بهيجة هيدور زوجة أحد المعتقلين السعوديين في قضية خلية «القاعدة» بالمغرب لـ«الشرق الأوسط»: حارسات السجن كن يسخرن منا.. وضربنني أمام زوجي

TT

«جاءنا صحافيون»، هذا ما قالته طفلة ذات اربع سنوات تنتمي لعائلة بهيجة هيدور زوجة زهير الثبيتي، السعودي الذي ادانته محكمة مغربية اخيرا في قضية «القاعدة» في المغرب، لاطلاع أهل البيت، حينما طرقت «الشرق الأوسط» بابهم صباح امس رغم ان زميلنا المصور كان يخفي أدوات تصويره داخل حقيبة صغيرة. وعلق أحد اقرباء العائلة بالقول ان الجميع في هذا البيت، بمن فيهم الأطفال تعودوا منذ حوالي تسعة اشهر على استقبال زوار غرباء، واصبحوا قادرين على معرفة هوية كل زائر من خلال ملامحه. واضاف «ان الصحافيين يبدون ظرفاء لذلك يحبهم الأطفال».

كانت عائلة هيدور قبل حوالي سنة تعيش حياة عادية، تأكل الطعام وتحلم ككل العائلات بالرقي بمستوى عيشها وتغيير بيتها المتواضع الذي تحول الى اشهر بيت في حي الملاح الشعبي الواقع داخل المدينة العتيقة للرباط، بعد اتهام اثنين من أفرادها بالانتماء الى ما عرف بالخلية النائمة لتنظيم «القاعدة» في المغرب.

وقالت بهيجة، التي اطلق سراحها بعدما تجاوزت فترة بقائها قيد الاعتقال الفترة المحكوم عليها بها، انها لم تكن تنتظر ان تتحول حياتها وحياة العائلة الى جحيم، وهي التي كانت تحلم فقط «بمستقبل هادئ وبيت تبنيه بما يرضي الله ورسوله».

وتذكر بهيجة، خلال حديثها مع «الشرق الأوسط»، بكثير من الأسى عملية استنطاقها في مركز الدائرة الثانية للشرطة (وسط الرباط)، وكيف سألها أحد المحققين حول ما اذا كانت قد أدت صلاة الاستخارة قبل أن تأتي الى المركز. فقالت: نعم. فقال لها «جيد، لأن صلاتك ستساعدنا في فك لغز هذا الارهاب الذي يهدد المغرب. أنت فقط وسيلة اوصلتنا الى المجرمين».

* ماذا كان ردك آنذاك؟

ـ لم يترك لي فرصة للكلام، كان يطرح أسئلة ثم يكتب.

* ما هي طبيعة هذه الاسئلة؟

ـ كانت اسئلة عادية طرحوها علي اكثر من مرة، وهي نفسها التي طرحوها على كل أفراد العائلة، وكانوا يرفقونها دائما بالتهديدات، كانوا يسألونني عن زوجي وكيف التقيت به، كما سألوني عن نعيمة هارون، وكيف كانت تتصرف وماذا روت لي عن السعودية.

* بماذا كانوا يهددونكم؟

ـ كانوا يقولون لنا انهم سيخفون عنا الشمس، وكانوا يضربون الجميع. ضربوني امام زوجي (تبكي وتتوقف لحظة عن الكلام)، وازالوا نقابي، لكن لن انسى اليوم الذي اقتحموا فيه بيتنا، وكانوا يفتشون في كل مكان، وعندما كنا نسألهم عن ماذا يبحثون كانوا يردون «ستعرفون في ما بعد». لقد اخذوا جميع الاوراق والوثائق وكل الاشياء التي اعجبتهم، اخذوا ايضا دفاتر الشيكات.

* هل وقع ذلك مباشرة بعد عودتكم من مطار محمد الخامس في الدار البيضاء، أم بعد ذلك بأيام؟

ـ وجدنا أخبار ما وقع في المطار قد سبقتنا الى البيت، لم نكن قد خرجنا بعد من صدمة المطار ومن الارهاب الذي تعرض له الأطفال الذين كنا وعدناهم بمرافقتهم الى حديقة سندباد في الدار البيضاء. لم تكن السيارة قد توقفت نهائيا امام باب المطار حتى سمعنا اطلاق صفارات من جميع الاتجاهات.

