بوش يؤكد قناعته أن إطاحة صدام ستحدث تحولا ديمقراطيا في الشرق الأوسط

TT

حدد الرئيس الاميركي جورج بوش في خطاب مساء امس رؤيته للعراق ومنطقة الشرق الاوسط خلال مرحلة ما بعد الحرب المحتملة، مؤكدا قناعته ان إطاحة الرئيس العراقي ستكون خطوة مهمة نحو إحداث تغيير ديمقراطي في العالم العربي. وجاء الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوش في مركز للأبحاث بواشنطن (أميركان انتربرايز) كجزء من مساع مكثفة لإدارته في إطار الدفاع عن الغزو الاميركي المتوقع للعراق. وعرض بوش صورة تتسم بالتفاؤل حول التطورات المحتملة للأحداث في حال اتخاذه قرارا بشن حرب على العراق. وأكد ان الولايات المتحدة ستقود حملة اكثر اتساعا واكبر حجما من المقرر ان تستمر الى ما بعد انتهاء المواجهات العسكرية في العراق وتقف على الصعوبات التي تواجهها العلاقات مع اميركا في المنطقة. وتشكل الحملة المذكورة جزءا مما اطلق عليه بوش «معركة من اجل مستقبل العالم الاسلامي». وفيما تركز السياسة الاميركية اهتمامها في الوقت الراهن على إطاحة صدام والتخلص من اسلحة العراق المحظورة، فإن المسؤولين الاميركيين يؤكدون ان نجاح المهمة الاميركية في العراق يمكن ان يؤدي الى وصول حكومة تمثيلية موالية للغرب الى السلطة في بغداد، ويساعد بصورة اساسية على إعادة تشكيل المنطقة مع تحسين وضع المصالح الاميركية في نفس الوقت.

لكن المراقبين يرون ان الادارة الاميركية حددت لنفسها تحديا هائلا في العراق فيما لا يزال الهدف الاكبر من المهمة المرتقبة اكثر صعوبة طبقا للمعطيات الراهنة. فالمتشككون في نجاح الولايات المتحدة في مواجهة هذا التحدي يشيرون الى وجود عقبات كبرى، بما في ذلك الشكوك الواسعة والارتياب إزاء الدوافع الاميركية والغضب والاستياء العميق تجاه الدعم الاميركي غير المحدود للسياسات المتشددة لحكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون. وقال يوسف ابراهيم، من مجلس العلاقات الخارجية، ان العرب من دون استثناء تقريبا سيرحبون بالمزيد من الديمقراطية وحرية التعبير، إلا ان ذلك، كما اشار، لا يعني انهم سيثقون في الولايات المتحدة بالضرورة للمساعدة في تحقيق هذا الهدف. وأوضح ابراهيم ان «وجهات النظر والآراء في العالم العربي تختلف عن وجهات النظر والآراء التي تعبر عنها واشنطن».

كما لفت ناقدون للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الانتباه الى ضرورة تجاوز ادارة الرئيس بوش للهوة الواسعة التي احدثتها السياسات الاميركية المرفوضة. فقد حذر البروفيسور شبلي تلحمي، الاستاذ بجامعة ميريلاند الاميركية، من ان أي غزو للعراق واحتلال لأراضيه بواسطة قوات بقيادة اميركية ستغذي الصورة الامبريالية للولايات المتحدة وتضعف ايضا الاهداف التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها في المنطقة. جدير بالذكر ان رئيس هيئة اركان الجيش الاميركي، الجنرال ايريك شينسكي، اكد أمام لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ الاميركي الحاجة الى مئات الآلاف من الجنود لتأمين الاوضاع في العراق خلال ما بعد الحرب المرتقبة، مشيرا الى ان «مساعدة الاصدقاء والحلفاء ستكون مفيدة»، على حد تعبيره.

ويمثل العراق داخل الاوساط المقربة من الرئيس جورج بوش نقطة تقاطع بين كونه يمثل تهديدا امنيا وكونه يوفر فرصة جيوسياسية لتحقيق اهداف محددة للإدارة الاميركية الحالية. فهجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 حتمت على الولايات المتحدة مواجهة ودحر الارهاب جزئيا باستخدام القوة وجزئيا من خلال اتخاذ خطوات لتوسيع الفرص السياسية والاقتصادية. ويعتبر بوش ومستشاروه انفسهم في الجانب الصحيح من موجة تاريخية متنامية، مؤكدين ان اجزاء من العالم العربي تمر بعملية إصلاح وان اجزاء اخرى منه في طريقها الى ذلك. وكان بوش قد قال في خطاب ألقاه العام الماضي ان ما يحدث يعتبر «صراعا للافكار.... وهذا جانب يجب ان تتفوق فيه اميركا».

