

وخلاصة القول ان الحياة هناك بشكل عام تسير بصورتها الاعتيادية ويعلق الاهالي هناك ما تحمله الايام المقبلة من احداث للقضاء والقدر، غير عابيئن بما يتردد من عواقب وخيمة قد تجلبها الحرب المنتظرة، هذا في الوقت الذي تشغل فيه اخبار الحرب وآخر تطوارتها حيزاً كبيراً من احاديثهم في مجالسهم الخاصة.

وتكتسب اهمية محافظة حفر الباطن من خلال وقوعها في ملتقى طريقين دوليين، يمتد الاول من العاصمة الرياض والمنطقة الوسطى الى حفر الباطن ومنها الى الكويت، فيما يمتد الثاني وهو ما يعرف بطريق الشمال من مدينة الدمام ودول مجلس التعاون الخليجي مرورا بحفر الباطن بمحاذاة خط التابلاين الى الاردن وسورية ولبنان.

وتعد محافظة حفر الباطن واحدة من اهم المدن السعودية وتتبع اداريا لامارة المنطقة الشرقية، وهي غنية بالثروة الحيوانية وتوجد بها مدينة الملك خالد العسكرية والعديد من المرافق الحكومية والخدمات البلدية المتعددة وتتبعها العديد من القرى والهجر، وقد اصبحت مؤخرا مركزا حضاريا مرموقا.