* من كان منكم يريد السفر؟

ـ كانت أختي نعيمة تريد السفر رفقة زوجها عبد المجيد الكارح، وكنت أنا وزوجي زهير الثبيتي وأختي فاطمة نرافقهم. ولم نكن نعرف ان فرحة سفر أختي وزوجها ستتحول الى اعتقالات واستنطاقات، فقد اخذوا الرجال وطلبوا منا نحن ان ننسحب بعدما اخذوا من حقائبنا كل الاشياء التي اعجبتهم او رأوا انها ستفيدهم، سلبوا من حقيبة أختي 10 آلاف دولار، ثم تركونا في الموقف الخاص للسيارات.

* ـ كيف عدتن الى الرباط؟

توكلت أختي فاطمة التي كانت قد حصلت للتو على رخصة سياقة على الله، وساقت سيارة زوج أختنا عبد المجيد الكارح. أتذكر انها كانت تسير فقط بسرعة 40 كيلومترا في الساعة على الطريق السيار بين الدار البيضاء والرباط.

* كيف بدأت التحقيقات معك ومع كل أفراد العائلة؟

ـ بعدما فعلوا كل ما بدا لهم في البيت، قالوا لي ولأختي حورية انهم سينتظروننا في مركز الدائرة الثانية للشرطة في وسط الرباط، وذهبوا معنا الى مكان حريق الحقيبة. ثم عدنا الى المركز، وهناك ازالوا نقابي، وطلبوا مني عدم ارتداء هذا اللباس، وارتداء لباسا مغربيا.

* ألم تفكري يوما في تغيير طريقة لباسك؟

ـ أبدا أنا فعلت ذلك عن ايمان.

* وكم استمر التحقيق معك؟

ـ شهرا كاملا، كنت اذهب يوميا الى مركز الدائرة الثانية، وذات يوم قال لي أحدهم انني سأرافقه الى مسؤول سنلتقي معه في «أسواق السلام»، ومن هناك ذهبنا رفقة نفس المسؤول الى مقهى «الشامبيون»، وطلب مني ان اشرب شيئا، اتذكر أني كنت صائمة، لكن من شدة ارتباكي طلبت عصير ليمون، ثم بدأ يطرح علي نفس الاسئلة التي طرحوها من قبل.

* هل استمرت الأمور على هذا الشكل؟

ـ لا، ذات يوم، واعتقد انه اليوم الثالث عشر بعد بداية التحقيقات، اخذونا رفقة أختي في سيارة، وذهبوا بها في اتجاه سلا الجديدة على الطريق السيار، هناك وضعوا على عيوننا عصابات، ثم احسسنا انهم انعطفوا بالسيارة في اتجاه مغاير حتى وجدنا انفسنا داخل مكاتب.

* ألم تقدري المسافة التي قطعتها السيارة بالضبط والى أين ذهبت؟

ـ احسست انها نفس الطريق التي تؤدي الى تمارة.

* كيف حققوا معكما؟

ـ طرحوا نفس الاسئلة، وكانوا يحرفون الاجوبة، ثم قالوا لنا اننا سنذهب في أمان لكن على اساس ان نوقع على محاضر.

* كم استمر التحقيق؟

ـ ما بين الساعة الثانية بعد الظهر الى الواحدة صباحا.

* ـ ألم يطلعكما على ما كتبوه في المحاضر؟

قالوا لنا ليس من حقكما ذلك، والمطلوب منا ان نوقع على المحاضر فقط.

* وهل وقعتما عليها؟

ـ طبعا، وقعنا على اوراق كثيرة، حتى تعبت يدي، واسترحت قليلا لأوقع من جديد، ثم طلبوا منا الانصراف، لكن في يوم اعتقد انه كان الأربعاء، أخذونا في البداية الى نفس المشوار ودائما العصابات موضوعة على عيوننا، أي في اتجاه سلا الجديدة، قبل ان يغيروا المسار في اتجاه الطريق المؤدية الى الدار البيضاء.

* وأتذكر ان السيارة سارت بنا مسافة اطول مما كانت تسير عليه في السابق، أدركت حينها انهم اخذونا الى الدار البيضاء.

* كم من الوقت استغرقت الرحلة؟

ـ لم نكن نحس بالزمن، أتذكر فقط، انني قبل الذهاب اليهم كنت قد أديت صلاة العصر، لم نكن نحمل ساعات، ولما كنت اسأل أحد الحراس حول ما اذا كان آذان صلاة المغرب قد حان موعده، كان يقول لي: لا اعرف. وحينما ألح في السؤال يقول لي انه سيذهب لطلب الاذن من المسؤول.

* ألم يحقق معكما في تلك اللحظة أي واحد من المحققين؟

ـ قالوا لنا سيأتي مسؤول كبير، عرفنا في ما بعد انه قاضي التحقيق، وطلبوا منا ان نوقع فقط على المحاضر من دون الدخول في التفاصيل لأن كل الاقوال المسجلة في تلك المحاضر هي في صالحنا على حد قولهم.

* وكيف كان تعامل قاضي التحقيق معكما؟

ـ قال لنا اسمحا لي أنا متعب جدا ولم أنم جيدا، ثم طلب منا التوقيع على المحاضر.

* ثم ماذا بعد؟

ـ وجدنا انفسنا صباح يوم الجمعة في سجن عكاشة في الدار البيضاء بعدما قضينا ليلتين لم نذق فيهما طعم النوم. طلبنا منهم ان يخبروا عائلتنا بما وقع، وهل سيستمر اعتقالنا طويلا، وعدونا بذلك، لكن على ما اعلم لم تعرف عائلتي باعتقالنا الا بعد حوالي 10 ايام، والحال أننا لم نعد نضبط الزمن، ولم يسمحوا لنا بزيارة محام الا بعد 11 يوما.

* وكيف كانت اقامتكما في سجن عكاشة؟

ـ وضعونا في سجن انفرادي. لم اكن ارى أختي طيلة مدة الاعتقال الا داخل المحكمة، وكانوا يزودوننا بأكل متعفن، لم استطع أكله، ويوما سألتني حارسة لماذا لم آكل، قلت لها تعالي واذا استطعت تذوق هذا الطعام فاني سأشاركك في اكله. وحتى الاكل الذي كان يأتي به الاهل كان يتم اتلافه حتى يصبح غير قابل للاستهلاك. أختي حورية اصيبت باسهال حاد. والسرير الذي كنت انام عليه كان اصلب من الاسمنت. مرة طلبت منهم ان يأتوني بالكارتون (الورق المقوى) لأنام عليه لكنهم رفضوا.

* ألم تخبرا عائلتكما في الخارج لمراسلة الجهات المعنية؟

ـ فعلنا ذلك، وقام عدد من أفراد عائلتي بالاعتصام امام باب السجن لتحسين ظروف الاعتقال، وظروف زيارة العائلة لنا، والتي كان يفتش كل أفرادها وكأنهم ارهابيون، ويتعرضون للكثير من الاستفزازات من طرف بعض حراس السجن.

* وما هي الاستفزازات التي تعرضتما لها داخل السجن؟

ـ كثيرة، من طرف بعض الحارسات ومن طرف بعض السجينات التي أسر بعضهن لنا انهن يعملن ذلك بايعاز من بعض الحارسات. كن يتفوهن بكلام بذيء، ويؤلفن اغاني، ويسخرن منا كقولهن ان أسامة بن لادن لن يستطيع اطلاق سراحنا، او قول احداهن مخاطبة النزيلات «ابتعدن، ستنفجر قنبلة».

* ألم تطرحا الامر على مديرة حي النساء في السجن؟

ـ ذهبت أختي نعيمة عندها، واشتكت ما نتعرض له داخل السجن، فكان ردها انها تعبت من شكاوى عائلات النزلاء وانها مريضة وتتناول ادوية مهدئة.

بل ان طبيبة اختصاصية للعيون لم تأت لمعالجة أختي حورية الا بعد ان تطورت حالتها بشكل كبير، واصبحت عيناها تدمع قيحا.

* ألم تحسا بتعاطف بعض السجينات معكما؟

ـ أبدت عدد من السجينات تعاطفهن معنا، وبعضهن قلن لنا انهن يضطررن للرفع من صوت آلات التسجيل بايعاز من بعض الحارسات للتشويش على صلاتنا وحتى لا استطيع التحدث الى أختي حورية. وأتذكر ان احدى الحارسات قالت لنا انها ستكتفي بشراء علبة سيجارة لنزيلة حتى تخدش وجوهنا، التي وصفتها بأنها «تشبه الجريمة» التي ارتكبناها الآن، وبعدما تركتما السجن، ما هو احساسكم؟

ـ نحمد الله تعالى على كل شيء، والذي كانت عدالته أكبر، لكن فرحتنا لم تكتمل بعد، لأن زوجي ما يزال قابعا وراء القضبان بتهم باطلة بعدما لم ينجحوا في اثبات اتهاماتهم. واغتنم هذه المناسبة لمطالبة السلطات السعودية بالتدخل.

=