من جانبه، اشار نائب وزير الدفاع الاميركي، بول ولفوويتز، في سياق شرحه في خريف العام الماضي لسياسة الولايات المتحدة، الى اللحظات الحاسمة في اتخاذ ادارة الرئيس الاميركي السابق رونالد ريجان قرارها التخلي عن رجل الفلبين القوي سابقا فيرديناند ماركوس لمصلحة التوجه الديمقراطي بقيادة كورازون اكينو. ويقول ولفوويتز، الذي ساعد في الترتيبات التي اجريت بهذا الشأن عندما كان خلال تلك الفترة موظفا بوزارة الخارجية الاميركية، ان انتقال السلطة في الفلبين من حكم فرد الى ديمقراطية وليدة لم يحسن فحسب اوضاع الفلبين بل ساعد ايضا في إحداث تغيرات في مختلف دول القارة الآسيوية. وبالنسبة لولفوويتز، الذي يعتبر من ابرز انصار إطاحة صدام حسين، فإن تجربة الفلبين تعتبر سابقة تشجع على تدخل الولايات المتحدة في العراق، مؤكدا ان تحرير العراق يمكن ان يأتي بحكومة تمثل مختلف فئات الشعب العراقي وتعامله بصورة لائقة، كما يتوقع ان يلقي التغيير المرتقب في العراق بظلال كثيفة على منطقة الشرق الاوسط.

وتعتزم الادارة الاميركية إقامة قيادة اميركية في العراق قبل تسليم السلطة تدريجيا لسلطة مدنية تعد البلاد لإجراء انتخابات عامة وتطبيق حكم القانون. ولا يتوقع بوش ومستشاروه اقامة نظام ديمقراطي في العراق على نمط الديمقراطية الاميركية، لكنهم يعتقدون بان العراقيين على استعداد لتقبل نظام ديمقراطي بدلا من النظام الدكتاتوري. ويؤكد مسؤولون اميركيون انهم سيواصلون التمسك بالتوجهات الحالية لإدارة بوش حتى النهاية رغم ان المساعي والجهود ذات الصلة بهذه التوجهات يتوقع ان تصل تكلفتها الى عشرات المليارات من الدولارات. تجدر الإشارة الى ان بعض اعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وصفوا افتراضات الادارة الاميركية حول العراق بأنها متفائلة. كما حذر فواز جرجس، خبير شؤون الشرق الاوسط في معهد «سارة لورانس كوليدج»، مما اعتبره تقليلا من شأن صعوبة عمليات البناء الوطني والتعقيدات المرتبطة بها دعك عن تطبيق النظام الديمقراطي. وعلق جرجس بقوله ان المسؤولين الاميركيين «يفكرون في هذا الجانب على نحو اقرب الى الحكايات الخيالية». اما ديفيد ماك، نائب رئيس «معهد الشرق الاوسط»، فقد علق قائلا ان مسؤولي الادارة الاميركية يتعاملون مع مسألة البناء الوطني في العراق وكأنها امر سهل للغاية ولا يحتاج الى تفكير. ويعتقد ماك ان الجانب الاميركي يبدو متعجلا، على العكس من شعوب المنطقة.

وكان مسؤولون في الادارة الاميركية قد ظلوا يتحدثون على مدى شهور حول الحاجة الى تغير طويل الامد في المنطقة. إذ تشير بعض التقديرات الى وجود 65 مليونا و14 مليون عاطل عن العمل في منطقة الشرق الاوسط الى جانب 10 ملايين طفل في سن التعليم غير مسجلين في المدارس. وعلق وزير الخارجية الاميركي كولن باول قائلا ان أية سياسة ازاء منطقة الشرق الاوسط لا تعالج هذه المشاكل ستكون مثل «البناء فوق الرمل». وطلبت وزارة الخارجية الاميركية بدورها من الكونغرس هذا الشهر المصادقة على تخصيص مبلغ 145 مليون دولار لدعم مبادرات تهدف الى دعم مؤسسات المجال المدني في المجتمعات العربية التي تعاني من القهر، كما افتتحت العام الماضي مشاريع تعليمية وديمقراطية واقتصادية بدعم من الولايات المتحدة قدره 29 مليون دولار الى جانب إعادة الادارة الاميركية النظر في مساعدات للمنطقة تبلغ مليار دولار.

ويعتقد عدد من المحللين ودبلوماسيون بوزارة الخارجية الاميركية ان المبادرة الاميركية برمتها ستواجه وضعا حرجا اذا لم يبذل البيت الابيض المزيد من الجهود لحل النزاع الفلسطيني الاسرائيلي. وتعتقد جوديث كيبر، الباحثة بـ«مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، ان النزاع الاسرائيلي الفلسطيني يعتبر القضية الاساسية»، وان إنهاء العنف بين الجانبين، وهي مهمة تعتقد كيبر ان الولايات المتحدة فقط هي القادرة على انجازها، سيكون في مصلحة الاسرائيليين والفلسطينيين وسيساعد على تهدئة الشكوك تجاه واشنطن وموجة العداء للولايات المتحدة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»