جاسوس أميركي للعراق ينجو من الإعدام

برايان ريغان كان غارقا في الديون وأرسل رسالة إلى صدام للتعاون وكتب أخرى إلى القذافي

TT

قرر فريق المحلفين الفيدراليين في مدينة الكسندريا الاميركية اول من امس عدم إصدار حكم بالإعدام على برايان ريغان الذي أدين بالتجسس لحساب العراق، وذلك من منطلق أن جريمته (السعي لبيع أسرار للعراق) لا تبرر جعله أول شخص يُعدم بسبب تجسسه في الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب الباردة.

وأدين ريغان محلل الاستخبارات السابق في القوة الجوية الأميركية الأسبوع الماضي في قضيتين تتعلقان بمحاولته التجسس وججمعه معلومات تتعلق بالدفاع القومي. لكنه بُرِّئ من قضية اخرى تتعلق بمحاولته التجسس لصالح ليبيا.

وتحمل القضايا المتعلقة بالعراق وليبيا أحكاما محتملة بالإعدام، لكن لجعل الإدانة بخصوص محاولة التجسس لصالح العراق مقبولة من الناحية القانونية كي يكون عقابها الإعدام، كان على المحلفين أولا، أن ينظروا في ما إذا كان ريغان قد حاول بيع أسرار للعراق تتعلق بأنظمة الأسلحة مثل الأسلحة النووية أو أنه كان يحاول بيع خطط حربية أميركية له. لكن المحلفين لم يجدوا أنه حاول التعامل مع أي من هاتين الإمكانيتين. واعتبر بعض الخبراء في أحكام الإعدام وفريق الدفاع عن ريغان إن عدم إصدار حكم الإعدام ضده يمثل رفضا لمساعي وزارة العدل الأميركية الهادفة إلى إجبار هيئات الإدعاء العام على المطالبة بعقوبة الإعدام لعدد متنوع من الجرائم. وفي مواجهة هذه المساعي اصبح بعض المسؤولين الحكوميين يعارضون القرار الذي كان يهدف إلى إصدار حكم بالموت ضد ريغان الذي أدين فقط بمحاولة التجسس. لا سيما انه لم يصدر حكم الإعدام ضد جواسيس أكثر شهرة مثل روبرت هانسن الذي كان يعمل في الـ«إف. بي. آي».

وقال جوناثان شابيرو أحد محامي ريغان: «بالقدر الذي أشعر بالخيبة لإدانته أشعر كذلك بالفخر لهؤلاء المحلفين الذين لم ينهاروا في زمن الخوف من الإرهاب». وأضاف شابيرو أن «هذه القضية يجب ألا تكون أبدا قضية تطالها عقوبة الإعدام ولا بدّ أن رفض إصداره كان رسالة واضحة وقوية».

أما دافيد براك المحامي الخبير في أحكام الإعدام الفيدرالية من جنوب كارولاينا فقال إن الحكم (بغير الإعدام) لم يكن «شيئا غير متوقع، فقرار وزارة العدل الهادف إلى إصدار حكم بالإعدام في هذه القضية غريب جدا. حان الوقت للتفكير أكثر في استعمال عقوبة الإعدام».

أما جوشوا ماركيز الذي يحتل منصب نائب رئيس الهيئة المعنية بتحويل القضايا القضائية التي يشملها حكم الإعدام إنه «أمر صعب دائما إصدار حكم الإعدام. هذا الشخص أدين بخيانة وطنه ويواجه حكما بقضاء جزء من عمره أو كل عمره في السجن. أنا لا أعتبر ذلك بأي حال من الأحوال نصرا للدفاع».

وأنهى قرار المحلفين ما يمكن اعتباره خلافا تاريخيا حول الاعدام كعقوبة على التجسس. اذ أنهم قالوا للقاضي جيرالد بروس لي انهم لم يتمكنوا من الوصول إلى قرار فيما إذا كان التجسس للعراق يجعل ريغان مؤهلا لعقوبة الإعدام، وقام القاضي بإرسالهم إلى بيوتهم لقضاء عطلة نهاية الأسبوع وبدأت المداولات يوم الاثنين الماضي.

وهذا ما رفع من التوقعات من احتمال أن يميل المحلفون إلى عدم تبني عقوبة الإعدام بعد أن أدانوا ريغان بالتجسس، وهذا الشيء لم يحدث من قبل في أي قضية فيدرالية.

وكان ريغان قد اعتُقل في مطار دالاس في أغسطس 2001 حينما كان يسعى إلى ركوب طائرة متوجهة نحو سويسرا. وكان يحمل معه خرائط تحدد موقعين للصواريخ أحدهما صيني والآخر عراقي إضافة إلى أرقام هواتف السفارات الصينية والعراقية في أوروبا.

وشاهد ريغان هذه المعلومات في مكتب الاستطلاع القومي السري بمدينة شانتالي وهو بدأ عمله هناك سنة .1995 وفي هذا الموقع الذي يشرف على عمل جواسيس الاستطلاع الأميركية كان ريغان يدير موقع انترنت اسمه «انتلينك» حيث موقع مفتوح أمام وكالات الاستخبارات الأميركية. وبعد تركه للعمل في القوة الجوية الأميركية قامت شركة دفاعية خاصة اسمها «تي إر دبليو» بتشغيل ريغان فبدأ بالعمل في هذا المكتب.

خلال المحاكمة التي استمرت أسبوعين أظهر فريق الإدعاء ريغان كشخص مخادع وحذر، وهو كان غارقا في ديون بطاقات الائتمان حيث بلغت 116 ألف دولار. وقال المدعون إنه عرض كي يخون بلده مقابل 13 مليون دولار حينما أرسل رسالة إلى صدام حسين يعرض فيها عليه معلومات سرية. وتمكن موظفو مكتب المباحث الفيدرالي أن يعثروا على الرسالة وأخرى شبيهة بها مكتوبة الى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي حينما كانوا يفتشون كومبيوتر محمولا موجودا في بيت ريغان بعد مضي ستة أشهر على اعتقاله.

ووصف محامو ريغان موكلهم بأنه شخص سيئ الحظ، ولكن المحامية نينا غينزبرغ قالت أيضا انه «غريب الأطوار» إذ أعطاه عمله كموظف حكومي في موقع حساس الشعور بالأهمية وهذا ما جعله يتخيل نفسه جاسوسا لم يتمكن أبدا من تحقيقه في حياته.

وتصادم فريقا الادعاء والدفاع بشكل حاد حول مدى خطورة المعلومات التي كانت بحوزة ريغان على الأمن القومي عند اعتقاله. وقال شهود الحكومة إن تلك المعلومات قد تساعد العراق على إسقاط طائرات أميركية لكن شهود الدفاع قالوا إن المعلومات لن تهدد الأمن القومي بأي شكل من الأشكال.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»