شارون يسترضي اليهود الشرقيين بوزارة الخارجية ويوجه ضربة قاصمة لمنافسه نتنياهو

معسكر رئيس الوزراء الاسبق يرد: سنجعل حكمه جهنم حمراء حتى يستقيل

TT

وجه رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، ضربة قاصمة لمنافسه في الليكود، بنيامين نتنياهو، حين جرده من منصبه كوزير للخارجية. وسلم المنصب لوزير المالية الفاشل، سلفان شالوم، بهدف استرضاء اليهود الشرقيين. وجعل من تعيينات الوزراء ما يشبه لعبة الشطرنج، كل نقلة حجر فيها محسوبة. وبذلك خلط حسابات خصومه ومنافسيه وفاجأ المراقبين وأثار دهشتهم واعجابهم. وحاول بتحركاته هذه التغطية على الامر الجوهري في تركيبة الحكومة، ألا وهو كونها حكومة يمين متطرف تحتاج الى معجزة حتى تخرج البلاد من مأزقها العسكري الخطير.

والمفروض ان يعقد الكنيست (البرلمان) الاسرائيلي جلسة خاصة له، اليوم (وهو يوم عطلة للكنيست عادة) من اجل ان يستمع الى التشكيل الحكومي الجديد من شارون ويقوم النواب باقرارها. ويحتاج شارون الى تأييد 61 نائبا (من مجموع 120) ليحصل على ثقة الكنيست، لكن الائتلاف الحكومي الجديد يحظى بتأييد 68 نائبا هم: الليكود (40) وشينوي (15)، والاتحاد القومي وهو حزب يميني متطرف جدا (7)، والمفدال (6) وهو حزب معتدل دينيا ومتطرف سياسيا ويمثل مصالح المستوطنين في المناطق الفلسطينية المحتلة.

وسيطرح شارون اولا الخطوط العريضة للحكومة الجديدة في مختلف مجالات عملها، السياسية الخارجية والاقتصاد والتعليم والمجتمع. ثم يرد عليه رئيس المعارضة، عمرام متسناع. ثم يتكلم رؤساء الكتل البرلمانية، وبعدها يجري التصويت العلني.

لكن ما سيدور في جلسة الكنيست، اليوم، ليس هو المهم في الحلبة السياسية الاسرائيلية. فالجميع مشغول هنا في الاسلوب الذي اتبعه شارون لتشكيل الحكومة، امس. ففي يوم احتفاله بعيد ميلاده الخامس والسبعين، وبدا وكأنه شاب «حاوي» يلعب بوزرائه كالدمى، ويضرب عشرات العصافير بحجر واحد. ويكشف ان ما خطط له في الخفاء كان امرا غير متوقع لاحد، وان المجموعة التي تحيط به تعرف كيف تحفظ السر وتصون الامانة ازاءه.

وكان شارون يبدو، حتى صباح امس، قائدا فئويا (اشكنازيا) متغطرسا، بل عنصريا ضد اليهود الشرقيين بعد ان اعلن انه سيطيح بوزير المالية، سلفان شالوم (يهودي شرقي)، وان حكومته تضم 3 وزراء شرقيين فقط (من مجموع 19 وزيرا). وامتلأت وسائل الاعلام، امس، بالتهديدات من اليهود الشرقيين بان يصوتوا ضد الليكود وسيتحالفون مع حزب العمل وبالتصريحات الجارحة ضد شارون شخصيا وضد الثلة المحيطة به. فكانت المفاجأة الاولى ان استدعى شارون الوزير شالوم وأبلغه انه لا يريده في وزارة المالية ـ «فهذه ليست صنعتك. واذا كنت تريد ان تصبح قائدا اول في الليكود، عليك ان تعرف ان المالية اسوأ موقع». ثم اقترح عليه ان يصبح وزير خارجية.

وذهل شالوم من هذا العرض المفاجئ، اذ انه يعطيه افضل مخرج من مأزقه الشخصي. فهو يعرف انه لم ينجح كوزير مالية. ويعرف ان شارون وعد زميله ايهود اولمرت بهذا المنصب. والآن يركله الى اعلى بمنحه وزارة الخارجية. واراد شالوم ان يسأل شارون عن مصير وزير الخارجية الحالي، بنيامين نتنياهو، فأسكته شارون قائلا: «اهتم بنفسك. هل توافق على قبول هذا المنصب»؟ وهكذا انتهت الجلسة. وما ان عم الخبر، حتى اشتعلت النيران في معسكر نتنياهو وهدأت في ساحة اليهود الشرقيين.

وفي البداية لم يصدق نتنياهو النبأ فتوجه الى شارون، الذي كان قد دعاه هو ايضا الى جلسة. وعرض عليه منصب وزير المالية. فسأله: ولماذا تأخذ مني وزارة الخارجية؟ فأجابه بانه يرى فيه طاقة خارقة في معالجة الازمة الاقتصادية ولا يرى افضل منه لهذا المنصب وتحدياته ـ «فهذه الوزارة بالذات، في هذه الاوضاع بالذات، تحتاج الى رجل قوي ومحنك ويعرف كيف يقيم علاقات خارجية جيدة، خصوصا مع الولايات المتحدة، التي نريد منها دعما خاصا وضمانات بقيمة 12 مليار دولار (4 مليارات مساعدات و8 مليارات ضمانات)».

لكن نتنياهو لم يقتنع بهذا العرض. بل شعر بان شارون غير جدي في عرضه ومليء بالسخرية منه. اذ كان شارون قد تعهد خطيا بمنح اولمرت هذا المنصب، ويقال ان حزب شينوي كان يطالب بوزارة المالية لنفسه. لكن، عندما قال لهم شارون انه قرر منحه لاولمرت، قالوا انهم يتنازلون عن المطلب لانهم يوافقون على ان اولمرت هو الافضل لهذا المنصب. لذلك فهم نتنياهو ان هذه عملية تقزيم من شارون وطرد مؤدب له من الحكومة. ولما اقترح عليه شارون ان يأخذ اية وزارة اخرى يطلبها، اجابه: «الوزارة الوحيدة التي ارى بها نفسي هي الخارجية فقط». فطلب منه شارون ان يعيد النظر في موقفه، ونهض ليودعه. وما ان خرج نتنياهو حتى انطلق مساعدوه وحلفاؤه، وهم حوالي نصف اعضاء كتلة الليكود في الكنيست، يهددون ويتوعدون. فقالوا ان شارون طعنهم في الظهر وكذب عليهم وخدعهم واستغل تصرفهم المؤدب وامتناعهم عن توجيه اي انتقاد لسياسته خلال المعركة الانتخابية وبعدها. وقالوا ان شارون يتجاهل كونهم قوة كبرى في مواجهته في الليكود. واعتبروا تصرفه بمثابة انتقام شخصي رخيص من نتنياهو، هدفه منعه من ان يخلفه في قيادة الحزب في المستقبل. وقالوا ان شارون ضعيف ولا يريد رجلا قويا في مواجهته. ثم هددوا بان يحولوا سنوات حكمه جحيما، ويضطروه الى الاستقالة قبل نهاية الدورة.

لكن شارون كان جاهزا ايضا لمثل هذا الوضع. فلم يتجاهل بقية النواب والوزراء المؤيدين لنتنياهو. فاعلن عن تعيين احد ابرزهم، وهو تساحي هنغبي، وزير الأمن الداخلي، وذلك رغم ان هنغبي يعلن رفضه لخطة خريطة الطريق واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وان شارون كان قد اعلن ان من لا يوافقه على سياسته سيظل خارج الحكومة.

يذكر ان وزير الامن الداخلي الحالي، عوزي لانداو، هو ايضا من المتطرفين اليمينيين الرافضين للدولة الفلسطينية والمقربين من نتنياهو اكثر ممن هم مقربون لشارون. وبذلك، نجح شارون في ضربهما بعضهما بالبعض.

وكان هذا الاسلوب مميزا لعمل شارون خلال تشكيل هذه الحكومة، ايضا في الوزارات الاخرى، وقال احد المقربين منه ان مفاجآت شارون في هذا الموضوع لم تنته بعد، وعليكم الانتظار حتى صباح اليوم عندما يعتلي منصة الكنيست.

واللافت للنظر ان النقاش حول التركيبة الحكومية نجح في طمس النقاش الجوهري حول سياسة الحكومة، ليس فقط في اسرائيل وساحتها الحزبية، بل في العالم اجمع. فهذه هي الحكومة الاشد تطرفا الى اليمين في التاريخ الاسرائيلي، وخطوطها العريضة تتحدث بضبابية مقصودة عن مستقبل المسيرة السلمية، وتتضمن جملة مثيرة للانتباه: «.. فقط اذا اصبح موضوع اقامة دولة فلسطينية امراً واقعيا، يتم عرضه للبحث في الحكومة وستكون هي صاحبة القرار الحاسم». ويعني ذلك ان الخطوط العريضة لن تتضمن بندا حول الموافقة على «خريطة الطريق»، المقررة لتطبيق خطة الرئيس الاميركي، جورج بوش، لاقامة دولة فلسطينية مستقلة وتسوية النزاع في الشرق الاوسط. وسيكتفي شارون باعلان ذلك في خطابه، اليوم على عاتقه الشخصي. فتبدو تصريحاته مقنعة للعالم من جهة، ولكنها من جهة اخرى من دون مضمون او التزام حكومي.

فشارون اهتم بالتفاوض حول القضية الفلسطينية مع حلفائه في اليمين المتطرف، الذين يريدون طمس هذه القضية وتصفيتها على طريقة سنوات الاربعين، وليس مع القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني.